المحتوى الرئيسى

الاديب على عبد الفتاح ورحلة العمر مع الأدب

06/16 18:19

حوار مع الأديب على عبد الفتاح

رحلة ربع قرن من الزمان في الكويت مع الأدب وبراءة عيون الأطفال في الصباح •

***

النقد الإبداعي يعني احتراق الناقد مع النص واستحضار لحظة الإبداع الأولى بكل تفاصيلها وعذاباتها المؤلمة

***

قال لي يوسف السباعي: اذهب واقرأ ورد لي قصصي القصيرة وذهبت منكسراً حزيناً•

***

أول دراسة لي عن قصيدة نزار قباني في رثاء عبدالناصر وفازت بالجائزة الأولى في المسابقة

***

حوار منى زين الدين:

في هذا الحوار يحدثنا علي عبدالفتاح عن تجربته في الكتابة وكيف تفتحت زهور عشقه للأدب وبداية كتاباته•

* لست أدري من أين أبدأ معك ولكن من أول إصدار لك "الصعاليك ينفجرون بالغناء" عام 1978 حتى كتاب شخصيات أدبية عام 1999 أكثر من عشرين عاماً هي عمر رحلتك مع الكتابة والصحافة ماذا تتذكر من مواقف أثرت في حياتك وعمقت اتجاهاتك الأدبية؟

- بالطبع الرحلة لم تبدأ إلا منذ عام 1970 حين كتبت أول دراسة نقدية في مسابقة أقامتها جامعة عين شمس بعد رحيل عبدالناصر وهي مقارنة بين قصيدة أحمد شوقي في رثاء سعد زغلول وقصيدة نزار قباني في رثاء عبالناصر، وكنت خلال هذه الفترة أدرس الأدب الإنجليزي بالجامعة وكنت أشعر بالحزن الشديد لرحيل بطل ورمز كبير، وأعجبتني قصيدة نزار لأنها خلقت من عبدالناصر بطلاً أسطورياً فتقدمت للمسابقة التي شارك فيها طلاب من مختلف كليات الجامعة بجميع المراحل الدراسية•

***

وعبرت عن حزني واحتراقي لغياب البطل وحللت رؤية شوقي لبطل ثورة 1919 ونظرة نزار قباني لبطل ثورة 1952 وكانت النتيجة أن دراستي احتلت المركز الأول وأقيم احتفال حصلت فيه على عشرين جنيهاً مكافأة وكانت حقاً مكافأة كبيرة في تلك الأيام، وأذكر أن الدكتور رشاد رشدي سألني في أي سنة دراسية من قسم اللغة العربية فقلت له إني من قسم الأدب الإنجليزي فزادت دهشته وأهداني مجموعة من الكتب والدراسات مع المكافأة المالية•

***

ولكني لم أستمر في كتابة دراسات أو مقالات نقدية وإنما من الغريب اتجهت إلى كتابة الشعر والقصة القصيرة وكنت قد كتبت من قبل مجموعة قصصية وقررت مقابلة رئيس نادي الأدب وكان ذلك أيام الأديب الراحل يوسف السباعي وعرضت عليه القصص وسألني: هل قرأت في الأدب العالمي•• هل قرأت تشيكوف ومكسيم جوركي وتولستوي؟ وهل قرأت للتوحيدي ومحمد عبده وذخائر التراث العربي؟•لم أفهم ماذا يعني وقلت له: لا، صمت ورد لي القصص وقال: اذهب، اقرأ أولا•

***

وكنت طالباً في الصف الأول الثانوي وشعرت أن الأمر صعب للغاية وخرجت منكسراً ولكني أدركت في فترة قصيرة أن كلمات يوسف السباعي صادقة ويجب أن أقرأ بهدف وبطريقة منتظمة وعمقت القراءة بطريقة اعتقد الجميع من حولي في أسرتي وفي مدرستي أني أضيع وقتي في القصص ولن أنجح في دراستي فكانوا يحاربونني وتصبح جريمة إن شاهد أحد معي قصة لإحسان عبدالقدوس أو ديوانا لنزار قباني أو رواية لنجيب محفوظ•

***

وأذكر أني طردت من المدرسة الثانوية أكثر من مرة لأنهم اكتشفوا في حقيبتي المدرسية مجموعة من القصص والأشعار ودفترا لكل المواد• واعترف أني لم أنصت في يوم ما إلى شرح المدرسين في المرحلة الثانوية فقد كنت أجلس في المقعد الأخير وأفتح رواية لمحمد عبدالحليم عبدالله أو توفيق الحكيم أو طه حسين وأقرأ ولا أتابع المدرس•

***

أما في المرحلة الجامعية فقد اتسع المجال من خلال المكتبات وحلقات النقاش والندوات الأدبية والصحافة الجامعية والأحداث التي مرت عمقت أفكاري سواء أحداث حرب 1956 وهزيمة 1967 ومظاهرات الطلبة التي شاركت فيها للمطالبة بمحاكمة من تسببوا في الهزيمة ثم رحيل عبدالناصر ومظاهرات الرثاء والعاطفة الملتهبة ثم حرب 1973 والإحساس بالشفاء من جرح الهزيمة ثم تجربة الانفتاح الاقتصادي 1975 وأحداث 18 و19 يناير 1977 التي اتهمها السادات بثورة اللصوص وإنما كانت ثورة شعبية تزعمها الفقراء والجوعى•

***

واعتقد أني سليل تجارب حاسمة فمازلت أذكر كيف قضينا ليلة كاملة في ميدان التحرير تحاصرنا قوات الأمن المركزي ونحن نلقي القصائد الحماسية والأشعار عام 1972 ونطالب بالحرب ضد إسرائيل عندما كان السادات يماطل في هذه الحرب وقد سحقنا الغلاء والعار•

بدايات النشر والكتابة

*ولكن متى بدأت الكتابة بصورة مكثفة ومنتظمة؟

بدأت من خلال مجلات أدبية أكتب لها خواطر وقصصا، وفي عام 1975 أرسلت إلى مجلات في الكويت مثل أضواء الكويت وعالم الفن بعض القصص ونشرت ثم قدمت تحقيقات أدبية في جرائد ومجلات منوعة مثل صباح الخير وجريدة التعاون والجمهورية ولم يكن اسمي يوضع على مقالات أو تحقيقات ثم تطور الأمر عندما أصدر د• رشاد رشدي مجلة الجيل الجديد وقدمت له مجموعة من المقالات والقصص• نشر المقالات فقط وأهمل القصص ولم أدر لماذا؟

***

ثم بدأت في متابعة الندوات والمقاهي الثقافية وشاركت في إحدى الأمسيات الشعرية وكان في الأمسية من الشعراء أحمد عنتر مصطفى وهو شاعر معروف الآن في مصر وله مجموعة دواوين، والشاعر حسن توفيق الذي كان يعمل في مجلة الدوحة وانتقل الآن إلى جريدة الراية وفاروق شوشة وعندما عرفت أن هؤلاء سيحضرون الأمسية تراجعت وأخفيت قصائدي ولكن الشاعر حسن توفيق شجعني على إلقاء قصائدي•

***

وعملت في الصحافة المصرية حتى 1977 ثم سافرت إلى الكويت وواصلت عملي في صحافتها فتعمقت التجربة أكثر وانفتح العالم أمامي بصورة شاملة• ويمكن أن أؤكد أن كتاباتي في الكويت هي التي كونت لي حصيلة هذه الكتب والمقالات الكثيرة•

صعاليك العصر

*حدثني عن كتابك الأول: "الصعاليك ينفجرون بالغناء" الذي ضم مجموعة من الشعراء اعتبرتهم صعاليك هذا العصر الأدبي؟

خلال فترة السبعينيات اكتشفت أن رواد الحركة الثقافية والأدبية سواء في مصر أو العالم العربي مازالوا هم سادة الساحة الثقافة وليس هناك فرصة لجيل الشباب لنشر إبداعه، فالمجلات محدودة وقليلة وقد حدث لي موقف غريب حيث إنني أعددت حواراً مع الأديب فؤاد حجازي وذهبت لنشره في إحدى الصحف بالكويت فقال لي مسؤول الصفحة إن النشر فقط لكبار الأدباء ونحن نعتذر لذلك•

***

وتمر الأيام ويأتيني هذا المسؤول في الجريدة نفسها وكان قد أرغم على تقديم استقالته منها وأنا أجلس مكانه مسؤولاً عن الصفحة الثقافية ويقدم لي مقالاً للنشر فضحكت لسخرية الأقدار وقلت له أنت أستاذنا وتعلمنا منك والصفحة ملك لك في أي وقت تشاء• وخجل الرجل وقال لي: سامحني عما بدر مني•

كانت هناك عقدة تسيطر على بعض المثقفين وهي أن من يريد أن ينشر لابد أن يكون مشهوراً ونجماً في سماء الأدب فكيف ذلك وهو يجد كل المنافذ مغلقة في وجهه• ومن هنا بدأت أنظم مجموعة من المقالات النقدية عن الشعراء الشباب من مصر والكويت والخليج وكافة البلدان العربية وجمعت حوالي أربعين شاعراً لا يعرفهم أحد وقلت هؤلاء هم صعاليك الواقع الشعري الجديد وأوضحت في المقدمة هدف الكتاب ورسالته•

***

وهذه المقالات نشرت في صحف الأنباء والقبس والوطن والسياسة وصدرت في الكتاب الذي نفدت طبعته لأن كل شاعر اندهش أن يكون هناك شيء عنه في كتاب وقد اعتاد القراء أن الكتب تصدر عن النجوم والمشاهير وأقيمت ندوات عدة حول الكتاب وتحدث عنه د• حامد أبو حمد ود• يسري العذب والأديب محمد جبريل والشاعر نبيل خالد والأديب فؤاد حجازي والشاعر محمد يوسف والشاعر أحمد سويلم ونشرت مقالات من الكتاب في جريدة الأضواء بالبحرين والبيان في دبي وتشرين في سوريا والعمل في تونس والعلم في المغرب، وكتب عن الكتاب أيضاً د• حسن فتح الباب وكانت تجربة جريئة وتركت أثراً ولاسيما أن هؤلاء الشعراء أصبحوا فيما بعد من نجوم الشعر وعندما يطرح عليهم تساؤل حول النقد يذكرون كتابي المتواضع البسيط• ويكفيني هذا•

شخصيات أحببتها

*وماذا عن كتابك الأدبي: شخصيات أدبية؟

- هذا الكتاب كما قلت في المقدمة كتبت فيه عن شخصيات أحببتها وأعجبت بها وارتبطت بصداقات طويلة معها من خلال أعمالها وكنت انشر هذه المقالات في الجريدة فإذا بها أكثر من ثلاثمئة شخصية فقررت أن أسجلها وأحتفظ بها في كتاب يضمها لتكون مرجعاً للقارئ العادي ثم توثيقا لفترة أدبية عشتها وانفعلت معها وشاركت فيها•

***

وقد يقال عن هذا الكتاب إنه ليس هناك ترابط أو وحدة موضوعية بين اتجاهات الشخصيات وإنني منحت بعض الشخصيات مساحة أكثر من الشخصيات الأخرى وإنني أضفت أسماء شابة وجديدة ليست معروفة• وهذا صدق وقد تعمدت ذلك• فأنا الذي أكتب وأنفعل وأتألم ومن حقي أن أكتب ليس كما يفرض النقاد أو النظريات وإنما كما يشاء تذوقي وإحساسي ونظرتي النقدية•

***

إن الناقد الذي تفرض عليه نظرية معينة قد لا تستقيم مع اتجاهات الشخصيات فكل شخصية لها مذاق واتجاه وأسلوب خاص في التحليل والنقد وكل إبداع جديد له كتابة جديدة• والكتاب يتناول شخصيات من العصر الجاهلي مروراً بالعصر الإسلامي وعصر النهضة حتى الأدباء المحدثين•

الصوت الهامس

من الملاحظ أن كتاباتك النقدية تحتل المساحة العظمى من الكتب ولكن ماذا عن كتابك الصغير: الصوت الهامس، لا أدري هل ينتمي إلى مجموعة من القصص القصيرة؟ أم مجرد خواطر نثرية أو كتابة من النثر الفني؟

كلماتك الأخيرة هي الأكثر صدقا، هذا الكتيب من النثر الفني ولا أحب أن أطلق عليه سمة القصص القصيرة لأنه في الحقيقة قد يفتقد إلى عناصر فنية من خصائص القصة وإن كان البعض قد اعتبره مجموعة من القصص، ولكنها كتابات من هذا النثر الفني الذي يحلق بالقارىء ويسبح في أنهار الرومانسية والحب بصورة شاملة، فالكتاب يعبر عن معاناة روح ما زالت تضرب في البيداء بحثا عن نبع ماء وقلب يظل مهاجرا فوق الجراح بحثا عن امرأة هي النور والوطن والانتماء• وهذه الكتابات النثرية ليست بالطبع فرادة أو إبداعا جديدا أقدمه وإنما لها جذور في الأدب العربي فقد قرأنا في كتابات مصطفى صادق الرافعي وجبران خليل جبران ومي زيادة والمنفلوطي وحسين عفيف ونثريات نزار قباني وأدونيس ومحمد الماغوط وغيرهم ما يتوافق مع الصوت الهامس، وربما كتاباتي تلك تذكرك بهؤلاء جميعا وتشق في القلب أفقا من الضوء وتفجر نهرا من الحنين فيظل الوجدان خافقا بالأحاسيس الرفيعة والقيم الوجدانية الجميلة التي نشتاق إليها دائما•

***

وفي الغالب الصوت الهامس أحاسيس ومشاعر نثرتها بحرية وترتبط بحياتي وأفكاري وذاتيتي بصورة حميمة جدا وإذا كنت من خلال الكتابات النقدية أتخفى في ثوب الشعراء والأدباء فإنني في الصوت الهامس قد خرجت من ثوب الآخرين ونظرت إلى ذاتي بعمق في مواجهة حقيقة مشاعري من دون زيف أو افتعال•

***

أعلام الشعر

صدر لك كتاب عن شعراء الكويت عنوانه "أعلام الشعر في الكويت" وقد ضم أكثر من خمسين شاعرا منهم القدامي والمحدثين، فهل يمكن اعتبار هذا الكتاب توثيقا للحركة الشعرية واتجاهاتها من عام 1805 إلى 1996؟

كتاب "أعلام الشعر في الكويت" مقالات نقدية تناولت فيه سيرة وشاعرية مجموعة كبيرة من الشعراء وبدأت منذ الشرارات الأولى للوهج الشعري على أرض الكويت وقدمت رؤية لكل شاعر على حدة، وانفعلت مع قصائد الشعراء وعبرت عن تجاربهم الإبداعية ومدى ارتباطها بالتيارات السياسية والاجتماعية في تلك الفترة التي عاشوا فيها وركزت كثيرا على الجانب الوطني والقيم الأصيلة لأهل الخليج وخصوصا الكويت وكيف كان الناس في الأزمات يقفون معا ويواجهون المشاكل بروح جسورة وحب عميق كما تجلى هذا في شهور الغزو عام 1990•

واتجهت أكثر إلى الجانب التحليلي والسيكولوجي واعتمدت في بعض الدراسات على المنهج الانطباعي والتذوقي للكاتب ولكني في الغالب حرصت على تجسيد صورة الشاعر ومدى انتمائه إلى أرضه وارتباطه بقضايا وطنه وتواصله أيضا مع القضايا القومية في العالم العربي•

***

الأدب الكويتي

أنت على علاقة وجدانية وفكرية بالأدب الكويتي من خلال كتاباتك عنه وكذلك معايشتك للحياة في الكويت والشعراء والأدباء والنقاد وعالم الصحافة والتربية، كيف تنظر إلى هذه الرحلة الطويلة التي تعدت أكثر من ربع قرن حتى الآن؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل