المحتوى الرئيسى

أزمة أخلاق بقلم:حسام خضرة

06/16 22:30

أزمة أخلاق

بقلم/ حسام خضرة

لا أعتقد أن جدي كان كاذباً حين كان يحدثني عن حقبة جميلة من الزمن كان يحياها في صباه، مع أن حديثه لم يكن يلامس الواقع الذي نعيش أحياناً إلا أنه كان صادقاً في كل ما قال، كان يحدثني عن الحب وعن الجمال وأيضاً عن قلوب الناس التي كانت كموسم حصاد القطن في زمنٍ كانت القلوب فيه بلون واحد.

كنت أسعد أحياناً وأنحني برأسي غالباً فما أراه اليوم مخالفاً لكل ما كان، رغم أن الوجوه لم تتغير كثيراً مذ وعيت عيناي على هذا الكون؛ كنت أظنها بعض التجاعيد التي قد ارتسمت على محيا الناس هنا، لكني لم أعتنق يوماً فكرة أن التجاعيد قد تصل إلى قلوبهم لأرى ما أصدم به يومياً.

صدمات متلاحقة أكتشفها خلال جلوسي مع أصناف مختلفة من البشر يومياً تدل على أزمة ربما لا حل لها إن بقي المجتمع غائباً بلا تفكير كما هو الآن؛ مصاعب الحياة التي زادتها فصائلنا الكريمة علي مجتمعنا خلقت منه كوائن لا أخلاق لها، فمن يستمع لهموم الناس يدري كم المصائب الدفينة التي تنخر في النسيج الاجتماعي كل لحظة دون أن يلتفت إليها أحد.

والمصيبة أننا نعيش اليوم على أمثال الماضي التي نتخذها قدوة في كل مرحلة نعيشها دون أن يكون لدينا إبداع في كل لحظة لنطور من مستوانا الثقافي ونزيد على حضارتنا التي باتت قديمة نتغنى بها كل محفل وكل لقاء؛ فما كان سائداً علينا خلال الأربع سنوات الماضية ينم عن تأخر عقلي عاد بنا إلى سنوات العصر الحجري من خلال المثل الذي ضربه لنا قدمائنا وسرنا طوال هذه المدة دون أدنى تفكير منا بما يحدث.

لم تثرني الغرابة حين قالت جارتنا لابنها الذي بات اليوم كهلاً بعد هلاكه في مستنقع الكذب السياسي الذي وضحت معالمه خلال الأربع سنواتٍ الماضية؛ قالت له "اللي بيتجوز امي بقلو يا عمي"؛ ربما قال الجميع هكذا حتى وصلنا إلى ما أوصلونا إليه بحقدهم على كل شيء جميل في هذه البلاد.

لننظر قليلاً إلى المستوى الرديء الذي وصل إليه المجتمع خلال هذه الحقبة؛ باعتقادي أن ازدهار التجارة التحت أرضية كان على حساب معاناة الناس وصمودهم المدعى، فالضريبة يأخذها جميع من يساهم في ذلك إلى أن يصل لنا ما نود شراءه أضعاف أسعاره في الدول المتقدمة اقتصادياً، وبات وزراءنا هنا يتغنون بأن وزارتهم باتت سليمة دون أيةِ ديون تذكر دونما التفات إلى الديون التي تحمل أعباءها الناس هنا ارضاءاً لسلامة الوزارة من الانتكاس.

ولكم يحزنني حينما أرى أناساً كثيرون قد وقعوا في مصيدة المحتالين الذين امتلأت بهم بلادنا، فلا يكاد يخلو منزل هنا من أحدٍ إلا وقد وقع في الفخ، والخلاص يكون إما بهروب المحتال في ظلمة التراب المحصن أو بإرضاء المحتال عليه ببعض الفتات الذي ربما يعيد إليه جزءاً من بيته الذي باعه طمعاً في جني مال يؤمن له حياةً لا يشقى بعدها أبداً.

وما يحدث غصة في النفس تلك النوافذ التي أصبح يصطف عليها الغني قبل الفقير طمعاً في جني شوال من الدقيق ربما يغنيه عن شراؤه بسعرٍ ربما يكون لا يملكه فعلاً، إلى أن أصبح جزءٌ كبير من الناس يعتمد بشكل كلي على تلك النوافذ التي يقف عليها بداية الشهر ويقضي باقيه مسترخياً لا يكلف نفسه عناء البحث عن عمل ربما يعينه بشيء يستر به نفسه أمام أطفاله المحرومين.

وما يحزنك فعلاً ولوج الصيف علينا وقد تزين شاطئ البحر بملايين الدولارات قد أضحت بلا رواد إلا من أناس قد اعتادوا على لبس الأنيق والتباهي بفاتورة المطعم الذي يرتادون، رغم أن كثيراً من الناس قلما يجدون رغيفاً في منازلهم.

أما شبابنا الرائع فيريد أن ينسى كل شيء حتى أنه قد يلجأ إلى نسيان والديه أحياناً بسبب كثرة الضغوطات التي يمارسانها عليه أملاً في مستقبل ربما يكون جميلاً؛ وبحمد من الله فالمنسيات هنا متوافرة وبكثرة وربما بسعرٍ قد يكون في متناول الجميع دونما أدنى التفات إلى أيةِ ضرر قد يصاب به المرء جراءها فهم يريدون فقط النسيان أياً كان الثمن.

أما ذاك الرجل فهو غريب الأطوار فعلاً ينصح الناس جهاراً نهاراً بفعل الخير؛ لكن الغريب في أمره أنه لا يطبق شيئاً مما يقول للناس حتى أصبح ركيزةً أساسية يركن إليها الناس همومهم ليسمعوا شيئاً من كلامه المعسول الذي قد يريح قلوبهم بعد العناء.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل