المحتوى الرئيسى

جمال حمدان وثورة يناير

06/13 23:19

عندما هوي محترقا في السابع عشر من شهر ابريل‏1993‏ كان الدكتور جمال حمدان بمثابة الشهاب الذي أنار سماء المعرفة قبل ان يلتقي بالارض ـ ارض مصر التي احترق في هواها‏.‏

ونظرا لان الإقليمية كانت مذهبه الجغرافي فقد ابدع الرجل وانتج رائعته شخصية مصر دراسة في عبقرية المكان حيث اصبحت الجغرافيا ـ عنده ـ هي مصر, ومصر هي الجغرافيا, فنقرؤه يكتب الجغرافيا قديمة جدا من اقدم العلوم ولكنها كلما تغيرت كانت نفس الشئ, تماما كمصر ولايسعنا هنا الا ان نتعجب معه وهو يقول: شئ غريب فعلا وحقا موقع الجغرافيا بين العلوم يكاد يشبه موقع مصر بين البلاد.

ولقد كانت الجغرافيا عند حمدان هي الجذر الجبري للتاريخ فقد كتب: ان الجغرافيا تاريخ توقف بمثل ما ان التاريخ جغرافيا متحركة, ومن هنا جاء إلمامه الواسع العميق بتاريخ مصر بكل مراحله, ومع ذلك فقد اقر حمدان بأننا يجب ان نعترف وبلا مواربة بأننا كمواطنين عاديين جهلة جدا بمصر, او بالأحري بجغرافية مصر, وان تخبط التخطيط في العديد من مجالات حياتنا مرجعه الي هذا الجهل الجغرافي, وان ثقافتنا الوطنية قاصرة ومحدودة.

وقد كتب حمدان في عام1984 اننا ـ كمصريين ـ لم نكن قط احوج مما نحن فيه الآن إلي فهم كامل معمق موثق لوجهنا ووجهتنا لكياننا ومكاننا لامكاناتنا وملكاتنا ولكن ايضا لنقائضنا ونقائصنا, ففي الوقت الذي تأخذ مصر فيه منعطفا خطيرا, وتتردي فيه الي منزلق تاريخي مستهلك قوميا, ويتقلص حجمها ووزنها النسبي جيوبوليتيكيا بين العرب, وينحسر ظلها, تجد مصر نفسها في حاجة الي اعادة النظر والتفكير في كيانها ووجودها ومصيرها بأسره.

ولقد كانت الثورة المصرية في يناير1102 اعادة نظر في كيان مصر, واعادة توجيه لمسارها القومي الأصيل, ولقد تضمنت بعض كتابات حمدان ـ قبيل رحيله ـ تحليلا للاسباب والمبررات والدواعي التي ادت الي قيام هذه الثورة, كما تضمنت خريطة طريق تهدي هذه الثورة في طريقها نحو المستقبل, ومن هذه الاسباب والمبررات: أن مصر إما القوة أو الانقراض, إما القوة وإما الموت, وأنها كانت سيدة النيل, بل مالكة النيل الوحيدة ـ الآن فقط انتهي هذا, واصبحت شريكة محسودة ومحاسبة, ورصيدها المائي محدود وثابت وغير قابل للزيادة, إن لم يكن للنقص, وأنه سيأتي يوم تطرد فيه الزراعة تماما من ارض مصر, لتصبح كلها مكان سكن, دون مكان عمل اي دون عمل, اي دون زراعة, اي دون حياة, أي موت! لتتحول في النهاية من مكان سكن علي مستوي الوطن إلي مقبرة بحجم دولة.

أما مفردات خريطة الطريق التي رسمها بكلماته فمنها أنه ان تكن ارض الجزيرة هي( جزيرة العرب) فيزيوغرافيا وإثنولوجيا, فإن مصر هي( جزيرة العرب) سياسيا وقوميا, وأن دور مصر القيادي والريادي في العالم العربي لم ينقطع أبدا حتي في الفترات التي آلت فيها الزعامة الشكلية إلي غيرها. وان المشروع القومي ليس إلا بناء مصر القوية الكريمة اي: العمل والانتاج المادي والسلعي مع اعادة توزيع العائد بعدالة المشروع القومي تسمية جديدة فقط للدولة العصرية, وان مصر القوية هي مصر العزيزة الكريمة الجميلة في الخارج والداخل. القوة في الخارج والجمال في الداخل, القوة: التحرر الوطني والسيادة الوطنية والعزة القومية ونفي التبعية والاستعمار والصهيونية وإسرائيل, والجمال: عزة الإنسان المصري في دولته القوية: العدالة, المساواة, اعادة توزيع الملكية والدخل. وهذا فان روح جمال حمدان كانت في ميدان التحرير ترفرف وتهتف مع الثوار منادية بالحرية والتغيير ومطالبة بالعدالة والمساواة والتعمير.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل