المحتوى الرئيسى

أماني سعيد محفوظ تكتب: ليه يا ريما.. رجعتينا لمصر القديمة؟

06/13 13:42

حلوة بلادي السمرا بلادي.. مصر هيَّه أمي.. مشريبتيش من نيلها..    

يا لكَمّ الأغاني الوطنية التي تغنينا بها، وسمعناها عبر الميكروفونات التي جابت مصر خلال الثورة طولاً وعرضاً..

ويا لروعة الشعور الذي أصابنا بالقشعريرة الحلوة، تلك التي أسقطت من أعيننا دموعاً حارة، والتي طالما غَذت وغَزَت وحركت وحمست وهَزت وكَسَت وألهبت العقول والأرواح والأبدان، لنصحو وننتفض من أجل أم الدنيا..

البعض خرج في فصائل منظمة لتنظيف الشوارع  والميادين.. البعض الآخر خرج بشكل عشوائي يبحث عن مكان يقدم فيه خدماته للمتحمسين القابعين في الشارع ليساهم هو الآخر في التجميل.. وبعضهم فعلها من أجل التقاط الصور التذكارية، التي ازدحمت بها أروقة الفيس بوك، ولم يعد صعباً أن نبحث في النت، لنشاهد الحلوين والحلولات أثناء نزهاتهم اليومية لتحويل القبيح لجميل..

جرى طلاء مصر بثلاثة ألوان تمثل علم مصر.. الأرصفة "العالية جداً" صارت بذات نفس الألوان.. وكذلك أعمدة الإنارة، والكباري، وواجهات المحلات، "وشوالي الزرع"، والمناديل، وعلب الطعام، والملابس.. حتى غرف النوم "موقعتش من قعر القفة".. بل وأصبحت الأغطية والمخدات أيضاً بلون العلم..

كل هذا "كان" في حب مصر..

أما "القمرات" اللواتي خرجن من بيوتهن، فكان لهن دور آخر في حب مصر، فقد صنعن علب كرتون، برضه عليها علم مصر، كُتب عليها: "تبرعوا"، أو "من أجل مصر"، أو "في حب مصر"، أو مكتبوش حاجة، ووقفن بالتبادل مع الأولاد وسط إشارات المرور مكتفين بابتسامة مهذبة، لتتبرع أيها السائق بما يجود به جيبك من أجل تلك الحملات الرائعة البناءة، التي لن أنكر كيف أثرت في وفي غيري، وتمنيت من كل قلبي أن يذهب ابني مع أقرانه ليقوم بدور مماثل تجاه وطنه ولوكان قليلاً، والحمد لله ربنا وفقه وراح، وكان كلما عاد إلى البيت، متشحاً بألوان علم مصر، وملابسه متسخة، وشعره مليان بالبوية، أفرح واقول: وماله!..

يحرس الرجال والشباب البيوت والشوارع آناء الليل، وتكنس السيدات والبنات تحت رعاية الشباب الجدعان أطراف النهار، وللكل نصيب في سندوتشات أو عصائر أو مياه، وكله بالمجان من البيوت ومن المحلات، محبة بين المواطنين وبين بعضهم البعض.. ومفيش فرق بين مسلم ومسيحي.. الله!

بالنسبة للبعض كانت الكرتونة اياها مجرد سَبّوبَه.. ابتسامة حمضانة، وتلفيعة غريبة بعلم مصر على أي حتة من الجتة، علشان تعرف أد إيه هو ولا هي بيدوبوا في حب مصر.. وتُفاجأ وأنت تقود سيارتك بوجهك وقد لبس هذه الكرتونة  المهترئة من كثرة "اللم".. ولأن المشاعر محتقنة، وجياشة، ومفعمة بالرغبة في العطاء، تضع من جيبك أي مبلغ دون تفكير.. زي بعضه.. أرزاق!

و بعد أن تلونت وتجملت مصر... أراها تبهدلت وتكَمكمت وتوَسخت وتفَسخت.. كما كانت وأكثر!

أين ذهبت المجموعات النشطة التي كانت مثل نور الفجر بعد الليل الأسود، بوجوهها المصرية الصبوحة البشوشة، والأعين التي كانت تلمع بفرحة أثناء العمل في الشارع؟ أين شركات جمع القمامة؟ وما كل هذه القمامة التي تخرج من بيوتنا؟

أين ذهبت ماجي وماهي وشيرويت وأمل وسناء؟ أين ذهب خالد وعلي وتامر ويوسف وميدو؟..

راحت فين الست سناء بسندوتشاتها؟ والست سنية ليه رجعت تسيب الحنفية؟ والحاج عبمعطي وابنه هشام، والشومه بتاعتهم راحوا فين؟ ها؟.. راحت فين الناس دي كلها؟؟ أكانت تقليعة وانتهت بانتهاء الموضة؟ أم كانت حالة، وراحت لحالها؟ ليه رجعت ريما لعادتها القديمة؟ لماذا صحونا من النوم فجأة باحثين عن أبناء مصر الذين أخلصوا لها وراعوها، وكأنها طفل في مهده يكبر على أيديهم.. ولم نجدهم؟ أين الروح الجميلة التي كست الجميع في حب مصر؟ أحقاً راحت ف الوبا؟

بعد أن كنا يداً واحدة يخرج منها أجساد لا عدد لها؛ قُطع حبل الوصال، وقُطعت الأيدي التي مُدت لكِ يا مصر، وندهتها النداهة!

قبل الثورة، وخلال مشاحنات ومشاجرات الشارع، كثيراً ما كنا نسمع "إنت مش عارف انا مين؟".. أما الآن فنسمع "أنا حعرفك مقامك".. وفين يوجعك!! بالطبع كان هناك ضرب ومشاجرات وتشابك بالأيدي، ولكن الآن الصراع أصبح برخصة، فالكل معه سلاح: مطواة، شومة، اللهم احفظنا سيف، أو البتاعة دي اللي بيكهربوا بيها!!

لم تعد العشوائية في المناطق العشوائية، المكتظة بالبني آدمين، بل إن البني آدمين أنفسهم أصبحوا عشوائيين، وغوغاء، ومهملين، ومتباطئين، وهمجيين، وسلوكهم أصبح ملَغوَص و غير مفهوم.. للأسف! يكفي أن تقف في الشارع وتشير بطراطيف صوباعك لأي شخص، حتى وإن كان ولياً من أولياء الله الصالحين، وتقول: هذا الرجل "فلول"!! لتهب عليه أورطة بني آدمين، يضربوه، ويسبوه، ويلعنوا اللي جابو أبوه!!

حكى لي صديق أنه خرج في ثورتنا، وقُذف بقنبلة غاز لم تصبه، ولكنها أوجعته من قوة ارتطامها بجسده، وظل صامداً، واقفاً، وما خرش الدم، ثم فوجئ بمن كانوا من حوله يحملونه من رابعة، ويجرون به، ويصرخون، ويحاول صديقي أن يفهمهم أنه سليم، ولكن.. الهوجة أقوي من الحقيقة!! وكأن الناس تريد جنازة تشبع فيها لطم.. لا أقول أن هؤلاء هم الثوار.. وإنما هم شرذمة تشعل الشرارات بكل ما أوتيت من قوة عضلية وحنجورية وتمثيلية..

يكفي أن تقف في الشارع، أو تطل برأسك من النافذة بضع دقائق، وتنظر لسلوك الناس، وتراقبه، وترصده بدقة، وأنا أؤكد لك بعمري، إنك حتقول: إخييييه!!

كنت تسألني عزيزي القارئ: لماذا اختفيت عنك فجأة؟ ولم أعد أكتب؟ وأين مقالاتي؟ وأين قصائدي؟ وماهو الجديد الذي تنتظره؟... الآن أجيبك وكلي أسى وحزن، أتمني ألا أطبعهم عليك: أنا كنت مكتئبة، بعدما أطللت برأسي من النافذة! شعرت أن آلاف الأوراق التي طبعتها على نفقتي، وجُبت بها شوارع القاهرة، والإسكندرية، والتحرير، والقائد إبراهيم، وسيدي جابر، راحت ف الهوا.. والتي كنت أقول في جزء منها: تعالوا نشوفها بنتنا، أو أختنا، أو أمنا، أو عروسة حلوة لازم نخاف عليها ونحميها.. ينفع بقى تعمل حاجة وحشة فى أمك؟ أو أختك؟ أو بنتك؟ أو حبيبتك؟ أو حتى جارتك؟ مصر محتاجة لكل واحد فينا.. واللى جاى حيبقى أسهل لو بقينا إيد واحدة، وروح واحدة، بقلب واحد، فى أجساد كتير، مختومة بعلم مصر.. أرجوك يا مصرى.. لازم تتغير.. احنا دخلنا فى عهد جديد لازم نكون أده.. واحنا أدها وأدود... يا ريت ما ترميش الورقة دى وتديها لحد غيرك يقراها، وغيرك يديها لغيره....

شعرت أن قصيدتي "ولادي"، التي تخيلت فيها مصر وهي تتحدث مع أبنائها، وكتبت بعض كلماتها على لسانها، وجبت بها الشوارع والمحافل، لأقرأها للناس.. ذهبَت هي الأخرى مع الريح، وقلت فيها مخاطبة المصريين، اللي كان عندي وما زال عندي أمل فيهم:

لو ع النُصح انا عندي كتير..

بس انا عايزه أشوف تأثير..

لكلام قولته..

جوه يناير اللي طلبته بإيدك نولته..

واللي بعيد عن بالك طولته..

ياللا يا إبني..

لِمْ اصحابك وتعال إبني..

وانتي يا بنتي..

بدورك بنتي..

ياللا بعزم يا مصريين...

الدور جه عليكو..

طول عمركوا ع الخير قادرين..

تسلملي إيديكو..

أُقفُم صف وقولوا: بلادي..

حَرُد واقول: وَحَشوني ولادي...

ولادي ولادي ولادي...

ليكو حبي وحضني وفؤادي...

معلش.. متزعليش يا مصر.. يظهر ان ولادك حيفضلوا وحشينك.. وحقولِك إيه؟ إصبُري.. جايز تيجي ثورة تانية تصحيهم... ويدّوا ريما.. بالجزمة القديمة!!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل