المحتوى الرئيسى

قرآن علي بن ابي طالب ع .. جمعه ، ظهوره ، اختفاءه وعودته بقلم: حميد الشاكر

06/19 20:44

(( قرآن علي بن ابي طالب ع .. جمعه ، ظهوره ، اختفاءه وعودته )) حميد الشاكر

________________

************ المدخل ***********

لاريب إن في تراثنا الفكري الاسلامي والتاريخي الكثير من الموضوعات ، التي وعلى اهميتها الكبرى للاسلام كفكر وكمدرسة وكدين وكرؤية وكتصور وكحقيقة ... الا انها مع ذالك تطوى في ادراج النسيان والاهمال لسبب اولآخر عن قصد او عن غير قصد في تغطية عدم اثارة غبارها ، الذي إن اُطلق من ارضه ربما يشكل عاصفة في الفكر والرؤى والتصورات الفكرية داخل هذه المدرسة والامة الاسلامية الكبيرة !!.

ولعل من ضمن هذه المواضيع التي اعتبرها فكريا من اخطر المواضيع الاسلامية الغير مثارة بكثافة هي موضوعة : (( قرآن علي بن ابي طالب ع )) الذي جمعه اوألفه بعد انتقال الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه واله للرفيق الاعلى وبروزاشكالية جمع القرآن بعده صلى الله عليه واله حسب ماتذكره الكثير من المصادر الحديثية والتاريخية واختلاف المذاهب الاسلامية في هذه الاشكالية الى عدة اتجاهات ورؤى وتصورات ، كل منها يذهب مذهبه الخاص في موضوع جمع القرآن وزمانية وكيفية وسببية حصوله وتأليف سوره واياته ...... الخ والى ماهنالك من فصول وابواب تتعلق بمسألة جمع القرآن تراثيا وتاريخيا وعلميا !!.

والحقيقة لم اطلع فيما بين يدي من مصادر وبحوث على مَن تناول موضوع (( قرآن امير المؤمنين علي بن ابي طالب ع )) بالبحث المعمّق والدراسة المفصلة ، التي تلاحق هذه الزاوية فكريا ، وعلميا من تاريخ القرآن وكيفية جمع امير المؤمنين له بالخصوص إلا ما خطه يراع الشيخ الكوراني في كتيب صغير اسماه ((قرآن علي بن ابي طالب )) مع انه ومن الجانب الاخر للفكرة لا يمكننا اغفال ان هذا ( القرآن العلوي ) قد ذُكر بنوع من التكثيف الخبري المفرّق هنا وهناك بمتون المصادرالحديثية والتاريخية وكذا البحوث العلمية للقرآن الكريم بصورة مستمرة فتقريبا ما من عالم اوباحث معتبر ومحترم كتب في موضوعة تاريخ جمع القرآن الا وذكر : ان عليّا ابن ابي طالب ع كان عنده قرآن قد جمعه بعد وفاة الرسول الاعظم محمد ص وانه جاء به لرجال الحكم آنذاك وعرضه عليهم وانه مختلف في ترتيب سوره وانها حسب النزول القرآني .... الخ ، لكنّ مع ذالك بقي هذا النقل التاريخي والحديثي والسيري والبحثي العلمي.. يتناول موضوع قرآن علي بن ابي طالب عليه السلام على استحياء وباقتضاب غير مبرر ، وباختصار بحيث انه ، وفي بحوث موسعة كالتي يعقدها صاحب الاتقان ( السيوطي ) مثلا لا نجد في قُبالة الكمّ الهائل من المرويات الا مروية واحدة او اثنتين او حديث مبتور ينقل عن قرآن علي بن ابي طالب ع فحسب وبدون مناقشة هذه المرويات ، او دراسة فحوى هذه النقول والاحاديث النادرة وفضلا عن ذالك طبعا مسارعة مَن ينقل هذه المرويات عن غيره في الاغلب الاعم لتضعيف هذه المرويات اوالتشويش عليها اوربما رميها بالقطع وغير ذالك كما حصل لروايات ابن سيرين في الاتقان ، التي نقلت بعض اخبار قرآن علي بن ابي طالب عليه السلام ولماذية تأليفه في عهد خلافة الاول ابي بكر والاتيان بموضوعه في سياق تاريخي حسّاس ، ومَن انتفض في قُبالته كابن حجر ، ليسارع برمي الخبر بالانقطاع او بتأويل معناه على غير وجهه الصحيح والظاهر !!.

وكذا ما طرحه ويطرحه حتى اليوم اساطين علماء مدرسة اهل البيت عليهم السلام في موضوعة (( قرآن علي بن ابي طالب ع )) فلا تعدو الموضوعة كذالك من مرور علمائنا الابرار على هذا الموضوع مرور الكرام ، ونقل ما ورد عن ائمة اهل البيت عليهم السلام او ماذكرته كتب الحديث والسيروالتواريخ الاسلامية فقط بشأن مصحف علي بن ابي طالب ع ليتحول الموضوع برمته الى مجرد الإخبار عن وجود قرآن لعلي بن ابي طالب روائيا وحديثيا وتاريخيا لاغير ، والاكتفاء بنقل رواية عن الكافي واخرى عن ابن النديم او عن علي بن ابراهيم القمي في تفسيره ، وكذا ماذكره صاحب الاحتجاج الطبرسي ، او العياشي في تفسيره ، وبدون حتى عقد فصل دراسة وبحث وتجميع.... لهذه الاحاديث والمرويات والخروج بنظرة موسعة عن قرآن امير المؤمنين علي بن ابي طالب ع تتناول على الاقل المسكوت عنه في الروايات الحديثية كبحوث :

لماذا انفرد امير المؤمنين بهذا الجمع المغاير الذي ميز مصحفه عليه السلام عن باقي مَن جمع القرآن في حقبة حياة الرسول الاعظم محمد ص كابن مسعود وابيّ وبعد وفاته ؟.

وما كانت غايته ؟.

وماهية اختلاف هذا الجمع عن غيره ؟.

وكيف لنا ان نفهم هذا الاختلاف ؟.

وهل من الممكن لاي مسلم ان يعيد قراءته للقران بحيث يبدأ بما بدأ به علي بن ابي طالب قرآنه في الترتيب ؟.

أم انه لابد من الوقوف عند قراءة واحدة للقرآن فحسب ، وهي التي بناها زعماء السلطة انذاك من خلفاء الصحابة والتي هي حتى اليوم بين يدي المسلمين منذ الف واربعمائة سنة ؟.

وهل ما اذا قرأ الانسان المسلم اليوم القران الكريم حسب ترتيب قران علي بن ابي طالب ع ستختلف بنيته الفكرية وتصوراته الاسلامية العامة لجميع الموضوعات الكونية والحياتية والاجتماعية والفردية الشخصية ؟.

أم انه لافرق جوهري سيطرأ على الانسان المسلم وفكره وثقافته ، اذا ما قرأ القرآن حسب وجوده اليوم بين الدفتين او ما اذا قرأه بصورة نزوله العلوية ؟.

ثم ماهي دوافع مشائخ الصحابة مثلا لرفض قرآن علي بن ابي طالب اواعتباره قراناغيرصالح لقيادة أمة محمد رسول الله ص يغنيهم في الهداية ويغني شيوخ الصحابة من عناء توكيل امرجمع القران لزيد بن ثابت ( كان ابنا ليهودي وامًّ نصرانية قبل ان يسلم وهو طفلا كما ورد في متون المصادر عن ابن مسعود وهو يعيره ) الذي بدا بالجمع وكأنه غير ملم بكل ماورد في القرآن كماتوحي به المرويات المذكورة في المتون والمصادر الحديثية والتاريخية والاتيان بسور القرآن واياته من هنا وهناك من العسب والرقاع وصدور الرجال واللخاف وشهادة شاهدين .... وغير ذالك ؟.

ولماذا هذا الرفض ؟.

وما الذي كان يحتويه قرآن علي ع بحيث دفع ابو بكر أوعمر بن الخطاب على وجه الخصوص للانتفاض ولرفض من ثمّ هذا القرآن بالمطلق ، والبحث عن من يجمع لهم القرآن بصورة مختلفة تبدأ من المدني الى المكي من نزول سوره وليس العكس حسب نزوله كما فعل امير المؤمنين علي بن ابي طالب ع ؟.

وهل لاسامح الله كان علي بن ابي طالب ع (مثلا) جاء بقرآن غير هذا الذي جمعه زيد بن ثابت وغيره ليرفضه رجال السلطة والحكم والخلافة انذاك ؟.

أم ان قران علي بن ابي طالب لايختلف ابدا عن القران الذي جمعه زيد بن ثابت الشاب الغير متهم في دينه لشيوخ الصحابة ولا بحرف واحد غير ترتيب السور فحسب فقرآن علي كان مرتبا حسب نزول السور القراني من المكي الى المدني وقران زيد السلطوي رُتب من المدني الى المكي وبقراءات متعددة في الجمع الاول للقرآن الكريم ؟.

واذا كان هذا هو الاختلاف بين قرآن عليٍّ عليه السلام ، وقرآن زيد بن ثابت في الجمع ، فما الذي ازعج شيوخ الصحابة في تقديم السور المكية في قرآن علي عليه السلام (بغض النظر عن ان هناك تفسير وتأويل في قرآن علي ع او لا ) على السور المدنية في الترتيب حتى تمّ رفض قرآن علي بن ابي طالب ع باب مدينة علم الرسول حسب ما اعلنه العظيم محمد صلى الله عليه واله لعلي بن ابي طالب في الاحاديث المشهورة والركون الى تأليف قرآن جمعه شاب من الصحابة استعان بالكثير على عملية جمع القرآن ، والتي لم تزل هي العملية التي تثير الشكوك بين الفينة والاخرى حول صحة القرآن وصيانته من الضياع عند اعداء الامة ، الى ان دُفع الخليفة الثالث عثمان بن عفان بالاطاحة بقرآن زيد وجمعه الذي شتت قراءة المسلمين للقران الكريم في جميع امصارهم ، واعادة صياغة تأليف القرآن على نسخة واحدة ، وارسالها الى جميع الامصاروحرق مادونها من مصاحف ؟؟.

وهل كان تجميع علي ع لهذا القرآن وبهذه الكيفية العلوية المختلفة بنص من رسول الله ص وتوقيف منه ؟.

أم انه تأليف وجمع للقرآن الكريم اجتهد فيه امير المؤمنين عليّ ع كما اجتهد باقي الصحابة اومشايخهم وخلفائهم في جمعهم الاول للقرآن في زمن ابي بكر (( كما يزعم التاريخ )) وجمعهم الثاني في زمن عثمان ابن عفان ؟......الخ .

كل هذا وغيره الكثيرلم يدرس مع الاسف في بحوث تُعقد مستقلة لقرآن علي بن ابي طالب عليه السلام على يد علماء مدرسة اهل البيت الشريفة وماينتج من هذه الدراسات من نتائج وبروز حقائق عقدية وآثار اسلامية عظيمة (سنتعرض لبعضها خلال هذا البحث) حتى على مستوى التغيير في فكر الامة القرآني والاسلامي ، وانطلاقته وبداية بناءه بشكل مختلف !!.

نعم هناك من توسع في ملاحقة (( ماروي )) بهذا الشأن ، كما طرحه العلامة السيد مرتضى العسكري في (القرآن الكريم في روايات المدرستين) ولكنه ( قدس) انتهج نفس النهج الاخباري الذي ينقل الخبربلا التعمق في بحثه ودرسه وملاحقة معانيه وغاياته ومبادئه .... الخ ، فكان طرحه شبيها بطرح التجميع للرواية بلا اضافة معاني الدراية لها ليكون هناك فصلا وبحثا خاصا بقرآن امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام !!.

ولعلّ هناك الكثير من الاسباب التي اعاقت بحث علماء واكابر مفكري مدرسة اهل البيت عليهم السلام في مثل هذه المواضيع القرآنية الجوهرية وربمامن ضمن اهم الاسباب التي منعت علماء مدرسة اهل البيت ع من تناول هذا الفصل بالدراسة والبحث والتعمق هو الخشية من رمي الشيعة ومذهبهم بالانتماء الى قرآن مختلف الترتيب عن قرآن المسلمين الذي بين ايديهم حتى اليوم ومن ثم الافتراء عليهم كما هوالمعهود من حركات الضلال والتطرف والارهاب الاسلاموية التاريخية وحتى اليوم باتهام شيعة اهل البيت ع ومدرستهم بانهم يؤمنون بتحريف القرآن الموجود اليوم بين يدي جميع المسلمين ، وبما فيهم شيعة اهل البيت ع ويؤمنون بقرآن آخر غير قرآنهم !!.

وهذا صحيح من خلال التقصي والبحث نجد ان هناك مَن يفتري بصورة مخزية ومستمرة وبلا حياء على مدرسة اهل البيت وشيعتهم في كل شاردة وواردةوخاصة رميهم بفرية القول بتحريف القرآن ومع ان الشيعة تقطعت اوتارحناجرهم وهم يعلنون براءتهم من فرية القول بتحريف القرآن لكن مع ذالك لم يزل هناك من يجدمصلحة في شق اجتماع الامة وقوة وحدتها بتمزيق لحمة هذه الامة ورمي طائفة عظيمة منهم بالكفر ، واخراجهم من الملّة لقولهم كما يزعم المنتفعون بتحريف القرآن ومن ثم الدعوة للقتل والقتال بين الامة الواحدة لمآرب شيطانية قديمة معروفة !!.

نعم ربما كان هذا من اهم الاسباب التي اعاقت بحث علمائنا الابرار في مدرسة اهل البيت في موضوعة ( قرآن علي بن ابي طالب ع ) وعقد فصول مستقلة لدراسته وملاحقته والخروج منه بنتائج وحقائق علمية كثيرة ومفيدة للامة ولجميع المسلمين خشية على وحدة الامة من جهة واغلاق الابواب امام اعداء الاسلام والمتصيدين بالماء العكر من جانب اخر لكن ومرة اخرى وكما هو معلوم بالضرورة : ان هذه التضحية من قبل علماء شيعة اهل البيت ع في عدم التعرض لبعض المواضيع والبحوث الاسلامية الكبيرة ، والحساسة كموضوع ( قرآن علي بن ابي طالب ع ) لم يغلق الباب على اعداء الاسلام ولا المغرضين ان يستمروا في استهداف مدرسة اهل البيت ع ورميهم بالباطل في كل المواضيع الاسلامية ومنها الافتراء على مدرسة اهل البيت وشيعتهم بالقول بتحريف القرآن ، مما يعطينا وغيرنا انطباعا ان اعداء الاسلام سواء تناول علماء الاسلام هذا الموضوع او ذاك او لم يتناولوه ، فانهم سائرون في مخططهم الشيطاني ، لتفريق الامة المسلمة وزرع الشقاق والعداوة والبغضاء بينهم وتحريضهم على مدرسة اهل البيت على اي حال وفي اي موضوع يطرح في هذه المدرسة المحمدية المباركة وهذا مما يوجب على علماء الامة الابرار ان يعيدوا حساباتهم في قضية الخوف من استغلال اعداء الامة لهذا الموضوع ، او ذاك باعتبار انه موضوع يناقش قضية يمكن استغلالها هنا وهناك !!.

والغريب العجيب بهذا الصدد ان مامن عالم من علمائنا الابرار ممن تناول ( قرآن علي بن ابي طالب ) وجمعه وكيفية ترتيب سوره واختلافها عن ما جمعه شيوخ الصحابة وخلفائهم ، الا ووضع بحثه وتقصيه داخل فصل (( نفي تحريف القرآن الكريم )) وكأن اثارة موضوع (( قران علي بن ابي طالب )) لايمكن اثارته الا من خلال دفع شبهة تحريف القرآن الكريم التي ربما يوحي بها موضوع (( قران علي بن ابي طالب ع )) الى باقي المرويات التي تنسب الى التاريخ والصحابة ويشمّ منها رائحة نقص او زيادة في القرآن الكريم والعياذ بالله !!.

وهذا ان دلّ على شيئ فانما يدلّ على ماذكرناه من تخوّف علماء مدرسة اهل البيت من رميهم بفرية القول : ان عندهم قرآن غير قرآن المسلمين يتعبدون به وان الشيعة فرقة تقول بتحريف قرآن المسلمين الذي بين ايديهم ، وهذا ايضا بالضبط مادفع جلّ علماء مدرسة اهل البيت لوضع فصل وبحث (( قرآن علي بن ابي طالب )) في زاوية او فصل او بحث (( نفي التحريف عن القرآن الكريم )) ليقال مسبقا انه لاتحريف في القرآن حتى وان كان هناك قرآن لعلي بن ابي طالب ع ثبت وجوده تاريخيا وانه مختلف في ترتيبه عن هذا القرآن الذي بين يدي المسلمين حتى اليوم !!.

لكن كان الاجدر بمن تناول البحث ورواية الخبر عن قرآن علي بن ابي طالب ع ان يعقد له فصلا مستقلا وبعيدا عن فصل (( نفي التحريف عن القرآن الكريم )) كي لايوهم ان هذه الفكرة مرتكز فكرة ووهم التحريف في القرآن الكريم وذالك لعدة اسباب لايسع التمهيد لذكرها ولكن من اهمها :

اولا : لفصل فكرة قرآن علي بن ابي طالب ع عن شبهة تحريف او عدم تحريف القرآن الكريم باعتبار انه لاعلاقة عضوية مباشرة بين القول بحقيقة وجود قرآن لعلي ع قد جمع بعد وفاة الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه واله مختلف عن قرآن زيد بن ثابت ، وبين فكرة هل القرآن مصون عن التحريف كما ذكره سبحانه (( انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون )) او ان هناك يد خيانه قد تسللت لنصوصه ومتونه لتتلاعب بها كيفما شاءت ؟.

ثانيا : لانه بالفعل القول بوجود قرآن مختلف ترتيبا لعلي بن ابي طالب ع بغض النظر عن ثبوته تاريخيا وسيريا وروائيا حديثيا ليس له علاقة اصلا بفكرة تحريف القرآن او عدمه ، بسبب ان فكرة الزيادة او النقص في القرآن اصلا هي لاتمت بالصلة لقرآن علي بن ابي طالب بقدر ماهي متصلة بما نقل في مدرسة اهل الحديث والصحابة وقول الكثير من الصحابة كما يرويه السيوطي صاحب الاتقان اشتباها بسقوط او ضياع او نسخ تلاوة سور من القرآن كاملة !!.

كذالك فان القول بوجود قرآن لعلي بن ابي طالب متساوقا زمانيامع ما الفه مشائخ السلطة والحكم من الصحابة من قرآن على يد زيد بن ثابت يؤكد على تطابق القرآنين في النصوص ، والفحوى والمضمون مع وجود اختلاف في الترتيب فحسب لغايات سياسية معروفة لاتمس مطلقا جوهر الصيانه القرآنية من التحريف والتلاعب وسنذكرها فيما بعد وهذا ايضا لايدفعنا بالبحث ابدا ان نضع موضوع (( قرآن علي بن ابي طالب )) في فصل التحريف او عدمه للقرآن الكريم !!.

وعلى العموم كان وضع بحث قرآن علي بن ابي طالب في فصل ( نفي التحريف عن القرآن ) وضعاغير موفق لتناول الحقيقة القرآنية التي طرحها امير المؤمنين علي بن ابي طالب ع نفسه من خلال جمعه للقرآن الكريم بصورة مختلفة وتقديمه للامة باعتباره الحصانة الالهية من الضلال والانحراف عن خط الرسالة المحمدية الخاتمة ، وعلى هذا كان من الاجدر بكل من اراد تناول موضوعة جمع القرآن وتاريخ تاليفه ان يعقد فصلا مستقلا يتناول فيه ماقدمه امير المؤمنين من ترتيب وتاليف للقرآن الكريم مختلفا شكلا عن القرآن الذي جمعته السلطة القائمة انذاك صحيح ولكنه متفق وعميق ومؤثرمضمونا على مسار الفكر والامة والبناء لشخصيتها الاسلامية ولو قدّر لقرآن علي بن ابي طالب ع ان يكون هو المعتمد للامة من قبل السلطة القائمة انذاك لكان هوبالفعل القرآن الذي يهدي للتي هي اقوم على الحقيقة والواقع وبلالبس يذكرولما برزت ظاهرة الاشتباه والمروق من الدين والارتداد عليه كما هو معلوم التاريخ من الخوارج وغيرهم باسم القرآن ونصوصه وحكم الله سبحانه فيه !!.

إن تناول موضوع (قرآن امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام)في هذه الاطلالة المختصرة لا يعني فقط اهمية اثارت الموضوع بشكل معمق ، وبحثي ودراسي منفصل من جديد فحسب ، ولايعني كذالك التأكيد على : ان قرآن علي بن ابي طالب عندما جمعه الامام علي عليه السلام بصورة محددة ، وقدمه للامة ليقيم الحجة عليهم وعلينا كان من ضمن مقاصده الشريفة لاريب هو تنبيه الامة لترتيب قرآن كريم بالامكان اعتماده شرعيا واسلاميا غير ماموجود بين ايديهم بالامس واليوم وفرض عليهم سلطويا من قبل اجتهاد خلفاء الصحابة !!.

وانما لقرآن علي بن ابي طالب عليه السلام قصة لم تنتهي فصولها بعد ، والمسلمون مطالبون ان يهيئوا انفسهم وارواحهم وعقولهم ......وكل وجودهم لاستقبال قرآن علي بن ابي طالب من جديد والذي هو هو كتاب الله سبحانه الذي اوحاه لرسوله العظيم محمد صلى الله عليه واله حسب نزوله وتأويله وترتيبه وزمانه ، والذي هوهو قرآن المسلمين الذي بين ايديهم حتى اليوم ولكن بترتيب سوره بصورة مختلفة يتقدم فيه منسوخه على ناسخه ومطلقه على مقيده وعامه على خاصه ومكيه على مدنيه .... لاغير وهو يظهر مع رجل الاسلام الاخير في المستقبل القادم الامام المنتظر المهدي عجلّ الله تعالى فرجه الشريف كما وردت الروايات والاخبار التاريخية بذالك ، وهو يحمل نفس قرآن علي بن ابي طالب ع ليقود الامة المسلمة بهذا القرآن المختلف حتما في ترتيبه وفي انعكاس تاثيره على ذهن الامة وفكرها وتصوراتها الاسلامية التي سيخلقها قرآن علي بن ابي طالب بشكل مختلف !!.

وهذا وهذا وحده يكفي لكل علماء امتنا الاسلامية ان يكثفوا التبشيرويرسلوا مداد اقلامهم بجود وسخاء للكتابة عن قرآن علي بن ابي طالب ع الذي غبن حقه الاولون وحق على الاخرين ان يعيدوا له موقعه المناسب في فكر الامة والذي هو ايضا قرآن مستقبل هذه الامة والواجب عليها استقباله بالقبول الحسن .

_____________________

******************** المبحث الاول ****************

قرآن علي ع حقيقة تاريخية :

لم تتفق الامة المسلمة بجميع مشاربها وتوجهاتها الفكرية والعقدية على موضوع تاريخي كما اتفقت كلمتها على وجود قرآن لعلي بن ابي طالب ع في تاريخ هذه الامة المسلمة ، وإن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب ع قد اعتزل في بيته لجمع القرآن بعد وفاة رسول الله محمد صلى الله عليه واله ، وانه جاء به يحمله الى قيادات السلطة انذاك يعرضه عليهم ليكون منار هدى للامة المسلمة بعد رسول الله صلى الله عليه واله ، وإن اصحاب السلطة بعد الرسول محمد صلى الله عليه واله ، قد آثروا ان يجمعوا ويألفوا القرآن على طريقتهم ، التي يرتأونها منسجمة مع وضعهم القائم ، ومصالحهم السياسية والقبلية وان خلفاء الصحابة كلفوا زيد بن ثابت ليقوم بمهمة تأليف وجمع القرآن من اللخاف والرقاع والعسب وصدور الرجال بشهادة شاهدين بدلا من القبول بقرآن علي بن ابي طالب عليه السلام !!.

فقد ذكر صاحب الاتقان السيوطي في النوع الثامن عشر من جمع القرآن وترتيبه ، عن ابن ابي داود في روايته الثانية القول :((أخرج ايضا من طريق ابن سيرين قال قال عليٌّ : لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم آليت أن لا آخذ عليَّ ردائي الا لصلاة جمعه حتى أجمع القرآن فجمعته _ 1 _ )).

وعنه ايضا ردّا على ابن حجر في رمي رواية ابن سيرين بالانقطاع قال: ((قلت قد ورد من طريق اخرى أخرجه ابن الضريس في فضائله حدثنا بشربن موسى ، حدثنا هودة بن خليفة حدثنا عون عن محمد بن سيرين عن عكرمة قال : لما كان بعد بيعة ابي بكر قعد علي بن ابي طالب في بيته فقيل لابي بكرقد كره بيعتك فأرسل اليه فقال : أكرهت بيعتي ؟.

قال : لاوالله !.

قال : ما أقعدك عني ؟.

قال : رأيت كتاب الله يزاد فيه فحدثت نفسي ان لا البس ردائي الا لصلاة حتى اجمعه .

قال له ابو بكر : فانك نعم مارأيت _2_ )) .

وبغض النظرعن مافي رواية عكرمة التي ينقلها السيوطي عن ابن سيرين من اشكاليات حول بيعة ابي بكر ودفع علي لتهمة كراهية البيعة لابي بكر بسبب مناقضتها للصريح من التاريخ المدّون ، الا ان الرواية صريحة في ان علي بن ابي طالب عليه السلام جلس في بيته لجمع القرآن وتأليف فصوله وسوره ولعلّ هناك من اراد تحريف موقف عليٍّ من بيعة ابي بكر فاضاف لها جمع القرآن ليكون سببا في تخلف علي وكراهيته لبيعة ابي بكر وجلوسه في بيته !.

وكذا مانقله السيوطي عن ابن حجر نفسه لكن في النوع العشرين من معرفة حفاّظ القرآن ورواته قوله عن ابن حجر :(( قال ابن حجر وقد ورد عن علي انه جمع القرآن على ترتيب النزول عقب موت النبي صلى الله عليه وسلم ، أخرجه ابن ابي داود _ 3 _ )).

وروى القرطبي صاحب ( الجامع لاحكام القرآن ) عن ابن الطيب قوله :(( قال ابن الطيب : إن قال قائل قد اختلف السلف في ترتيب سور القرآن ، فمنهم من كتب في مصحفه السور على تاريخ نزولها ، وقدم المكي على المدني ، ومنهم من جعل في اول مصحفه الحمد ومنهم من جعل في اوله " اقرأ باسم ربك " وهذا اول مصحف عليّ رضي الله عنه _ 4 _ )).

وفي رواية القرطبي اضاءة على موضوع قرآن علي بن ابي طالب عليه السلام وهي : انه قرآن في اول سورة منه سورة اقرأ او العلق وان لعلي بن ابي طالب مصحفا خاصا به كان مختلفا عن باقي ترتيب مصاحف الصحابة !!.

وهكذا ماينقله الشيخ محمد هادي معرفة عن ابن النديم في فهرسه - بسند يذكره - :(( ان عليا ع راى من الناس طيرة عند وفاة النبي ص فاقسم ان لايضع رداءه حتى يجمع القرآن فجلس في بيته ثلاثة ايام حتى جمع القرآن ، فهو اول مصحف جمع فيه القرآن من قلبه وكان هذا المصحف عند ال جعفر _ 5 _)).

ويبدو جليا من رواية ابن النديم ان مصحف علي بن ابي طالب ع كان هو اول مصحف جمع فيه القرآن كاملا ، بالاضافة الى اختلاف دوافع جمع القران في رواية ابن النديم عن ماسبق من روايات ، ففي رواية السيوطي كان دافع امير المؤمنين علي ع لجمع القرآن رؤيته وخشيته من الزيادة في كتاب الله اما في راوية ابن النديم فكانت طيرة المسلمين بعد وفاة الرسول ص السبب الكافي لدفع امير المؤمنين لجمع القرآن وتأليفه في مصحف واحد ولكن ليس من الصحف التي كتبت على عهد رسول الله كما في روايات الخاصة بل من قلبه الشريف مباشرة !!.

وذكر اليعقوبي في تاريخه :(( وروى بعضهم ان علي بن ابي طالب كان قد جمعه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتى به يحمله على جمل فقال : هذا القرآن قد جمعته ...- 6 - )).

والرواية ذيلها طويل وهي تنفرد بترتيب مصحف علي عليه السلام بشكل غير ماذُكر في جلّ الروايات التي تؤكد على ترتيبه من المكي الى المدني من السور غير ان اليعقوبي ذكر قرانا لعلي مجزءا لسبعة اجزاء ، وجزءه الاول يبدأ بجزء سورة البقرة المدنية ، ولهذا مايفسره عند بعض الاعلام سنذكره في موضعه !!.

اما ماروي عن طريق مدرسة اهل البيت وعلماءها الابرار في شأن وجود مصحف وقرآن لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب ع فبغض النظر عن ورود الرواية عن ائمة اهل البيت عليهم السلام بشكل له من الشهرة الشيئ العظيم بحقيقة مصحف علي بن ابي طالب ع ووجوده تاريخيا كرواية صاحب الكافي الشيخ الكليني اعلى الله مقامه في كتاب فضل القرآن عن ابي عبدالله عليه السلام ما مختصره :(( وقال : أخرجه عليّ - اي المصحف - عليه السلام الى الناس حين فرغ منه وكتبه فقال لهم : هذا كتاب الله عزوجل كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه واله وقد جمعته من اللوحين .... - 7- )) .

فأن اجلاّء وفقهاء ومراجع علماء مدرسة اهل البيت عليهم السلام قد نفوا حتى مجرد الشك في وجودقران لعلي بن ابي طالب الفه عليه السلام وجمعه بعد وفاة الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه واله واخرجه لزعماء السلطة انذاك ليكون هو الامام للامة لولا رفض السلطة الحاكمة له !!.

فقد ذكر اية الله السيد ابو القاسم الخوئي في ( البيان في تفسير القرآن )مانصه بشأن وجود قران علي بن ابي طالب تاريخيا : (( أن وجود مصحف لأمير المؤمنين عليه السلام ، يغاير القرآن الموجود في ترتيب السور مما لاينبغي الشك فيه وتسالم العلماء الاعلام على وجوده أغنانا عن التكلف لاثباته ...- 8 - )).

وقال العلامة البلاغي (كما ينقله اية الله الشيخ محمد هادي معرفة): (( من المعلوم عند الشيعة ، أنّ عليًا أمير المؤمنين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله لم يرتد برداء ، إلاّ للصلاة حتى جمع القرآن على ترتيب نزوله وتقدّم منسوخه على ناسخه -9-)).

وبهذا يتبين ان حقيقة وجود مصحف او قرآن لعلي بن ابي طالب ع جمعه بعد وفاة الرسول الاعظم صلى الله عليه واله من الحقائق التي لايمكن الشك او ورود الشك وتسربه نحوها !!.

نعم يترتب على هذه الحقيقة حول قرآن علي بن ابي طالب ع الكثير من البحوث القرآنية ، التي تتعلق بالخصوص في بحث جمع القرآن ، وهل جمع القرآن كاملا في زمن وحياة الرسول الاعظم محمد ص كما يذهب اليه اكابر علماء مدرسة اهل البيت ع ؟.

أم ان حقيقة قرآن علي بن ابي طالب وجمعه وتأليفه..... تؤكد ما تذهب اليه مدرسة الصحابة من ان القرآن لم يكن مجموعا (( وليس مكتوبا)) بتمامه ابان حياة الرسول محمد صلى الله عليه واله في مصحف واحد ؟.

وكيف يجمع ومنطق العقل والضرورة يقول مادام نافذة الوحي لم تزل مفتوحة بحياة الرسول الاعظم محمد ص فلايمكن القول بختم وجمع القرآن في جامع واحد ، الا بعد انتقال الرسول الاعظم صلى الله عليه واله الى الرفيق الاعلى وبهذا يحصل اليقين بانقطاع وحي السماء والسماح للامة بجمع القران في مصحف واحد باعتبار انه لاانتظار بعد رحيل الرسول ص لاي وحي من السماء ؟!.

ولولا الاطالة بالبحث لناقشنا ما اورده اية الله الخوئي بالبيان بهذا الصدد ، وما ذكره ايضا السيد العسكري في مطارحاته بين المدرستين ، وما يذهب اليه العلامة السيد الطباطبائي في تفسير الميزان ، لكن ارتأينا ان ذالك خارج سياق بحثنا هذا فاكتفينا بالاشارة فقط لحقيقة قرآن علي بن ابي طالب عليه السلام ، وانها الحقيقة التي لم يلتفت لها بعمق باعتبار انها الدليل على صحة الراي الاخر القائل ان اول من جمع القرآن بعد وفاة رسول الله ص هو علي بن ابي طالب ع !.

____________________

************* المبحث الثاني **********

1: متى جمع علي بن ابي طالب عليه السلام قرآنه المُشار اليه في اكثر من مصدر تاريخي وسيري وحديثي ؟.

2: وهل كان جمع قران عليٍّ ع انعكاس وردة فعل لتفكير وجمع السلطة الحاكمة انذاك للقران بمساعدة زيد بن ثابت بعد وقعة اليمامة اولا ؟.

أم ان قرآن السلطة وتفكيرها بتاليفه وجمعه كان هو انعكاس وردة فعل لتأليف عليٍّ ع للقرآن الكريم وليس لوقعة اليمامة كما إدعته السلطة القائمة انذاك وكتّابها التاريخيين وفقهاءها السلطانيين من على لسانها فيما بعد ؟.

في هذا المبحث ينبغي علينا ان نبدأ بملاحقة قرآن امير المؤمنين علي بن ابي طالب من زاويته الزمانية قبل الحديث عن اي شيئ يتعلق بهذا القرآن الكريم وكيفية تاليفه وجمعه وذالك بسبب ان معرفتناللتوقيت الزمني لكتابة علي بن ابي طالب لقرآنه سيسلط الضوء حتما على دوافع ومبررات أما :

اولا :السلطة انذاك في التفكير اوالاقدام على عملية جمع القرآن في زمن خليفة السقيفة ابي بكروبمشورة من عمرابن الخطاب كما تتحدث به معظم المصادرالتاريخية والحديثية !.

ثانيا:وإما مبررات اميرالمؤمنين ودوافعه التي دفعته للتفكير والاقدام والجلوس في بيته لجمع القران وتاليفه ان كانت السلطة الحاكمة انذاك هي من بادر لفكرة جمع القران قبل علي بن ابي طالب عليه السلام !!.

ولايمكننا حقيقةً ان نفهم مبررات ودوافع كلا الطرفين سلطة الخلفاء او أمير المؤمنين علي بن ابي طالب في هذا المبحث من دون ان نناقش من هو صاحب المبادرة الاولى في فكرة تاليف وجمع القران مبتدءا!!.

في الزاوية الاولى من الموضوع تكاد تكون كلمة مدرسة اهل الحديث والتدوين التاريخي الاسلامي السلطوي متفقة وفي جميع مصادرها السيرية والتاريخية والحديثية على ان صاحب فكرة ( جمع القرآن ) كان هو الرجل الثاني لسلطة السقيفة عمر بن الخطاب عندما اشارعلى ابي بكربن ابي قحافة بفكرة جمع القرآن في مصحف واحد بعد يوم اليمامة وتكاد تكون هذه المعلومة من المسلمات عند كل من تناول تاريخ جمع القران في مدرسة الصحابةالتي يكاد يكون مصدرها واحدا وهو ما رواه البخاري في صحيحه في ( باب جمع القرآن ) من (كتاب فضل القرآن ) في الحديث رقم ( 4630) مانصه :

(( حدثنا موسى بن اسماعيل عن ابراهيم بن سعد حدثنا ابن شهاب عن عبيد بن السباق ، أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : أرسل اليّ ابو بكر مقتل أهل اليمامة ، فاذا عمر بن الخطاب عنده ، قال ابو بكر رضي الله عنه : إن عمر أتاني فقال : إن القتل قد استحرّ يوم اليمامة بقرّاء القرآن ، واني اخشى ان يستحرّ القتل بالقرّاء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن ، واني ارى ان تأمر بجمع القرآن . قلت لعمر : كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال عمر : هذا والله خير ، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذالك ورأيت في ذالك الذي راى عمر ، قال زيد : قال ابو بكر : إنك رجل شاب عاقل لانتهمك ، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتتبع القرآن فاجمعه ، فوالله لوكلفوني نقل جبل من الجبال ما كان اثقل عليّ مما امرني به من جمع القرآن ، قلت : كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هو والله خير ، فلم يزل ابو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر ابي بكر وعمر رضي الله عنهما فتتبعت القرآن اجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع ابي خزيمة الانصاري ، لم اجدها مع احد غيره ، لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ماعنتم سورة التوبة 128 ، حتى خاتمة براءة ، فكانت الصحف عند ابي بكر حتى توفاه الله ، ثم عند عمر حياته ، ثم عند حفصة بنت عمر . - 10 - )).

وفي هذا النص الحديثي يظهر بجلاء عدة حقائق تتعلق زمانيا ومكانيا بفكرة جمع القران ، وسبب وكيفية ذالك بالاضافة الى الامور المهمة التالية :

اولا : إن القرآن لم يكن مجموعا بشكله الكامل من الصحف المبعثرة وبمصحف واحد في زمن الرسول الاعظم محمد ص !.

ثانيا: ان صاحب الفكرة من الاساس هو عمر بن الخطاب وليس الحاكم الاول للمسلمين ابي بكربل ان النص يصرّح بان عمر ابن الحطّاب أمر الخليفة الاول بجمع القرآن كما اشرنا اليه بالخط تحت النص اعلاه من قول ابي بكر :(( مما امرني به من جمع القرآن )) .

ثالثا : ان الدوافع التي شحنت عمر بن الخطاب للالحاح ، والاصرار على فكرة جمع القرآن هي خشيته على ضياع القرآن بعد واقعة او حرب اليمامة التي قتل فيها العديد من القرّاء من صحابة الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه واله .

رابعا : رفض الخليفة الاول ابو بكر لمشروع جمع القرآن وتاليفه بمصحف واحد ابتداءً لكون الرسول محمد صلى الله عليه واله لم يقم بهذا المشروع ولم يطرح الفكرة قبل عمر ، الى ان شرح الله صدر الحاكم لفكرة عمر وعرضها على زيد بن ثابت الشاب الغير متهم عند دائرة الحكم واصحاب النفوذ والسلطة وكان كاتبا للوحي في زمن الرسول ص في المدينة .

خامسا : تردد زيد بقبول الفكرة ابتداءً واعتراضه ثانيا على مشروع لم يقم به محمد الرسول صلى الله عليه واله ، لكن بعد اصرار الخليفة ومستشاره الاول عمر على ذالك وافق زيد على تبني المشروع والقيام به .

سادسا : شروع زيد بالقيام بالمهمة وتعقب ايات وسور القرآن من هنا وهناك من الورق وعظام الكتف وجريد النخل ومن الحجارة التي كان يكتب عليها الصحابة القران ومن الخشب ... وغير ذالك .

سابعا : الانتهاء من مشروع جمع القران ووضعه عند الخليفة ابي بكر ومن ثم عند الحاكم من بعده عمر بن الخطاب لينتهي المطاف بقران زيد بن ثابت وراثة عند حفصة بنت عمر بن الخطاب وفي ادراج صناديقها المقفلة قبل ان يحرقه مروان ابن الحكم في خلافة عثمان بن عفان .

ولعلّ هذه النقاط السبعة هي ابرزما ذكره ويذكره علماء الحديث والتاريخ الى يومنا الحاضرحول فكرة جمع القرآن في مدرسة انصار الحكم من صحابة الرسول ص !!.

أما مايتعلق بفكرة جمع القرآن في الجانب الاخر للموضوع المتعلق بقرآن امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام فقد وردت الرواية بالشكل والنقاط المختلفة التالية :

اولا : جلوس علي بن ابي طالب ع في بيته بعد وفاة الرسول مباشرة لجمع القرآن كما انزله الله سبحانه وتعالى كما تورده الاخبار بجميع مصادر المسلمين المعتبرة .

ثانيا : ورود الرواية التي تتحدث صراحةً ان الرسول محمد قد اوصى علي بن ابي طالب ع بان يجمع القرآن الموجود اساسا بصحف غير مجموعة فقد روى صاحب تفسير الصافي الكاشاني عن علي بن ابراهيم القمي في تفسيره باسناده عن ابي عبد الله عليه السلام قال : (( إن رسول الله صلى الله عليه واله قال لعلي عليه السلام ياعلي إن القرآن خلف فراشي في الصحف والحرير والقراطيس فخذوه واجمعوه ولاتضيعوه كما ضيعت اليهود التوراة ، فانطلق علي عليه السلام فجمعه في ثوب اصفر ثم ختم عليه في بيته وقال : لا ارتدي حتى اجمعه . قال : كان الرجل لياتيه فيخرج اليه بغير رداء حتى جمعه .- 11- )).

ثالثا : إتيان علي بن ابي طالب ع بالقرآن مجموعا حسب وصية الرسول محمد صلى الله عليه واله له في مرضه قبل وفاته لاصحاب السلطة والحكم ورفض الرجل الثاني في الحكم عمر بن الخطاب لقرآن علي بن ابي طالب .

وعلى هذا الاساس والنقاط المذكورة في روايات الفريقين فريق السلطة وفريق امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام يتبين لنا من خلال المقارنة والبحث الاتي من الزوايا المهمة :

اولا : إدعاء فريق الحكم ان سبب قدح فكرة جمع القرآن للرجل الثاني في الخلافة عمر بن الخطاب هو معركة اليمامة التي نشبت بين المسلمين من قرّاء الصحابة وبين قبائل الاعراب العربية التي ارتدت مع مسيلمة الكذاب وغيره من اعراب الجزيرة ومثل هذا الطرح يثير الكثير من علامات الاستفهام الغريبة التي تبدأ بالتالي :

أ : ما الاسباب الشرعية الموجبة التي دفعت السلطة الحاكمة آنذاك من دفع العظيم من القرّاء وعلماء الامة الى معارك خارج عاصمة دولة الرسول في المدينة المنورة ، واستبقاء من هو غير قارئ ، ولا حافظ للقرآن في المدينة مما انتج بعد استشهاد علماء الامة وقارئيها للقران في معركة اليمامة ان يخشى الرجل الثاني في الحكم عمر على ضياع القرآن بعد مقتل حامليه ؟.

وألم يكن الجدير باصحاب الحكم والسلطة والخلافة ان يدعوا الى نفير الجهاد من هو اقلّ شأنامن حملة القرآن انصياعا لقوله سبحانه :(( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون / 122/ التوبة )) فكيف ساغ لاصحاب الحكم والسلطة الزج بالعظيم من قرّاء القران وحملته من علماء الامة بحروب تأكل من يقدم اليها بحيث اضطرهم هذا العمل بعد استشهاد اهل القرآن للاعتماد على زيد بن ثابت الذي لم يكن بالمستوى المطلوب من وعي القرآن كله بمكيه ومدنيه ، لاسيما ان علمنا ان زيد انصاري ومن اهل المدينة وآمن وهو صغير السن بعد يهوديته ولم يحضر القرآن المكي كله ولا ملابساته وكيفية انزاله وحيا لرسول الله صلى الله عليه واله ؟!.

ب : حرب اليمامة مع مسيلمة وانصاره وقعت في السنة الثانية عشر او في بداياتها ونهاية السنة الحادية عشر من الهجرة (12) مما يعني ان القرآن المشار اليه انفا والذي ارتأت السلطة الحاكمة جمعه بالاستعانة بزيد كان بعد سنة او اقل من ذالك بقليل بعد رحيل الرسول الاعظم محمد ص من هذه الدنيا الى الرفيق الاعلى ولم تتحرك فكرة الخوف على القران الا بعد زمن ليس باليسير من وفاة الرسول وهذا يعني من جانب آخر انه لولا استحرار القتل بقرّاء القرآن من الصحابة الذي لايفهم حتى اليوم لماذا الزج بهم بكثافة بحروب حتى اكلت منهم العشرات ، اذا لم يكن المئات مع انهم لانفير عليهم غير نفير طلب العلم وانذار المسلمين اذا رجعوا من القتال .......الخ ، لما كانت الفكرة اصلا واردة عند المسلمين بجمع القرآن في مصحف واحد لاسيما انه فعل لم يقم به الرسول الاعظم محمد ص حسب ماترويه هذه الروايات ولبقي المسلمون حتى اليوم يقرأون القرآن مفرقا وكل حسب قراءته للقران وطريقه الموصل سندا لقراءة هذا الصحابي او ذاك !!.

ثانيا : في الجانب الاخر للموضوع نجد ان عليّا بن ابي طالب عليه السلام اعتكف في بيته من اول يوم لوفاة الرسول ليجمع قرآن المسلمين النازل على رسولهم الكريم محمدص كوظيفة شرعية انيطت بعنقه للحفاظ على اقدس مقدسات المسلمين وبلا مبررات من هنا وهناك كقتل القرّاء او غيابهم عن عاصمة الدولة وانتشار الجهل والخوف على ضياع مقدس المسلمين الاول والاخير الا وهو القرآن الكريم !!.

ولا فرق ان كان عمل علي بن ابي طالب ع في جمعه للقرآن ، كان بوصية من رسول الله محمد صلى الله عليه واله وهذا هو الاقرب للصواب في اندفاع علي ع وتصميمه على جمع القرآن كأول عمل عظيم يقوم به بعد وفاة الرسول محمد ص ، او كان علي بن ابي طالب قام بهذا العمل لجمع القرآن باعتبار وظيفة امامته بعد الرسول وانه القائم بامور الامة بعد الرسول محمد ص فعلى كلاالمعنيين كان علي بن ابي طالب ع ومن اول يوم لوفاة الرسول شغله الشاغل هو كيفية جمع القرآن في مصحف واحد يوحد الامة ويجمع لها شتات مقدساتها الاعظم القران الكريم !!.

وعلى هذا الاساس يتبين لنا كباحثين ومنقبين عن زمانية فكرة جمع القرآن ان اول من قام بها واسس لمفهومها هو علي بن ابي طالب ع سابقا بذالك فكرة السلطة الحاكمة بقيادة ابي بكر ، وعمر بن الخطاب بسنة بعد وفاة الرسول او ستة اشهر على الاقل وانها فكرة علوية كانت دوافعهاشرعية اسلامية بحتة بوصية من الرسول الاعظم محمد ص لعلي بن ابي طالب ع تدرك اهمية وواجب جمع القرآن بمصحف واحد لمصير وتوحيد الامة المسلمة بغض النظرعن وجود قرّاء قد قتلو في معارك الجهاد ضد المرتدين او لم يقتلوا !!.

وبهذا ومن وجهة نظري الفكرية الخاصة اجد ان فكرة جمع القرآن ، التي طرحها عمر ابن الخطاب باسم يوم اليمامة ومقتل القرّاء فيها وخشيته على ضياع القرآن .....الخ ، كلها كانت مبررات غير واقعية لفكرة الجمع القرآني تلك ، وإن مادفع حقا الرجل الثاني في سلطة السقيفة عمر بن الخطاب ، للتفكير بجمع القرآن وحثه او دفعه للخليفة الاول ابي بكرعلى تبني هذه الفكرة ( اذا لم يكن امره امرا بذالك ، فانصاع الخليفة ابو بكر لمطلب عمر ابن الخطاب قرين وخليل السلطة معه لفكرة جمع القرآن تلك) هو ما كان يقوم به علي بن ابي طالب عليه السلام في بيته من عملية تأليف وجمع القرآن ومعرفة عمر ابن الخطاب وادراكه لخطورة هذه الخطوة من قبل عليٍّ ع على مخططات الحكم القائم وقرب اعلان امير المؤمنين لمشروعه في جمع القرآن على الامة ليكون هو امام المسلمين وقرآنهم الرسمي وموحدهم على الحقيقة !!!.

وهنا ندرك ان حركة او فكرة عمر لجمع القرآن بمبرر الخوف على ضياعه بعد مقتل القرّاء في اليمامة قد كانت حركة وفكرة استباقية لاجهاض مشروع علي بن ابي طالب لتوحيد وجمع القرآن واعلانه للامة ، كما انه بهذا نفهم وندرك اصرار والحاح عمرعلى ضرورة جمع القرآن الآن وقبل اعلان علي بن ابي طالب لقرآنه وفرض هذه الفكرةعلى الخليفة واستدعاء زيد للقيام بهذه المهمة التي لاعمر كان قادرا على القيام بها لوحده ولا الخليفة الاول ابو بكر بسبب ان كلا الرجلين لم يكونا من حفّاظ القرآن وقراءه ومستوعبيه على التمام (- 13 -) فاضطرا للاستعانة بشاب ليس له خبرة كافية غير اطاعة اوامر الخليفة في كيفية ترتيب القرآن الذي وبالفعل اصبح هو قرآن السلطة الذي اطاح بقرآن علي بن ابي طالب وابطل مشروع توحيده وجمعه واعلانه للقران الموحد !!.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل