المحتوى الرئيسى

الخطوط الحمراء

06/13 08:29

أعرف أن هناك كثيرين لا يحبون تعبير «الخطوط الحمراء»، وأعرف أن هذا التعبير ثقيل على نفس أى شخص مؤمن حقيقة بالديمقراطية، ولكن بالتأكيد هناك خطوط حمراء يتوافق عليها الناس دون الاحتياج بالضرورة لاستخدام هذا التعبير، فالعلمانية فى فرنسا خط أحمر متوافق عليه من قبل المجتمع، والإساءة للأديان والقيم الدينية خط أحمر فى كل المجتمعات العربية، وإهانة المواطن يجب أن تكون خطا أحمر، وإهانة الجيش، أو إضعافه، هى أيضا خط أحمر.

والمؤكد أننا يمكن أن نستبدل تعبير «الخط الأحمر» بالقانون والدستور اللذين يمنعان ارتكاب الأخطاء ويعاقبان مرتكبيها، ولكن فى المجتمعات غير الديمقراطية هناك خطوط حمراء أخرى مفروضة على الناس، ولا علاقة لها بالتوافق الطوعى للمجتمع على مبادئ أساسية يمكن تسميتها مجازا الخطوط الحمراء.

ولعل أهم خط أحمر وضعه النظام السابق على رقبة الناس هو عدم الاقتراب من سياسات الرئيس المخلوع (وليس الحكومة) ومشروع التوريث وفساد الأسرة الحاكمة، فهذه كلها أمور كان يقولها بعض الناس فى الشارع أو يرددها البعض فى الصحف، وكان جهاز أمن الدولة يتابع بجهد غير مشكور كل هذه التعليقات التى ترفض التوريث ويحاول منعها من الكتابة وإقصاءها من الحياة العامة.

وبقى السؤال مطروحا بعد الثورة وبعد اختفاء خطوط مبارك الحمراء: هل ظهرت خطوط جديدة أم لا؟

الحقيقة أن هناك مؤشرات كثيرة تقول: نعم لقد ظهرت خطوط حمراء جديدة أكثر خطورة من خطوط العهد السابق، فهل نحن قادرون على مناقشة علاقة المال بالسياسة والإعلام بحرية وشفافية، وهل يمكن أن نرى تحقيقا معمقا فى أى قناة أو صحيفة مصرية عن كيف تجمعت الثروة فى أيدى البعض فى الثلاثين عاما الأخيرة؟ وهل يمكن أن نضع سقفاً مالياً حقيقياً (وواقعياً) يلتزم به كل المرشحين فى الانتخابات القادمة؟ وهل سيأتى يوم يناقش فيه المصريون ميزانية قواتهم المسلحة فى البرلمان دون حرج أو تجريح وباحترام كل الأسرار العسكرية؟ وهل سيحق لنا نقد إحالة المدنيين لمحاكم عسكرية فى النقاش العام وليس على الـ«فيس بوك» والـ«تويتر»؟

وهل يمكن أن نعرف كيف يُختار القضاة دون أن يصف رئيس النادى المطالبين بهذا الحق «بالحاقدين» على أبناء المستشارين؟! وهل سنعرف أن من حق المجتمع مناقشة ونقد الأحكام القضائية كما يجرى فى كل البلاد الديمقراطية وأن نعرف أن بلادنا فى حاجة لإصلاح شامل فى جهازها القضائى، لا تكرار الحديث عن القضاء الشامخ باعتباره خطاً أحمر؟

متى سيعرف الناس ما جرى فى الداخلية، وماذا تفعل الشرطة، وما هى بالضبط مشكلاتها الحالية؟

هناك سيل من الخطوط الحمراء يفرضه الأقوياء على الضعفاء، والأغنياء على الفقراء، وهو أخطر وأكثر تعقيدا من خطوط مبارك الحمراء التى كان هدفها الوحيد هو البقاء فى السلطة وتوريث الحكم، أما الآن فالخطوط الحمراء أكثر لأنها لا تخص شخصاً أو نظاماً إنما مجموعات هائلة من شبكات المصالح تريد أن تضع خطوطاً حمراء لحماية مصالح جزء من طبقة أو جزء من مؤسسة أو جزء من جهاز، وهذه كلها أمور أخطر بكثير من خطوط مبارك الحمراء.

[email protected]

 

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل