المحتوى الرئيسى

اصمتوا يرحمكم الله بقلم : محمد محمود عمارة

06/12 23:54

يذكرني المشهد السياسي و الحوارات السريالية التي تشهدها الساحة المصرية برائعة الساخر الكبير الأستاذ أحمد رجب " فوزية البرجوازية " حيث تم فرز المجتمع إلى مجموعات متنافرة وبدأ الكل باتهام الكل بما فيه و ما ليس فيه . الغريب في الموضوع أن صاحب الشأن ، و هو الشعب المصري ، غائب عن أذهان السادة الأفاضل أصحاب المكالم لأنهم ببساطة شديدة نصبوا أنفسهم أوصياء و قيمين عليه و متحدثين باسمه لأنهم ظنوه قاصراً لم يبلغ مرحلة الرشد بعد ، و ظنوا في أنفسهم فهم ما لم يأت به الأولون ، وعلم ما سينهل منه الأخرون ؛ لذا فهم الأحق بالأخذ بقياد هذا الشعب إلى ما يرونه ، من وجهة نظرهم ، صالحه.

الواقع يقول أن المسألة أبسط من كل هذه التعقيدات و أن الموضوع لا يحتاج إلى كل هذا اللغط ، و لا يتحمل كل هذا الغبار الكثيف التي أثارته المعارك الفكرية الوهمية بين المتنافرين من أصحاب التيارات المختلفة و التي حجبت الرؤية الصحيحة لأولويات العمل في مرحلة ما بعد الثورة ، و أعمت الأبصار عن استشراف المستقبل و تحديد موقع مصر ما بعد الثورة منه .

هناك مجموعة من الأفكار البسيطة التي تدور في ذهني و أناقشها مع المحيطين بي من الأصدقاء لنصل إلى الصورة الحقيقية لشعبنا ، و التي ربما لا نعرفها أو غابت عنا جميعاً .

فأنا شخصياً لا أعتقد أن الـ 85 مليون مواطن يعرفون معنى الاصطلاحات الآتية : سلفي ، اخوانجي ، ليبرالي ، علماني ، مجتمع مدني ، دولة مدنية ، بل و لن أبالغ إن قلت أن المتشدقين بها و أكثر المكررين لها لا يعلمون فحواها ، و أن المسألة لا تعدو تواتر كلمات و تفسيرات أُخذت عن كبراء كل مجموعة و المتحدثين باسمها و رددها التابعون دون فقه أو وعي لمدى صحة هذه التفسيرات و الشروحات و مدى اقترابها من الحقيقة.

كما يحز في نفسي و يحزنني أن يعتقد البعض حقاً أن شعب مصر ، المرابط إلى يوم الدين ، حين يطلب الديموقراطية سيطلبها بما يُروج له بالمعنى السئ و هو إباحة الخمور و الشذوذ و كل الموبقات ، لأن مطلب الشعب المصري للديموقراطية أبسط من ذلك بكثير ، فحين يطالب بالديموقراطية فليس في ذهنه سوى شيئين :

1- أن تكون له مطلق الحرية في اختيار رئيس يحكمه في ظل انتخابات نزيهة ، و أن تكون له من الآليات ما يمكنه من محاسبة هذا الرئيس و تقويمه إن حاد عن جادة الصواب ، و أن يدرك الرئيس أنه ليس بمأمن من المحاسبة لأنه بشر فلا يشهر سيف الدين أو التخوين ضد من ينتقده.

2- أن يستطيع انتخاب من يراه الأصلح لتمثيله في المجالس النيابية ، و أن يضمن ألا تُزور إرادته بتغيير الصناديق أو أوراق الاقتراع ، أو يُرهب بدنياً أو معنويا أمام لجان الانتخاب بفعل نفوذ المال الحرام أو سطوة البلطجية .

هل هناك من يختلف مع هذه المطالب ؟

هل هناك من لا يريد رئيساً منتخباً يتصف بالعدل و الحزم و حسن الإدارة ؟

أعتقد أن هذا الشعب على بساطته لا تفرق معه المسميات أو اختلاف المصطلح ، سم رغبته هذه و طريقته في اختيار من يحكمه ديموقراطية أو سمها شورى أو سمها ما شئت ، فهؤلاء البسطاء لا يشغلون بالهم بمتاهة المصطلح لأن الأهم عندهم هو أن يختاروا بأنفسهم.

هناك لغط من نوع آخر يخص المادة الثانية في الدستور ، صراحة لا أعلم لماذا يريد البعض التلاعب فيها ؟ و لماذا الإصرار على إثارة هذا الموضوع في هذا التوقيت و هي موجودة منذ أكثر من أربعة عقود و لم تضر أحداً و لم تُستخدم ضد أحد ؟ بل أكاد أجزم أن 99% من هذا الشعب بكل طوائفه لم تكن تعلم ما هي المادة الثانية في الدستور لولا محاولة البعض الاصطياد في الماء العكر.

وليس أدل على الصيد في الماء العكر من دعوات من يدعون زوراً و بهتاناً أنهم مصريون ثم يستعدون الخارج و يستقوون به ظناً منهم ، أو بالأحرى قل وهماً ، أن هذا الخارج سينصرهم و يحقق لهم أهدافهم ، و قد نسوا أو تناسوا أن من يستقوون بهم لا تحركهم سوى مصالحهم و لا شئ سواها ، كما أن جموع هذا الشعب لن تترك هذا الوطن نهباً للتقسيم و لن تخضعه تحت رحمة المرضى النفسيين و الغلاة من دعاة الفتنة و التطرف ، و أنها لن تصفق لأي سفيه يعلن قيام أي دولة مهما كان مسماها على جثث مسلميها و مسيحييها.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل