المحتوى الرئيسى

انتظـار

06/15 09:48

محمد العبد الله

لا نتوقع أن تخرج جماهير الإسرائيليين، في تل أبيب أو غيرها من المدن، هاتفة: الشعب يريد تغيير النظام. النظام في إسرئيل، على ما يبدو، مستقر على «ديموقراطية» تداول السلطة. لا يستطيع أي رئيس أو رئيس حكومة أو وزير أو أي صاحب سلطة أخرى أن يطلق النار على المتظاهرين في إسرائيل إذا حصل مثل هذا التظاهر. يتظاهر الإسرائيليون، أحياناً، من أجل أمور أخرى. وأحياناً «الشعب» يطلق النار على السلطة (اغتيال اسحق رابين مثلاً).

يستطيع الجندي الإسرائيلي أن يرفض الخدمة في قتل الناس في جنوب لبنان أو في غزة أو أي مكان عربي آخر، فيجري تأديبه بالسجن لفترة معيّنة وبناء لقانون ما.

ماذا يعني هذا؟ هل هو مديح للنظام في إسرائيل بالمقارنة مع الأنظمة العربية التي تنهار الواحد تلو الآخر، وسط عواصف من التفسّخات الدموية والغموض الإعلامي وانعدام أي أفق لهدوء هذه العواصف واستقرارها على «طقس» معتدل من العيش السياسي والاجتماعي؟

هل العصبية أو العنصرية الإسرائيلية ـ اليهودية هي التي تلمّ الناس في إسرائيل إلى أنفسهم ونظامهم والى «ديموقراطيتهم». وتداعياً، هل تفتقر الشعوب العربية إلى العصبيات الدينية أو الطائفية أو المذهبية لكي تلتم على نفسها وعلى أنظمتها وعلى «ديموقراطيتها»؟

لم يحصل حتى الآن، في حدود ما نعرفه، أن مُنع أو صودر كتاب إسرائيلي أو اعتقل أو قتل كاتب أو صحافي إسرائيلي رغم أن، بحدود ما نعرف، الصحافة الإسرائيلية التي نترجمها ونطّلع عليها، تذهب بعيداً والى الحدود القصوى في التعبير عن رأيها في السلطة ورموزها وأدائها.

وفي حدود ما نعرف، يُستدعى أي صاحب موقع في السلطة الإسرائيلية إلى التحقيق والمحاكمة ويمثل أمام القضاء حين حصول أية شبهة حول استغلاله للسلطة بشأن شخصي (رشوة مثلاً أو هدية أو تقصير الخ...) بينما هنا وهناك، في بلادنا العربية الرائعة، يخرج المسؤول حاملاً مفتاح خزنته (حصّته من خزنة الدولة)، ترافقه وسائل الإعلام، ويفتح الخزنة ويكيل ما يشاء منها، ويبتسم أمام وسائل الإعلام ويصرّح: نعم، لقد أخذت دفعة من حصتي في خزنة الدولة! فتزغرد زوجته أو ابنة خالته ويصفق محازبوه ويطلقون الرصاص ابتهاجاً.

أما في الانتخابات الإسرائيلية في جميع مجالاتها، فليس من الوارد الكلام عن رشوة أو قمع أو تزوير، تحت طائلة إجراءات قانونية واضحة ما يكفي.

أيضاً، ماذا يعني هذا الكلام؟ هل هو مديح لإسرائيل وهجاء للعرب، هجاء للذات؟ هل هو وقوع ساذج في أسر وفخ المظاهر الإسرائيلية «الديموقراطية» و«الحريات» في فضاء من احتلال الأرض الفلسطينية وأراض عربية أخرى وتشريد الفلسطينيين وقتلهم واعتقالهم واحتلال وتشريد وقتل ما تيسّر من سائر العرب؟ إضافة إلى الاغتيالات اليومية القصيرة والبعيدة المدى؟

السؤال مطروح على السلطات العربية وعلى الجامعة العربية. وبالمناسبة، أين أصبحت مقررات مؤتمرات القمة العربية؟ ومتى ستنعقد القمة العربية المقبلة؟ وهل سيتم استدعاء الرؤساء العرب إلى هذه القمة، من السجون والمستشفيات والمنافي والملاجئ؟ أم أن الشعوب التي تريد تغيير النظام ولقد فعلت، هي التي ستعقد مثل هذه القمة؟ متى؟ وأين؟ لا بد من الانتظار. لقد قعدت السلطات العربية البائدة بالتدريج عشرات السنين تُمسخر وتهين شعوبها وتعقد قممها وتتخذ قراراتها، وانتظرها الجميع عشرات السنين، لعلها تخرج من حالتها البهيمية إلى الحالة الإنسانية، فلم تفعل حتى اهترأت هذا الاهتراء الدراماتيكي الدموي الذي مسخ التاريخ. فلا بأس من انتظار الشعوب التي تريد تغيير النظام بضع سنين لكي... لعل... ربما.

*نقلاً عن "السفير" اللبنانية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل