المحتوى الرئيسى

د. فتحي النادي يكتب: أصحاب الرسالات وأصحاب المعالي

06/14 11:41

د. فتحي النادي يكتب: أصحاب الرسالات وأصحاب المعالي

أصحاب الرسالات وأصحاب المعالى

الجريدة (خاص) – كتب دكتور فتحى النادى

لدينا فى مصر أكثر من كيان إنشئت فى عهد مبارك بأسماء براقة الغرض منها -كما هو معلن- التنمية المجتمعية، مثل وزارة السكان، والصندوق الإجتماعى، والمجلس القومى للأمومة والطفولة، ووزارة التضامن الإجتماعى. وزارات ومؤسسات يتبعها هيئات، يعمل بها عشرات الألوف من الموظفين، ويصرف عليها مئات الملايين كل عام من ميزانية الدولة لكى تحقق أهدافا ليتها تحققت.

وكان يتم استغلال هذه الهيئات المتعددة فى جلب المعونات الخارجية التى تنتفخ بها جيوب رأس النظام وأسرته وأعوانه، والقروض التى تثقل كاهل مصر ويسددها الشعب من قوته. مجرد ديكورات تبرر صرف الميزانيات المليونية على الإجتماعات والسفريات والمؤتمرات، وجيوش الموظفين من أصحاب الحظوة أبناء وأقارب ومعارف كبار المسئولين فى الدولة من الموجودين الآن خلف القضبان. وكل ذلك بدون أي عائد يسهم ولو بقدر ضئيل فى تحسين أحوال شعبنا العظيم.

أقول ذلك وفى ذهنى نموذج لفرد واحد إستطاع دون مؤسسات ولاهيئات ولا مجالس قومية ولا حتى مقار مريحة أو سيارات فارهة، استطاع وحده أن يغير أمة بأكمها ويمسح عن وجهها عار الفقر والأمية والتخلف بمشروع بدأ بسبعة وعشرين دولارا أخرجها الرجل من جيبه وأقرضها دون ضمانات لعدد من فقراء بلده واشترط عليهم أن يسددوها له حين ميسرة.

وثق بهم فلم يخيبوا ظنه، وبدأ بهم تجربة رائدة تدرس الآن فى كل كليات الإقتصاد والمؤسسات المالية العالمية والبنك الدولى، إلا فى مصر، حيث كانت مثل تلك المشروعات تمثل تهديدا لمصالح النخبة، وتفوت الفرصة على اللصوص والنهابين لثروات الشعوب، وتقضى على الفساد والمتاجرة بأحلام الفقراء البسطاء فى حياة كريمة.

ظل نظام مبارك يلوم الشعب على حالة الفقر التى وصلنا إليها، وأقنعونا أننا دولة فقيرة معدمة جفت مواردها بسبب استهتارنا كشعب يعطل كل خطط التنمية، بينما كانت كروشهم تكبر وتتورم من الثروات التى ابتلعوها ولم يكن يتصور أكثر الخيالات جموحا أنها بهذا الحجم.

إخترت تجربة بنجلاديش – وترتيبها الثامن من حيث الكثافة السكانية فى العالم – لأنها أكثر فقرا من مصر وتعانى من نفس الأمراض الإجتماعية المزمنة التى خلفها لنا نظام مبارك، لكى نبطل بالعلم كل الأكاذيب التى ابتلعناها خلال ثلاثة عقود مضت. بنجلاديش التى نتحدث عنها يبغ تعدادها 140 مليون نسمة (طبقا لتعداد 2000) يعيشون على مساحة 144 ألف كيلومتر مربع أى أن الكثافة السكانية تبلغ 1000 مواطن فى الكيلومتر المربع تقريبا بواقع متر مربع لكل مواطن ويتوقع أن يبلغ عدد السكان 158 مليونا فى عام 2011 ويمثل الذكور 23ر53% من عدد السكان ، والإناث 13ر48%، وقاست العديد من المجاعات والكوارث الطبيعية، ولكنها الآن دولة ديموقراطية برلمانية.

أما الرجل الذى آمن بفكرة وشرع فى تنفيذها وأصر على نجاحها بفكر علمى بسيط، فلم يكن فى موقع مسئولية، ولاصاحب جاه يزيل العوائق من أمامه فى سبيل تحقيق الأهداف التى وضعها لنفسه وبدأها منفردا بمغامرة محسوبة. هذا الرجل هو محمد يونس أستاذ اقتصاد حصل على الدكتوراه من أمريكا بمنحة دراسية مجانية، ولكنه عاد إلى بلده وقريته التى ولد بها لكى ينفذ مشروعه الذى بدأه بسبعة وعشرين دولارا كما قلت، وانتهى بتأسيس بنك للفقراء أسماه “بنك جرامين” أى بنك القرية باللغة البنغالية والذى له الآن أكثر من 1178 فرعا فى جميع أنحاء العالم بما فى ذلك الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، ويعمل به مايزيد عن 11777 موظفا ويبلغ إجمالى القروض الصغيرة التى منحها البنك لعملائه من الفقراء منذ إنشائه فى عام 83 حتى الآن 9ر3 مليار دولار و أصبح شعاره ” عالم بلا فقر “.

حصل إسم البنك على جائزة نوبل فى العمل الإجتماعى على اعتبار أن ماتحقق يعد تنمية مجتمعية متكاملة تضافرت فى تحقيقها جهود جيش من المؤمنين بالفكرة المصرين على إنجاحها مهما قابلوا من صعاب وعراقيل وتحديات، وأرسوا قواعد ثقافة بنكية جديدة تسمى ” القروض متناهية الصغر”. نموذج للتنمية المجتمعية يوضح لنا الفارق بين مايمكن أن يحققه أصحاب الرسالات من خدام الشعوب، وأصحاب المعالى ممن تخدمهم الشعوب. ما أحوجنا لهذا الدرس في هذا الوقت بالذات من تاريخ مصر.

أ.د./ فتحي النادي أستاذ ومحاضر في الإدارة ومستشار لتنمية الموارد البشرية

الرابط المختصر: http://www.algareda.com/?p=16764

بإمكانكم دومًا متابعة آخر أخبار الجريدة عبر خدماتها على موقع تويتر أو عبر موقع فيسبوك.



أهم أخبار مصر

Comments

عاجل