المحتوى الرئيسى

أرض النسور بقلم:عمر فوزي نجاري

06/19 19:52

الدكتور عمر فوزي نجاري

أرض النسور

جسر الشغور, تلك البلدة السورية الهادئة الوادعة, المنسية, الغافية على ضفاف العاصي, بلدة حبتها الطبيعة بالجمال وعبق التاريخ الممزوج برائحة البكر من زيت الزيتون, قفزت مؤخراً لتحتل الصدارة في وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية, وقد كتب اسمها بالأحرف العريضة على صفحات الجرائد وشاشات التلفاز, أنباء تجعلك تلامس قشعريرة الموت, أنباء تمزق القلب كمداً لما آلت إليه الأمور ولا نملك حيالها إلاّ أن نقول : حسبنا الله ونعم الوكيل.

وكيف لا نأسى على جسر الشغور وهي التي عرّفها القاص حنا مخول (أبو توفيق) في مجموعته القصصية بأنّها( أرض النسور ) مجموعة قصصية تاريخية واجتماعية وإنسانية, شدّنا إليها القاص بأسلوبه البسيط المعبر عن صدق مشاعره تجاه تلك المدينة التي عاش فيها ردحاً من طفولته وتركت بصماتها واضحة جلية في كتاباته اللاحقة, يقول عنها حنا: (مدينة عشت فيها طفولتي ونلت شهادتي الأولى وانطبعت في ذاكرتي عادات سكانها الطيبين وتقاليدهم) ثم يتابع واصفاً سكانها بأنهم: ( سكان المدينة مشهورون بكرمهم وحبهم بعضهم لبعض وتفانيهم في خدمة الغير, لديهم نخوة وعزة).

( أرض النسور ) هذه ( جسر الشغور ) أرض المحبة والوئام, فيها تماهى نسيج المجتمع السوري بأطيافه العرقية والدينية كافة, يتعايش فيها المسلمون والمسيحيون, العرب والكرد والتركمان والشركس, وقد استوطن فيها قسم من أهالي اسكندرون وانطاكية ممن نزح من هناك هرباً من الأتراك. مدينة وقفت شامخة الرأس بوجه الانتداب الفرنسي الذي لطالما سعى للعب على وتر(فرق تسد) ولكن دون جدوى.. وهذا ما أثبته الأستاذ حنا في قصته(شعب عنيد) وفيها يذكر كيف استولى الفرنسيون على الحي المسيحي في البلدة ليقوموا بعدها بكسر أبواب الكنيسة واقتحامها مما ألهب مشاعر سكان البلدة جميعاً, وكانت الأحياء الإسلامية الأكثر حماسة من غيرها, إذ كانوا يرددون: (نحن إخوة نعبد إلهاً واحداً, والوطن للجميع). ثم يتابع سرده عن المعركة الكبيرة التي دارت رحاها ليوم كامل, سمع فيها الأهالي خبراً مفرحاً تناقله السكان: (النجاري كمن لقافلة من الفرنسيين وكبدهم أضراراً فادحة). وما هي إلاً أيام معدودة حتى هرب القائد الفرنسي مع عسكره تحت جنح الظلام. ثم يتابع سرده: ( ويوم الأحد قرعت الأجراس طويلاً وغصت الكنيسة على غير عادتها, وكان مسلمون كثر قد جاؤوا لمشاركة إخوانهم في صلاة النصر). ويتابع قائلاً: ( لو كان لحجارة تلك الكنيسة قدرة على الكلام لحكت عن ملاحم الحب والتضامن يومذاك).

في كتابه ( سورية اليوم ) لكاتبه ( جان هيرو ) ترجمة إلياس ملكي, منشورات المكتب العربي في باريس خريطة للساحل السوري ووادي العاصي وتظهر فيها جسر الشغور محاطة بمجموعة من الجبال: من الجنوب الغربي جبال العلويين, ومن الشمال جبل النجاري, ومن الشرق الجبل الوسطاني, ومن الجنوب الشرقي جبل الأربعين. وتحيط بها عشرات القرى الممتدة من الزعينية إلى الغسانية( انجزيك) وحلوز إلى بشلامون واشتبرق إلى كنيسة نخلة إلى القادرية( قيقون) والقنية واليعقوبية والسحاقية إلى أرملة وهتيا وغاورغو, والعديد من القرى الأخرى, إنّه ريف واسع امتزجت فيه الأعراق والديانات, وحّدهم إله واحد ووطن واحد في شعب واحد.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل