المحتوى الرئيسى

حجم الاستجابة لفلسطين بقلم:محمود فنون

06/17 22:37

1.

حجم الاستجابة لدعوة فلسطين

محمود فنون 10|6|2011

لماذا لم يستجب الفلسطينيون بعشرات الآلاف للدعوات يوم الخامس عشر من ايار ويوم الخامس من حزيران؟

ان الشعب الفلسطيني شعب مكافح وكذلك, وهذا مهم جداهو شعب حيوي وديناميكي وهو كذلك بأغلبيته من الشباب .ومع ذلك كان حجم الاستجابة لدعوات الخروج المختلفة نسبة ضئيلة من الواجب في مناسبات كهذه.انه لا غبار على دوافع الجماهير في الاستجابة ولا غبار على استعدادها للاستجابة والتضحية مهما كان حجم التضحيات.

لقد اندفع الطلائعيون في سوريا ولبنان الى حدود فلسطين وكانت اندفاعتهم ارهاصة عظيمة لم يسبق لها مثيل بل هي متاخرة وكان من الواجب ان تكون محاولات كهذه منذ النكبة وتتكرر عبر مناسبات متعددة خلال السنة وكذلك تتكرر كلما تمكنت جماعة من ترتيب نفسها .ومن المعلوم ان مبادرات كهذه تحتاج الى ترتيبات وتنسيق ,أي تحتاج اى قيادة منظمة .

اولا عندما وقعت النكبة كانت القيادة التقليدية الرجعية تشغل مواقع القيادة وهي تتناغم مع النظام العربي الرسمي ,ولا تلعب أي دور تنظيمي او تحريضي ولا تبادر لتحريك الجماهير او توجيهها للعمل الميداني المباشر .كانت هذه القيادة تجلس في المكاتب وتصدر البيانات المحشوة بالبلاغة الى جانب المواقف التقليدية .وتحافظ على مسافة مع الانظمة العربية والتي كانت حينذاك انظمة رجعية مرتبطة مع النظام الاستعماري الانجليزي و الفرنسي ,وتتساوق مع مواقف بعضها البعض ولا احد يريد ان يغضب بريطانيا" الصديقة ذات النوايا الحسنة مع العرب"كما كان يراها قياداتهم آنذاك .

2.

ان حصاد القيادة الفلسطينية العشائرية الاكليركية قد ظهر ما قبل وخلال عام 1948م0 مأساة وهزيمة نكراء وتشريد للشعب الفلسطيني وفشل ذريع .

ثانيا ثم ظهرت القيادات المتمردة عليها ( حزب البعث وحركة القوميين العرب والقوميين السوريين والاحزاب الشيوعية وفيما بعد الحركات الناصرية)والتي انتقدت هذه القيادة وحاولت الخروج عليها .

ان التيارات الجديدة قد انشغلت في عملية ثورية اساسها مقاومة الاستعمارفي البلاد العربية ورفض مخططاته ومحاولة القول ان تحرير فلسطين يحتاج الى تحرير الدول العربية التي هي من واجبها ان تعد العدة لتحرير فلسطين .ولسان حالها(افقها المحدود)يقول نستعد...نحارب اسرائيل ونقضي عليها ومن ثم يعود اللاجؤن الى ديارهم. هكذا السيناريو محدد وبسيط بساطة العقل القيادي وسذاجته.ان عقلية كهذه لا تزال موجودة بيننا (تتخيل الهدف محققا ,وتاخذ في تبيان حسناته وتقفز عن وسائل تحقيقه)

هذه العقلية ولوكانت حسنة النية فهي ضارة وتجب محاربتها, ذلك اننا لا نريد ان نجني نوايا حسنة, اننا نريد ان نحقق اهدافنا التي حددناها ,والتسامح هنا او التغاضي وعدم استخدام مبضع النقد انما هو تقصير يعادل التفريط بالهدف والتغطية على التقصيروالاستمرار في المنهج الفاشل.

ثالثا ثم جائت قيادة الثورة الفلسطينية المعاصرة بعد هزيمة 1967م واغرقتها الرجعيات العربية في معارك الدفاع عن وجودها في الاردن ولبنان.ويبدو ان آفاق هذه القيادة لم تكن انضج كثيرا من التراث الفلسطيني والعربي السابق, بل انها بعد معارك البقاء التي اضطرت لها قد اصبحت اكثر ميلا للتساوق مع عقلية الانظمة العربية وخاصة بعد خسارتها الفادحة للساحة الاردنية التي كان من الممكن ان تشكل خطورة لا مثيل لها

3.

على الوجود الصهيوني فيما لو تمت ادارة الصراع بعقلية ثورية في ظل نظام حكم ثوري كما الحال في تجارب الشعوب.

وازداد امر هذه القيادة سوءا بعد خسارة الساحة اللبنانية ,وبالتالي تفكك وتحلل الوجود المسلح للثورة الفلسطينية وضعف وتحلل مظاهر اشكال وجودها الاخرى , مما جعلها في وضع لا تحسد عليه - قيادة لا تقود وتحاول لملمة ضياعها وضياع فرصتها في الخارج- وتحولت الى مجموعة بيروقراطية تدير مكاتبها ودوائرها وكتائبها في الخارج .انها لم تسع الى تحشيد الجماهير بما يفجر طاقاتها وابداعها .

وبمراجعة القرارات التي صدرت عن فصائلها وعن المجالس الوطنية واللجنة التنفيذية ,نلاحظ صياغات معممة ومواقف تعتمد على سلوك القيادة ذاتها وسلوك الفصائل وانصارها وتعتمد على الدعوات الفوقية التي لها رصيد تنظيمي محدود بين الجماهير]نستثني هنا قيادات الداخل بمقدار ما تحررت وانطلق عقلها للتفكير والعمل والابداع مع جماهير الداخل بتفاوت بين فصيل وفصيل[

ان دعوة الجماهير للعمل تحتاج الى اسلاك موصلة تكهرب هذه الجماهير بما يتناسب مع حجم الحدث وخطورته .ولا تكفي الجمل المحملة بالبلاغة .

الدعوة للمعارك هي رسالة لا بد ان تصل وهي رسالة يتم حملها ضمن شروط ذاتية وموضوعية :

1-الشروط الذاتية تتمثل بالتنظيم بابداعات مختلفة قادرة على التحشيد (في وقت سابق على وجود السلطة في الارض المحتلة لم يكن بالامكان استخدام الراديو والتلفزيونات ولا الكومبيوتر ولا البيلفون وتم على سبيل المثال الدعوة لمؤتمر في جامعة بيت لحم سنة 1980م لجمهور محدد بالصفات من جميع مناطق فلسطين الجغرافية وتقسيماتها المؤسسية والقطاعية ,وكان الحضور ما يزيد على اربعة الاف شخص حسب الطلب ,وبالرغم من ان

4.

الاحتلال طوق مداخل الجامعة ,الا ان منظمي المؤتمر من طلاب الجامعة نجحوا في ادخال المدعوين, والمؤتمر انجز اعماله بنجاح ) يعود ذلك الى اسلاك التوصيل المنظمة باشكال متعددة تستقطب الاجيال والقطاعات والطبقات.

ان التعبئة تنظم وتحشد , والتثقيف يعمق الارتباط والانتماء الوطني ويجعل الناس اكثر استعدادا للخروج الى معارك الجماهير.

ان القيادة الموثوقة ,القيادة الملهمة ,القيادة الصلبة التي اكدت للجمهور مصداقيتها في مناسبة عديدة سابقة ,هي قيادة قادرة على تحريك الجماهير ودفعها الى العمل .

ان العمل الثوري هو فعل متعارض مع ما هو سائد وخروج عليه ,انه فعل وسير باتجاه لا ينسجم مع التيار,لان الثورة تستهدف رفض هذا الواقع وتغييره بما ينسجم مع الاهداف الوطنية والاجتماعية.

لهذا فان خروج الجماهير استجابة لهذه الدعوات هو تحدي للقوى السائدة في الدول العربية المحيطة مهما كانت ردود فعلها (في سنة 1989 توجهت مسيرة العودة من انحاء مختلفة من الاردن وفي مناطق الغور واكبتها القوات الاردنية وكان الضباط يتبادلون الاحاديث ويبدو عليهم التفاعل مع المسيرة حتى بلغت نقطة معينة وبعيدة عن نهر الاردن حيث انفصل الجيش وسارع للتمكز غرب المسيرة , وبادر باطلاق النار الحية والرصاص المطاطي وغيمة من قنابل الغاز والقنابل الصوتية وهاجم المقتربين بالهراوات .اما منظمي المسيرة فقد بادروا على الفور باخذ قرار بانهائها امام هذه الهجمة .هنا انتهى التحدي وعاد الناس يجرجرون اذيال الخيبة ,ولم يعودوا لمثلها منذ ذلك الوقت).وهذه المرة سارع الجيش الاردني لقمع المسيرة ومنعها كما رفض الجيش المصري السماح للمسيرة المصرية .

5.

2-هنا يتوجب فهم ودراسة الظروف الموضوعية المحيطة بالنضال .ان مسيرات العودة هي جزء من النضال وحالة من حالاته بل انها تعبير عميق عن جوهر القضية الفلسطينية وان اثرها بعيدا في النفس وشديدا على العدو .

وعلينا ان نلاحظ اصطفاف معسكرالعدو في وجه المسيرات السلمية وتحالفه معا, ونلاحظ استعداد الاطراف العربية للقيام بدور الوكيل, الذي كفى الجيش الصهيوني مشقة التصدي للمسيرة السلمية كما في مصر والاردن.

هنا نعود الى السؤال القديم الذي جرى طمسه على ايدي النظم العربية والقيادة الفلسطينية المتساوقة معها :مم يتالف معسكر الاعداء ؟ وتوجب علينا ان نتحلى بالجرأة ونحدد موقفنا من هذا السؤال .علينا ان نتحلى بالجرأة اذا اردنا ان نتقدم الى الامام ولا نتخلى عن الرؤيا الصائبة التي توضح الطريق الثوري دون الضبابية التي تمارساها فصائل العمل الوطني والاسلامي اليوم .يتوجب ان نسأل الاسئلة الصحيحة ويتوجب ان نبرز الاسئلة التي لا بد من الاجابة عليها ونقدم تحليلا صائبا لواقعنا ونقدا بتارا لتجربتنا وذلك من اجل المستقبل وكي نتقدم الى الامام.

واذا كانت الانظمة العربية مكبلة ارتباطا بمصالحها وبقائها, واذا كانت الشريحة الفلسطينية التي تتصدى للقيادة السياسية والاعلامية والثقافية قد تم تدجين جزء مهم منها ,فاننا امام عقبات حقيقية تواجهنا وتقف في وجهنا قبل ان نصل من الخارج الى حدود الوطن سلميا .

ان الظروف الموضوعية دائما مجافية والا لكانت العملية الثورية سهلة .غير ان ضعف العامل الذاتي لا يتصدى لهذه الظروف المجافية بل يركع امامها . وهذ يسمى الخضوع لشروط الاعداء .وفي الاصل يتوجب علينا ان

6.

ننطلق من الواقع بهدف تغييره وليس التذرع بصعوبته والسير فيما قيل انها ممرات اجبارية(أي مسارات حددها وفرضها الخصوم).

اما فيما يتعلق بمسيرات الداخل :فان الحركة الجماهيرية والوطنية في الداخل تعرضت منذ اوسلو ولا تزال تتعرض للتبديد والانتهاك والتيئيس والتحجيم .لقد تمت السيطرة على المؤسسات والاطر الجماهيرية والنقابية من قبل السلطة الرسمية التي دفعت الاجهزة الامنية للتغلغل الواسع فيها وتسليم قياداتها الى شخوص اعتبروا وجودهم فيها وظيفة تقليدية من وظائف السلطة بما يتعارض مع اهدافها الاصلية وطبيعتها التطوعية .كما تم عمداتخريب الحركة الطلابية التي كانت طوال سنوات الاحتلال دينمو الحركة الجماهيرية ومحرضا قويا ومحركا لها وكذلك حصل مع كل الاطر الجماهيرية الاخرى التي سجل لها تاريخ النضال الفلسطيني دورا بماء الذهب قبل انتفاضة 1987م وخلالها .

وعندما ظهر شباب الفيس بوك تم انتهاك حركتهم كذلك من خلال انضمام اعداد كبيرة من الامن لهم يضاف الى ذلك التنسيق الامني مع (الطرف الآخر) وآثاره النفسية الهدامةعلى الحركة الجماهيرية الفلسطينية.ولهذا كانت المسيرات مقوننة وتحت السيطرة وبدون اتجاه .ان المنارة في رام الله ليس الاتجاه لمسيرات عودة ,وان هذه الشريحة القيادية لم تقدم تعبئة وتوجيه استنهاضيين ولا تقدر,وهي اصلا لا تقيم صلات منظمة واسعة مع الجماهير ولا تستطيع ان تنظم حركتها.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل