المحتوى الرئيسى

أسامة أبوالقاسم يكتب: اللى مالهوش كبير يشترى له كبير

06/16 14:42

أسامة أبوالقاسم يكتب: اللى مالهوش كبير يشترى له كبير

أسامة أبوالقاسم يكتب: اللى مالهوش كبير يشترى له كبير

(خاص) الجريدة – كتب أسامة أبوالقاسم

“إن قوة جبهتنا لا تُقدر باتساعها ولكن تُقدر بتماسكها وصلابتها … ألم تتعلم شيئا من العدو بعد؟” هذه الجملة هى إحدى جمل الحوار البديع الذى كتبه العبقريان عبد الرحمن الشرقاوى ويوسف السباعى لفيلم “الناصر صلاح الدين”، وجاءت على لسان شخصية “ريتشارد” ملك انجلترا وقائد الجيوش الأوروبية مخاطبا أحد الأمراء الذين تخوفوا ضعف جبهتهم بعد طرد القوات الفرنسية (كما يحكى الفيلم).
قفزت إلى خاطرى تلك العبارة عندما قرأت جريدة الأهرام فى عددها الصادر 3 يونيو 2011 والتى كان يقول أحد مواضيع صفحتها الأولى: “لقاء بين أعضاء المجلس العسكرى و‏1200‏ شاب يمثلون‏153‏ ائتلافا”، وهالنى الرقم فى أول الأمر ثم ما لبثت أن أدركت أن عددا آخر لا بأس به من “الائتلافات” و”التجمعات” قد أعلن رفضه المشاركة فى الحوار لأسباب مختلفة، أى أن العدد الكلى يقترب من المائتين وربما أكثر!!! وتحولت الصدمة إلى نكتة مضحكة حين قرأت قائمة بأسماء أهم تلك الائتلافات المشاركة وكانت من عينة “حركة 6 إبريل (جبهة فلان الفلانى)” – “ائتلاف شباب الثورة (جناح علان الترتانى)” – “حركة 6 إبريل” (مرة أخرى ولكن هذه المرة فرع شبرا)
وهكذا تحولت هذه التجمعات والائتلافات إلى شراذم وطوائف بعد أن كانت سابقا متوحدة كقوى معارضة النظام، ولاحقا كقوى محركة للثورة وصانعة لها. وسألت نفسى: إذا كان ذلك قد حدث خلال أقل من ثلاثة أشهر فقط، فماذا نتوقع أن يحدث لهم خلال عام من الآن؟ بهذا المعدل من الانشقاقات سيصبح عامل الوقت ضدهم وليس معهم كما يتصورون. وحتى من يعترف لبعضهم بالفضل كأوائل الحركات المعارضة للنظام السابق فى عز جبروته وسطوته ومناداةً بالعصيان والإضرابات، ثم دعاةً للثورة وصناعا لها، فلن يستسيغ منهم الآن هذا التفتت والاختلاف لأتفه الأسباب.

والآن نعود للجملة التى فى بداية المقال: كيف يُقدِرون قوة جبهتهم بعد فقدها لأهم مقومات القوة وهى الصلابة والتماسك؟ ألم يتعلموا شيئا من منافسيهم بعد؟ الذين تعرضوا لكل أنواع الاضطهاد والملاحقة لكنهم بقوا على تنظيمهم ووحدتهم وإن كان الرد بأن تلك الصعاب من الأسباب الطبيعية للوحدة والتجمع، فإن هؤلاء المنافسين عانوا أيضا بعض الانشقاقات نتيجة شيوع الحريات بعد الثورة، وقد استطاعوا حصرها سريعا وفى أضيق نطاق. وإذا كانوا قد بح صوتهم مطالبين بأجلٍ كافٍ قبل الانتخابات البرلمانية يسمح لهم بتكوين جبهة قوية تستطيع مواجهة القوى التقليدية المنظمة الممثَلة فى الحزب الوطنى والإخوان المسلمين، فما بالهم الآن لا يجتمعون على كلمة ولا يقر لهم قرار؟ هل يظنون أنهم سيتمكنون من إحراز أى نجاح بهذه التعددية والشرذمة فى مواجهة منافسيهم الأكثر تنظيما وانتشارا حتى لو أتيح لهم من الوقت سنوات وليس شهور؟

ويتبادر إلى الذهن فى هذا المقام ملاحظتان: الأولى أنه إذا كان كل صاحب فكرة لا يستطيع تطويعها مع المجموعة المحيطة سيتنحى جانبا ويحاول تنفيذها بنفسه ويستقطب معه فريقا لنصرته، فإن هذا يعطى انطباعا بالأنانية المفرطة وتقديس الأفكار وعدم الاستعداد للعمل من خلال فريق أكبر لتحقيق أهداف أكبر. وتفسير تلك الأنانية أظنه طموح كل فريق فى قيادة المسيرة ليضمن تحقيق أهدافه التى يراها الأصلح للوطن دون سواها. وبالتالى تصبح التضحية مستبعدة وكل فريق يأبى التنازل عن بعض أفكاره للحفاظ على وحدة المجموعة الأكبر، وهو ما لا يبشر بالخير فى المراحل القادمة عندما يأتى وقت التضحيات الأكبر بالجهد والوقت والمال من أجل هدف جماعى أسمى، مع الأخذ فى الاعتبار أن الأفكار العامة والخطوط العريضة للمرحلة القادمة يكاد يكون مجمع عليها والخلاف حول فرعيات وتفاصيل يسهل التوافق عليها إذا توفرت الرغبة الصادقة والاستعداد للتنازل من كل طرف.
المفارقة هنا أن هذه الحركات والائتلافات كانت دائما ما تتهم الإخوان المسلمين بهذا الطموح المريب والسعى الدائب للسلطة، وها هم مع أول منعطف يسمح بالتنوع والمشاركة انقسموا على أنفسهم لنفس السبب.

والملاحظة الثانية أن كون هؤلاء الشباب هم صناع الثورة وبادئيها بدون نزاع، جعلهم – فى الأغلب – لا يستمعون لنصائح الكبار ولا يعتدون بآرائهم. وكان هذا مفهوما فى البداية، أما الآن فمن الضرورى أن يدركوا أن لهم شركاء، لهم من السن والحكمة ما يسوغ بل ويوجب أن يتخذ منهم نصحاء وخبراء لا غنى عن خبرتهم ورجاحتهم. فلمرحلة الثورة خصائصها ومتطلباتها من اندفاع وجرأة وإقدام يجعل الشباب فى المقدمة، ولمرحلة البناء خصائصها ومتطلباتها من حكمة وبصيرة توجه تلك السواعد الفتية وتحد من ذلك الشطط والتمادى. أما القول بأن الشباب صناع الثورة هم “الوحيدون” أصحاب الحق فى تشكيل المستقبل فهو قول باطل يراد به باطل.

وإذا لم يتمكنوا من إيجاد صيغة مشتركة يلتفون حولها ويحتكمون إلى كبير أو كبراء من الشخصيات الثقات التى تمتلئ بها الساحة ليساعدوهم على تجميع أفكارهم المختلفة والتوفيق بينها وتحقيق أرضية مشتركة ينطلقون منها، فإنهم يخسرون أكثر مما يكسبون. وتُعلمنا علوم الهندسة أن القوى التى تنطلق من نقطة واحدة فى اتجاهات متعددة ستكون محصلتها قوة أقل من مجموع تلك القوى (وقد يلاشى بعضها بعضا كليةً) وفى اتجاه متوسط لهم جميعا، أى أننا سنفقد العزم والوجهة معا.

الرابط المختصر: http://www.algareda.com/?p=17441

بإمكانكم دومًا متابعة آخر أخبار الجريدة عبر خدماتها على موقع تويتر أو عبر موقع فيسبوك.



أهم أخبار مصر

Comments

عاجل