المحتوى الرئيسى

في الميزان

06/17 00:09

لم يخبرني أحد‏!!

الكل يتخاطب, ولا أحد يتفوه بكلمة

الكل يتضاجع ولا أحد يكترث

وبداخل دورة المياه, في أسفل الدرج, يقبع شخص نازي!

إن أمرا ما يجري, ولكن شيئا لا يحدث

طهي يطهي.. ولا شيء في الوعاء

إنهم يتضورون جوعا, في الصين, فلنأكل بنهم ما في حوزتك

الكل يجري, ولكن أحد لا يتحرك

الكل رابح, ولا يبدو أن أحدا يعتقد أبدا في الخسارة

و الكل يحلق ولا احد يبرح مكانه

الكل ينتحب ولا احد يصدر صوتا

لنا نصيب من مشاهد هذا الفيلم, فكن علي مقربة

فالكل يدخن ولا أحد قد بلغ النشوة

طيران دون ملامسة للسماء

و فوق نيويورك تحلق أطباق لا تثير كثيرا من اندهاشي!

فأحد لم يخبرني بأننا ملاقو مثل هذه الأيام

إنها بحق أغرب الأيام يا أمي!!

مجرد أغنية قديمة أطلت من بين أطلال رأسي فجأة, سطرها الإنجليزي جون لينون ـ أحد أضلاع رباعي فريق البيتلز الشهير ـ وكانت بعنوانNobodyToldme( لم يخبرني أحد), وهي أغنية حمالة أوجه إلي حد بعيد: فصحيح أنها في ثنايا التاريخ تعود( دفتريا) إلي حقبة السبعينيات من القرن المنصرم,ولكنها علي صفحات دفتر أحوال الواقع تبدو جديدة لتوها,وكأنها تحكينا عن مشاهد نعيشها اليوم ونحياها.. وهكذا الفن الحقيقي دائما حين يتحلل من قيود اللحظة الآنية, وينطلق إلي رحاب الوعي الإنساني مترامي الأطراف, غير المنغمس في ذات بعينها أو لحظة من اللحظات, وإنما في ذوات الناس أجمعين وفي ثنايا كل الزمن.. وهكذا دور الفنان الحق دائما حين يتحول إبداعه إلي وعاء ناقل, يحمل خبرة اللحظة إلي ذلك الإنسان العادي غير المنتبه بجواره,ثم منه إلي أجيال وأجيال, ربما تكون قد مرت بنفس التجربة فتستدعي مذاقها, وربما لم تمر بها بعد فتستشرفها, وربما هي تمر( الآن) بما هو أشبه بذلك, فتطمئن إلي أنها ليست بمفردها في هذا الكون الفسيح من حيث المكان, وتتأكد من أنها غير منسلخة أيضا من متتاليات الزمان.. كأس يدور علي الجميع بذات التجارب لمن يقوي علي الإدراك والاستيعاب!!

إنه يحكينا عن حالة إنسانية متكررة, وليست حالة استثنائية تخص مجتمعا بعينه ــ إنها حالة الجمود أو الركود النفسي حين تصيب الأمم في مقتل, و هي ما يطلق عليها العلماء الـInertiapsychological, فبرغم أن كل شيء يدور من حولك كما أنت تتصور,فإن شيئا فعليا لا يحدث; ذلك لأن شيئا غير قادر علي أن يتجاوز حدود الجمود ــ ولقد تجمد عموم المشهد إلي حد السأم: أصوات تتنامي إلي مسامعك,ولكنها أقرب إلي الكلم منه إلي الكلام; فما هي إلا أكوام من عبارات في معظمها غير مفيدة, إن لم تكن مفتقدة للمعاني أساسا, فإذا بمتعة الحوار بل ومتعة الكلام نفسه تخبو وتكاد تنعدم,وفي المقابل, ينشد الجميع سعادة أخري حسية وهلية زائلة فلا يجدون سوي الجنس والطعام بديلا, ولكنهم لا يجدون أيضا ضالتهم المنشودة, فيكون الحلم إذن هو الملاذ, ولكن للأسف, فالأحلام ما عادت تبرح هي الأخري حدود الواقع أبدا; فلا يملك المرء المعاصر الواهن حينئذ سوي أن يرتمي في براثن الحلم( الأزرق) يتطاير دخانه في الهواء حلقات وحلقات هي في جوهرها لا تقوي علي شيء سوي أن تتبدد دون أن تلامس أو يلامس من أطلقها عنان السماء!!

ولكن عليك بالحذر دوما, فالأحداث لا تعفي الراكدين; ومن بين ثنايا الركود دائما ما تطل الأخطار; وربما كان الخطر وقت أن سطر جون لينون هذه الأغنية هو شبح النازيين; فالنازيون تحت السلم علي وزنTheRedisundertheBed( الشيوعيون تحت السرير) التي أطلقها الأمريكيون خيفة من امتداد الشيوعية(TheRed) أي الحمر,و ما أكثر أمثال هؤلاء في كل عصر و أوان, و لكن في أردية جديدة وتحت مسميات أخري( مختلفة)ـ إنه شبح الاستعمار العسكري الأيديولوجي!!

ومع ذلك يظل شبح الجوع هاجسا للبشر دائما أبدا, وما أكثر نموذج الصين إذا جاعت شراسة; فلقد كانت الصين( وقتئذ) شبحا مخيفا علي خلفية ما اتبعه ماو تسه دونج من سياسات للتصنيع جاءت علي حساب زراعتها, فباتت وقتها خطرا غذائيا محدقا, و لكن الصين لا تزال بطونا مخيفة حين الجوع في أي زمان وكل مكان!! أما المجهول فهو الأكثر مهابة; وما أخوف الغرب من مجهول الفضاء, وما اضعف نيويورك صاحبة اليد الطولي عسكريا بطول الكرة الأرضية وعرضها حين البأس; فجون لينون يري الأطباق الطائرة محلقة فوق هذه المدينة العملاقة كناية عن استشراف الخوف من هذا المجهول الذي لم يزل مجهولا وسيظل!!

إنه الركود في مواجهة المتغيرات المتسارعة المتعاقبة; فمتعة التواصل بين الناس قد خبت; و الناس قد انكفأت علي الأكل و الجنس وأطياف المخدرات,والكل يهرول معتقدا أنه يحقق شيئا, ولكن شيئا للأسف لا يتحقق؟

تري هل سطر لينون هذه الأغنية في أثناء زيارة إلي مصر مثلا ؟

ليس لدي معلومات مؤكدة حول تلك الزيارة!!

نرشح لك

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل