المحتوى الرئيسى

حاتم حافظ : جمهورية مصر الفئوية

06/16 11:59

انضممت لحركة كفاية فور الإعلان عن تشكيلها، وبعد عامين فقط بدأ الجدل حول ما إذا كانت الحركة المستقلة الرافضة لمشروع التوريث قد ماتت في الشارع أم أنها لا تزال حية ترزق . وكنا في قلب الحركة التي بادرت قبل الجميع بالنزول للشارع نتساءل إذا ما كانت الحركة لم تتمكن من التخلص من نخبويتها أم أن الشارع نفسه لا يستجيب للتحرك بالقدر الكاف. لهذا كان الإعلان عن تشكل حركة 6 أبريل بمثابة انتعاشة للحركة الوطنية وتخليا عن النخبوية التي هيمنت عليها طوال سنين. اضراب 6 أبريل نجح نجاحا كبيرا بسبب إضراب عمال المحلة، وبسبب ما سجلته الكاميرات من إسقاط صورة مبارك في ميدان الشون.

وجود عمال المحلة في قلب الحركة كان بمثابة وقود الحركة الذي أبقى على جذوتها مشتعلة طوال ثلاث سنوات. وقبل عامين بدأنا في مراقبة الاعتصامات التي سميت وقتها بالفئوية والتي اتخذت من رصيف مجلس الشعب حيزا لها كبداية لتحرك أكبر في المجتمع المصري. فهمنا أن تلك الاعتصامات وتكرارها سوف يمثل تراكما في الحركة الوطنية لحين حدوث طفرة نوعية تنقل النضال الوطني من الطابع الفئوي للطابع العام، وكان لدى كثير منا قناعة بأن هؤلاء الموظفين والعمال المعتصمين أمام البرلمان سوف تتسرب طاقتهم الاحتجاجية إلى الشارع وقد تحدث الثورة التي راهنا عليها في كفاية ثم في حركة 6 أبريل وأخيرا في الجمعية الوطنية للتغيير.

لهذا لا يمكن اختزال الثورة المصرية الآن في مشاركة فصيل أو آخر من فصائل الحركة الوطنية، بعيدا عن التفكير في الاعتصامات الفئوية الناجحة، خصوصا وقد مثل نجاح العاملين بالضرائب العقارية في لوي ذراع الحكومة المستبدة لتحقيق مطالبهم علامة فارقة في تاريخ النضال من أجل الحقوق المشروعة للمصريين. ويبدو لأي مراقب موضوعي الجدل الدائر حول ما إذا كان الإخوان قد شاركوا من البداية في الثورة أم لا والاتهامات المتبادلة بين الجماعة وخصومها السياسيين انتهازية سياسية، لأن وقود الثورة الحقيقي كان: الشعب المصري، وقاعدته العريضة من الموظفين والعمال والفلاحين، الشعب المصري الذي فاض به وقرر أن أوان نيل حقوقه الإنسانية والاجتماعية قد حان. ليس مهما من دعا للثورة ولا من شارك فيها قبل الجميع المهم أنها حدثت وأنها حدثت لأن المصريين ضربوا مثلا نادرا في التماسك أمام الاستبداد طوال ثمانية عشر يوما.

تدين الحركة الوطنية للعمال والموظفين، الذين تمكنوا من إجبار حكومة نظيف على الإذعان لمطالبهم عدة مرات، في حدوث نقلة نوعية في وعي المصريين وفي إدراكهم أن الاحتجاج بأي صورة وبأي شكل هو مفتاح انتزاع الحقوق. لهذا فإنه من غير المقبول الآن تشارك حكومة شرف وبعض التيارات الليبرالية وجماعة الإخوان في تشويه صورة الاعتصامات الفئوية والكلام طوال الوقت عن تسببها في عرقلة عجلة الانتاج، وفي مطالبة أصحابها بانتظار رخاء الديمقراطية في السنوات المقبلة، بدلا من مطالبة الحكومة نفسها بتقديم جدول زمني واضح لهؤلاء لتحقيق مطالبهم، التي للمفارقة تحقق لهم حد الكفاف فقط.

هذه الثورة سوف تضيع إن لم ننتبه إلى أنها لم تأت بعد بحكومة ثورية، صحيح أن الجميع يقدرون عصام شرف ووطنيته وإخلاصه ولكن شرف لن يمكنه فعل شيء من أجل المصريين وسط وزراء ينتمون للنظام السياسي الاستبدادي ولحكومات رأس المال. لا نحتاج حكومة تسيير أعمال، ولا حكومة إنقاذ وطني بقدر احتياجنا لحكومة ثورية، على وعي بحقيقة ما جرى في يناير، لا تنشغل بمن شارك قبل من ومن تأخر في المشاركة في الثورة، لا تنشغل إلا بأن المصريين لا يطلبون إلا حد الكفاف، على الأقل ليعرفوا أن لثورتهم معنى وأن الدماء التي أريقت استحقت ما تراق من أجله.

لا نريد حكومة تتفضل علينا بالإعلان عن حد أدنى للأجور كانت حكومة نظيف نفسها سوف تعلن عنه عاجلا أم آجلا، لا نريد حكومة تتراجع في ساعات قليلة عن ضرائب الأرباح في البورصة لمجرد أن مجموعة المنتفعين هناك هددوا ببيع أسهمهم، لا نريد حكومة تبشر بإلغاء الضريبة العقارية ثم تعود لتبشر أن ما تم إلغاؤه من الضريبة هو الاسم فقط ، لا نريد حكومة مهتزة لا يمكنها اتخاذ خطوة بإزاء الضرائب التصاعدية خوفا من المستثمرين، على الرغم من تماسكها وتكشيرها عن أنيابها أمام مجموعة من الفلاحين المعتصمين أمام مجلس الوزراء.

الذين أجبروا حكومة نظيف من قبل على الانحناء وتحقيق بعض مطالبهم هم وقود هذه الثورة، ومن غير المقبول أبدا لوقود الثورة أن يهانوا وتهان كرامتهم إرضاء لحكومة تتجمل حتى لا تكشف عن حقيقتها غير الثورية. ومن غير المقبول أبدا أن تدار عجلة الإنتاج لتطحن أجسادهم المفترسة من الجوع والفقر والمرض، ولا أن تدار عجلة الإنتاج لتسحق كرامتهم الإنسانية، وعلى الجميع تذكر أن مطالب الثورة تحددت يوم 25 يناير بالحرية والعدالة الاجتماعية، وأن لا أحد من المصريين المطحونين سوف يقايضون الحرية بالعدالة الاجتماعية ولا العدالة الاجتماعية بالحرية، فقد فات أوان المقايضة.

وعلى حكومة شرف أن تعرف أنه إذا كانت اعتصامات العمال والموظفين نقلت من قبل النضال الوطني من طابعه الفئوي لطابعه الثوري العام، بإسقاط مبارك ورجاله، ومثلت نقلة نوعية في تاريخ هذا النضال ليتحول إلى ثورة ضد الاستبداد السياسي، فإن استمرار الضغط على هؤلاء مرة أخرى، سوف ينقل فئوية مطالبهم إلى ثورة عارمة قد لا يعرف أحد ما يمكن أن تطيح به هذه المرة.

[email protected]

مواضيع ذات صلة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل