المحتوى الرئيسى

«الإخوان».. وبعدهم الطوفان (1)

06/14 08:16

كثيرون يسألون أنفسهم هذه الأيام: لماذا تتصرف جماعة الإخوان المسلمين وكأن مصر أصبحت، أو ستصبح، أو لابد أن تصبح، بلدهم وحدهم؟

 لماذا تتصرف وكأنها «وريث شرعى» للنظام السابق؟ هل سنستبدل فساداً بفاشية دينية؟..

السؤال الأهم: لماذا يتعامل المجلس العسكرى مع الإخوان بكل هذا التساهل والطيبة، ويستجيب لضغوطهم وأطماعهم بتلك السرعة، وكأن هذا المجلس لم يقرأ حرفاً واحداً من تاريخهم الحافل بالصفقات المريبة وأعمال الاغتيال السياسى والسعى المحموم للوصول إلى الحكم؟

كل يوم نقرأ تصريحات لكوادر فاعلة فى جماعة الإخوان، وكل تصريح ينسخ ما قبله أو يناقضه. كل يوم يخرج علينا عضو فى الجماعة ليبشرنا بأنهم لا يفكرون فى حكم مصر ولا يسعون إليه، وبأنهم لا يمانعون فى ضم أقباط ونساء إلى حزبهم، بل لا يمانعون فى تولى قبطى أو امرأة رئاسة هذا الحزب. ثم يخرج علينا عضو آخر ليبشر المصريين بـ«حكم إسلامى»، تقام فيه الحدود بعد أن تصبح الأرض ومن عليها ملكاً لهم. كل يوم معركة، وكل معركة بسلاح جديد وكلام جديد ووعود جديدة.

كل يوم موقف، وكل موقف ضلالة جديدة، وكل ضلالة فى النار، والإخوان يريدونها والعة.. حتى إذا كان الناس والحجارة (وهو التعريف الشرعى للكتلة الصامتة) وقودها. كل يوم اجتماع مع سياسيين قدامى وجدد، وكل القوى السياسية تضع الإخوان فى صدارة أجنداتها.. خلافاً أو اتفاقاً (حزب الوفد بدأ مؤخراً فى إعداد برنامج لحكم مصر بالاشتراك مع جماعة الإخوان وقوى سياسية أخرى، ومرشد الجماعة- د. محمد بديع- يطلب زيارة البابا للتهنئة بعودته من رحلة علاجية.. كأنه رئيس دولة وليس مرشداً لجماعة تضمر للأقباط غير ما تعلن!).

يتساءل المصريون، بعد حوالى أربعة أشهر على تنحى أو (إزاحة) مبارك: أين الإخوان المسلمون مما يجرى فى الشارع المصرى هذه الأيام؟

لماذا لا يستخدمون ثقلهم الجماهيرى المزعوم، وقدرتهم المخيفة على الحشد والضغط والمناورة، فى كبح هذه الفوضى والانفلات؟ ألا تبدو لهفتهم على الحكم واستماتتهم فى «أسلمة الحالة الثورية» مثيرة للريبة والفزع؟..

ثم ما كل هذا الضجيج الذى يحيطون به أنفسهم وكأن أمور البلد استقرت ولم يعد فى حياة المصريين سوى انشقاقات الإخوان وترشيحات الإخوان ومعارك الإخوان ومسرح الإخوان وكرة قدم الإخوان ومقاس «حذاء» مرشد الإخوان؟.. ما لهم يتقلبون هكذا: من التهديد بـ«الشريعة» إلى ممالأة النخبة، ومن إرهاب الكتلة الصامتة إلى الوقوف «صفا واسترح» أمام المجلس العسكرى؟

الأسئلة كثيرة، والإجابة تبدو بالنظر إلى تاريخ الإخوان سهلة وواضحة، لكننا أمام تطور مهم يحتاج إلى قراءة المشهد من أوله.

خلال الأسابيع الخمسة التى انقضت منذ إزاحة مبارك وحتى موعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية.. كان حضور الإخوان (والذين معهم) قد بدأ يتسع، بحيث لم يتركوا شبراً من الفراغ الذى خلّفه سقوط نظام مبارك دون أن ينقضّوا عليه كالجراد!، فى المقابل.. بدأ القلق يتسلل إلى شركائهم فى ميدان التحرير، لكن الرغبة فى عدم إفساد فرحة المصريين بثورتهم، والتظاهر بأنها «ثورة كل المصريين».. جعلا هؤلاء الشركاء، يتعالون على هذا القلق وتلك المخاوف، إلى أن جاءت اللحظة التى أسفر فيها الإخوان عن وجههم الحقيقى: وجه البراجماتى الذى أتقن كل الحيل التى من شأنها أن تضعه فى لحظة- لا ريب فيها- على مقعد الحكم.

قبل يومين من الاستفتاء.. انقسم الشارع السياسى فى مصر إلى فريقين: الأول يدفع باتجاه «نعم» للتعديلات.. ويمثله الإخوان والذين معهم، والثانى يدفع باتجاه رفضها، ويضم جميع القوى السياسية الأخرى، الإخوان اعتبروا هذا الاستفتاء بمثابة أول اختبار لقوتهم بعد زوال نظام مبارك، لذا بذلوا جهداً خارقاً واستخدموا «غل» ثمانين عاماً من المصادرة والنبذ لتوجيهه، بما فى ذلك إيهام المواطن الذى لا يعرف الفرق بين الدستور وقرص الطعمية بأنه «استفتاء على الإسلام»، ومن ليس معهم فهو ضد الإسلام (أى: مع النصارى، كما قال لى مواطنون عاديون اعترفوا بأنهم غيروا من «لا» إلى «نعم»).

أضف إلى ذلك حضورهم الواضح فى لجنة صياغة هذه التعديلات، فرئيس اللجنة هو المستشار طارق البشرى، المعروف بميوله الإخوانية، وأحد أعضائها هو المحامى صبحى صالح، عضو الكتلة البرلمانية للإخوان فى مجلس الشعب، وعلى الرغم مما يمثله اختيار المستشار البشرى لرئاسة اللجنة، فإن «تطميناته» التى شدد عليها قبل أيام قليلة من إجراء الاستفتاء بدت -بالنسبة لى على الأقل- خادعة.

لقد أصر البشرى على أن الديمقراطية ستكون كفيلة بكبح جماح أى قوة سياسية تفكر فى الخروج على شرعية الثورة، ووصف الخائفين من جشع الإخوان وسعيهم المحموم إلى الانفراد بكعكة الثورة بأنهم «خائفون من الديمقراطية»، وكتب مقالاً مطولاً بهذا العنوان فى جريدة يومية مستقلة قبل يوم واحد من الاستفتاء، بالإضافة إلى حزمة متفرقة من المقالات (فى الجريدة نفسها) كتبها فهمى هويدى، عراب التيار الدينى..

ظالماً ومظلوماً بهدف طمأنة المفزوعين من تزايد نفوذ وطموح الإخوان بعد الثورة. وبصفتى واحداً من هؤلاء المفزوعين فإننى أسأل المستشار البشرى والأستاذ هويدى: أى ديمقراطية يمكن أن تكبح «جماعة» عرف عنها أنها «تتمسكن حتى تتمكن»، كما يقولون، ولا تخجل من انتهازيتها؟

كيف نطمئن لجماعة لا ترى عيباً أو حراماً فى عقد صفقات مع ألد خصومها السياسيين، على غرار ما جرى فى انتخابات مجلس الشعب 2005؟

لن أتطرق إلى تاريخ الإخوان البعيد، لكننى أضع بين يدى القارئ (باعتباره مضحوكاً عليه) بضع حقائق من تاريخهم القريب، وتحديداً السنوات العشر الأخيرة من حكم الرئيس مبارك، وهو موضوع الجزء الثانى من هذا المقال.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل