المحتوى الرئيسى

السُّنَّةُ نجاةٌ وفلاح.. بقلم:الشــيخ ياســين الأســطل

06/18 18:21

السُّنَّةُ نجاةٌ وفلاح.. بقلم / الشــيخ ياســين الأســطل

الرئيس العام ورئيس مجلس الإدارة

بالمجلس العلمي للدعوة السلفية بفلسطين

أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن ذلك الكتابَ الكريمَ وحيَه على النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم مَتْلُوَّاً يُتَعَبَّدُ بتلاوته ، وأيده بالسُّنَّة المطهرة وهي وحيٌ غير مَتْلُوٍّ ، قال الله جل وعلا في سورة النجم : {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)}.

قال الشيخ الإمام عبد الرحمن بنُ ناصر السعدي في تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان : ( يقسم تعالى بالنجم عند هُوِيِّه أي: سقوطه في الأفق في آخر الليل عند إدبار الليل وإقبال النهار، لأن في ذلك من آيات الله العظيمة، ما أوجب أن أقسم به، والصحيح أن النجم، اسم جنس شامل للنجوم كلها، وأقسم بالنجوم على صحة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي الإلهي، لأن في ذلك مناسبةً عجيبة، فإن الله تعالى جعل النجوم زينةً للسماء، فكذلك الوحي وآثاره زينة للأرض، فلولا العلمُ الموروثُ عن الأنبياء، لكان الناس في ظلمة أشدّ من الليل البهيم ، والمـُقسَمُ عليه، تنزيه الرسول صلى الله عليه وسلم عن الضلال في علمه، والغي في قصده، ويلزم من ذلك أن يكون مهتديا في علمه، هاديا، حسن القصد، ناصحا للأمة بعكس ما عليه أهل الضلال من فساد العلم، وفساد القصد ، وقال { صَاحِبُكُمْ } لينبههم على ما يعرفونه منه، من الصدق والهداية، وأنه لا يخفى عليهم أمره، { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى } أي: ليس نطقه صادراً عن هوى نفسه ،{ إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى } أي: لا يتبع إلا ما أوحى الله إليه من الهدى والتقوى، في نفسه وفي غيره ، ودل هذا على أن السنة وحيٌ من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: { وَأَنزلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } – (الكتاب ) القرآن ، و( الحكمة ) السنة - وأنه معصومٌ فيما يخبر به عن الله تعالى وعن شرعه، لأن كلامه لا يصدر عن هوى، وإنما يصدر عن وحي يوحى ) اهـ .

إخوة الإسلام والإيمان : واختار الله لنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم ، من يؤازره في دعوته ، ويؤيده في تبليغ رسالته ، وينقل من بعده دين الله ووحيه كتاباً وسنةً وفهماً وعلماً وعملاً إلى الناس أجمعين ،فكانوا الأمناء الحافظين ، والعدول الضابطين ، والباذلين المخلصين ، وبَيَّنَ جل وعلا أنهم هم المفلحون ، قال سبحانه في سورة الأعراف: { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) }.

روى الإمام الترمذي وابن ماجة والدارمي وأحمد واللفظ للترمذي قال : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ : ( وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ ، فَقَالَ رَجُلٌ : إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ .قَالَ : " أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ ، فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ " ) اهـ .

وقد عَمِلُوا – أي أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم - قد عَمِلُوا بما عَلِمُوا رضي الله عنهم وأرضاهم وماتوا صادقين على ما عاهدوا عليه قال تعالى عنهم في سورة الأحزاب : {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)}.

عباد الله ، إخوة الإسلام : لقد ثبت على منهاج السنة النبوية السلف الصالح ُالصحابةُ والتابعون و المسلمون على مر العصور- وإلى يومنا هذا - في وجه المبدلين والمحرفين ، والطاعنين والمشككين ، وحَمَوْا جَنَابَ التوحيد والسنة والجماعة ، وحفظوا نصوص الشريعة ودلائلها ، فردوا كيد الكائدين من المعتوهين والممخرقين والمخرفين ، الذين يريدون بالمسلمين والإسلام السوء ، كيف لا وقد سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبرأُ ممن يرغب عن سنته ، فقد روى البخاري ومسلم والنسائي والدارمي وأحمد ، واللفظ للبخاري قال : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : ( جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا ، فَقَالُوا : وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ، قَالَ أَحَدُهُمْ : أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا ، وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ :أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ ، فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ : " أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي " ) .

عباد الله : وفي مقدمة رسالة الإمام السيوطي في الاحتجاج بالسنة قال المقدم : ( وأخرج البيهقي والدارمي عن عبد الله بن دينار أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : "انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سنة ماضية – يعني حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، - أو سنة ماضية عن أصحابه من بعده - وخصوصاً الخلفاء الراشدين ، والأئمة المهديين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - قال :فاكتبه فإني قد خفت درس العلم و ذهاب أهله"، وأخرجا أيضا عن الزهري قال: "كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة ، الاعتصام بالسنة أي عند الاختلاف بين الناس نجاةٌ أي لمن اعتصم– وانظروا قولهم : (الاعتصام ) والاعتصام : يكون عند الأمر العظيم الهائل المخيف ، يخاف الإنسان من الهلاك فيعتصم بما يظن أنه يحميه من الهلاك- والاختلاف مهلك ، الاختلاف يا عباد الله بين الناس مهلك ، وعلينا جميعاً أن نعتصم بالسنة عند الاختلاف حتى لا نهلك ، فمن اعتصم بالسنة نجا ومن خالفها هلك ، والعياذ بالله تبارك وتعالى - وفيها كذلك : أخرج الشيخان عن أنس وابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رغب عن سنتي فليس مني" و أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم ارحم خلفائي، قلنا: يا رسول الله ومن خلفاؤك؟، قال: الذين يأتون من بعدي يروون أحاديثي ويعلمونها الناس"، وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أدى إلى أمتي حديثاً تقام به سنة أو تثلم به بدعة فله الجنة"، وأخرج أبو يعلى والطبراني في الأوسط عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كذب عليّ متعمدا، أو ردّ شيئا أمرت به فليتبوأ مقعده من النار".

عباد الله ، أيها المسلمون ، يا أهل فلسطين : الكتابُ والسنةُ والجماعة ، والشاهدُ العلماءُ ، و السمع والطاعة لولاة الأمر هذا سبيل النجاة، فاسلكوا يا من يشاركنا في الوطن وقضيته وآلامه وآماله ، يا أهل فلسطين حيثما كنتم ، وعلى ما أنتم ، مادام الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم يجمعنا ، وهمُّ الوطن والمواطن والقضية يقض مضاجعنا ، بجميع فصائلكم وجماعاتكم ، وأحزابكم وكلِّ واحدٍ فيكم ، أخوكم الناصح المشفق على نفسه وعليكم ، الموادُّ لكم ، من كل قلبي أناديكم بما نادانا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالحون والعلماء المخلصون ، يا إخوتي ..يا إخوتي .. يا إخوتي : أتموا ما بدأتم من إصلاح ذات البين ، ورد الأمور إلى نصابها ، على ما تقتضيه مصلحتنا الدينية ، ومصلحتنا الوطنية ، وعلى ما ترجوه قلوب الأمة ، وعلى ما ترجوه قلوب الأمة ، وتتطلع إليكم عيونها ، فإنهم يرمقونكم ، ويدعون الله لكم بأن يوفقكم ، وأن يجمع كلمتكم ، وأن يوحد وقفتكم ، لنكون جميعاً في وجه هذه العواصف العاتية التي تمر بمنطقتنا عامة وببلدنا خاصة ، إنها والله لا ينجينا منها إلا الجماعة ، فإن يد الله على الجماعة ، ومن شذَّ شذَّ في النار ، أسأل الله لنا ولكم الهداية والتوفيق .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل