المحتوى الرئيسى

وقفة نقدية متواضعة مع الدستور المغربي الجديد بقلم:محمد شركي

06/18 18:49

وقفة نقدية متواضعة مع الدستور المغربي الجديد

محمد شركي

من المعلوم أن حديث الساعة في الساحة الوطنية هو موضوع الدستور الجديد الذي بلغه العاهل المغربي جلالة الملك لشعبه في خطاب الأمس . ولا شك أن هذا الدستور الجديد سيكون موضوع نقاش أطراف متعددة خلال المدة الفاصل بين إذاعته في الناس وبين التصويت عليه. ومن حق كل مواطن مغربي أن يدلي بدلوه في مناقشة هذا الدستور شريطة أن يكون النقد بناء وهادفا ،ولا يكون مجرد مناقشة بيزنطية. وأول ما يفرض نفسه علينا هو أخذ ظروف صدور هذا الدستور بعين الاعتبار لأنها تسلط الضوء على بعض فصوله وتوضح خلفياتها . فكثير من الناس سيقولون إن هذا الدستور هو نتيجة الحراك الوطني ضد الفساد للعشرين من فبراير، وهذا أمر لا ينكرمنكر، ولا يجحده جاحد ،إلا أن ظروفا أخرى تقف وراء ميلاد هذا الدستور ولا يمكن إنكارها أيضا . فالظرف العالمي له حضوره في صياغة دستورنا الجديد، ذلك أن العالم يمر بأزمة اقتصادية خانقة لها عواقب سيلسية ، واجتماعية ، وثقافية ، وهذه العواقب هي التي خلقت ما يسمى ربيع ثورات الشعوب العربية . ولا يمكن أن ينكر منكر أن الأزمة الاقتصادية العالمية التي هدت أركان الدول العظمى لم تفعل فعلها في البلاد العربية . والوضع العالمي صار حاضرا بقوة في كل أقطار العالم ذلك أن القوى العظمى تفرض على باقي دول العالم سياسة معينة مفادها الالتزام بالديمقراطية وبحقوق الإنسان وبالحريات العامة . وإذا ما كانت الحراكات في البلاد العربية بدأت سلمية من أجل الحصول على الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات فإنها أمام رفض بعض الأنظمة لها تحولت إلى ثورات ساخنة ، وعصيان مدني مما جعل الدول العظمى تقف إلى جانب مطالب الشعوب مضطرة لا بطلة ، وتطالب الأنظمة الفاسدة بالتغيير والإصلاح تلافيا للعصيان والاضطرابات. ولقد اضطرت الدول العظمى إلى التخلي عن أنظمة كانت تربطها بها علاقات متميزة لما تأكدت من رفض الشعوب لها . والمغرب وضع في حسابه لا محالة ضغوط الدول العظمى عندما هم بإصلاح دستوره مع أن ضغوط الدول العظمى جاء بناء على الحراك الوطني الشعبي . والمغرب لم يضع في حسابه الحراك الشعبي وحده ، وما يوازيه من ضغوط خارجية للدول العظمى فحسب ، بل وضع في حسابه وضعه الداخلي وهو ما يمكن أن نسميه الضغط الداخلي من غير حركة العشرين من فبراير. فالمغرب سواد شعبه محافظ متمسك بدينه وبعقيدته السنية الأشعرية ومذهبه الفقهي المالكي، فكان لا بد للدستور أن يضع في اعتباره هذا الأمر لهذا جاء التصريح بإسلام الدولة في الدستور الجديد. ولا يمكن أن ننفي وجود تأثير جماعات إسلامية متراوحة بين تطرف واعتدال في المواقف في صياغة فصل الدستور الخاص بالدين الإسلامي دينا رسميا. والمغرب فيه تنوع عرقي بين الأجناس العربية والأمازيغية والحسانية واليهودية ، لهذا وضع في الاعتبار هذا التنوع فجاء التصريح في الدستور الجديد برسمية اللغة العربية وحمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها ، وكذا التصريح برسمية اللغة الأمازيغية وبالعناية بباقي اللغات واللهجات المستعملة في الوطن ، الشيء الذي وضع حدا لكل المزايدات المتعلقة بالتنوع اللغوي والثقافي في المغرب والتي تركبها بعض الجهات لحاجة في نفس يعقوب . ولا يمكن إنكار أثر العلمانية في صياغة الدستور الجديد أيضا من خلال وجود بعض مفاهيمها في بعض فصول هذا الدستور ، ومن ذلك التنصيص على تأسيس الأحزاب السياسية على غير الأسس الدينية واللغوية والعرقية والطائفية . ولا يمكن أن ننكر الاعتبارات الإقليمية والقومية والعالمية المؤثرة في صياغة دستورنا الجديد من قبيل الانتماء المغاربي و العربي ، والإفريقي والجوار الأورومتوسطي ، والعلاقات الدولية . وخلاصة القول بالنسبة لظروف الدستور الجديد أنها جعلت صياغته رهينة بهذه الظروف الخارجية والداخلية حيث حاول الدستور الجديد إرضاء الجميع داخليا وخارجيا حتى لا يترك فرصة للنقد أو حتى المزايدة من طرف جهة داخلية أو خارجية . وعندما نقف عند الأسس والمبادىء التي قام عليها دستورنا الجديد نجدها جامعة مانعة كما يقول أصحاب التعاريف حيث جمع الدستور الجديد بين الديمقراطية التي هي حكم الشعب لنفسه ، وبين الحق والقانون الضامنين للعدالة ، والمؤسسات الحديثة ، والمشاركة في الحكم عن طريق التعددية ، والحكامة في التدبير ، والحرية ، والكرامة والمساواة ، وتكافؤ الفرص ، والعيش الكريم ، والتوازن بين الحقوق والواجبات . فعلى ضوء هذه المبادىء والأسس تم اختيار دستور البلاد التي تحكمها مؤسسات على رأسها الملكية الدستورية الديمقراطية البرلمانية الاجتماعية ، وهذه النعوت لها دلالاتها ، وهي نتيجة المطالب بالإصلاحات وفق المبادىء والأسس المذكورة آنفا التي رفعت كشعارات في الحراك الوطني . وما طرأ على مفهوم الملكية من تغيير نحو الأصلح أعطى امتيازات للشعب من خلال الحكومات التي تدير شؤونه وفق قواعد اللعبة الديمقراطية بأغلبية برلمانية وعبر اقتراع نزيه شفاف ونظيف . وتبادل الأدوار بين العرش والشعب خول للمغرب الدخول في مرحلة سيادة الحق والقانون الذي يعتبر الجميع سواسية أمامه . وأعطى الدستور الجديد للقانون قدسية إذ لا تمارس الحياة إلا بموجب نصوص القوانين التي تجعل الجميع يشعر بالرضا والارتياح والانخراط . وتحت ضغط المجتمع الدولي والحراك الوطني الداخلي والمعارضة الرسمية وغير الرسمية الداخلية لم يجد الدستور الجديد بدا من الإقرار بالمساواة بين الذكور والإناث والمناصفة بينهم ، وحق الجميع في الحياة الكريمة ، ومناهضة كل أشكال الميز العنصري ، والحق في السلامة الشخصية الجسدية والمعنوية ، وسلامة القرابة ، مع نبذ العنف والمعاملات القاسية واللإنسانية المهينة أو الحاطة من الكرامة الإنسانية ، و منع ممارسة التعذيب بكل أشكاله ، والاعتقال القسري التعسفي أو السري أو الاختفاء القسري ، وصيانة الاتصالات الشخصية ، وضمان حرية التعبير وحرية الرأي ، وحرية الصحافة بلا رقابة قبلية ، مع منع التحريض على العنصرية والكراهية ،وحماية الممتلكات الشخصية ، وصيانة حرمة المنازل من الانتهاك والتفتيش دون قانون . فهذه الحقوق الحضارية كلها ثمرات الظروف التي أفرزت الدستور الجديد ، وهي أحلام المغاربة التي طالما حلموا بها لعقود من السنين. هذه أمور جميلة جدا بالقياس إلى ما كانت عليه دساتير العقود السابقة ، ولكن لا بد من ضمان أجرأة وتفعيل هذه الأحلام على أرض الواقع ، لأن مشكلة التشريعات سواء السماوية أو الوضعية هو التطبيق والتفعيل . فالقرآن الكريم والسنة النبوية بين ظهرانينا لخمسة عشر قرنا ولكن لا زلنا نعاني من الأجرأة المثلى لهما ، فما بال دستور وضعي من إنتاج ظروف خارجية وداخلية قد يؤدي تغييرها إلى تغيير هذا الدستور الوضعي ؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل