المحتوى الرئيسى

د. هشام عبد الصبور شاهين يكتب: العوامل المشتركة

06/12 12:52

تطالعنا الأخبار صباح مساء منذ مطلع العام بأنباء الثورات المتعاقبة والمتزامنة في بلاد العالم العربي، من تونس إلى مصر فاليمن وليبيا والبحرين ثم اشتعلت في سوريا منذ أكثر من شهر، والحبل على الجرار ! وما يلفت الانتباه في هذه الثورات جميعها أنها متزامنة إلى حد كبير، مما يجعلها السابقة الأولى فى تاريخ ثورات العالم كله لا العالم العربي فحسب، وهو ما دفع العديد من المراقبين إلى تخيل مؤامرة خارجية تحاك خيوطها ضد البلاد العربية، قطعا لحساب إسرائيل وإيران، على اعتبار أن مصالح الدولتين المتآمَر لصالحهما واحدة، وهو ما يثير العجب والاستغراب حين يجمع الشطط بين الغريمين في مصلحة واحدة ! هي القضاء على الأنظمة العربية الحاكمة، وذلك برغم أن كل هذه الأنظمة متواطئة أو متحالفة بطريقة أو بأخرى مع إحدى هاتين الدولتين.

ولنعد بذاكراتنا إلى درس الرياضيات فى بواكير المدرسة الابتدائية، درس العامل المشترك، ألا نرى ويرى العالم أن هناك عوامل مشتركة بين كل الدول التي اشتعلت الثورات فيها ؟ طرفا المعادلة هما الحاكم والمحكومون، في كل بلاد الدنيا هذان الطرفان هما أساس عملية الحكم والسياسة والاقتصاد والحياة بأسرها في المجتمعات الإنسانية حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فإن توافق طرفا المعادلة سارت الحياة بالجميع سيرها الطبيعي، أما إن تنافرا فالمواجهة محتومة ونتائجها محسومة لصالح الطرف الأقوى، وكل بلد له ظروف ثورته أو انتفاضته تبعا لمعطيات التاريخ والجغرافيا، ويضاف إلى هذه المعطيات في بلاد العرب مدى استقطاب الحاكم للجيش وسيطرته على مقدراته، وهو العامل الذي أثبت قدرته على الحسم في ثورة مصر، إذ انحاز الجيش إلى ثورة الشعب، بينما الجيشان الليبي والسوري يطحنان عظام شعبي البلدين.

ولنلق الآن نظرة على القواسم المشتركة في ثورات العرب في البلاد الخمس؛ مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن، العامل المشترك الأول هو انتماء الرئيس لأسرة متوسطة الحال، فالرئيس المصري كان والده يعمل حاجبا في محكمة بنها الابتدائية بمرتب يقل عن خمسة جنيهات في الشهر، والرئيس التونسي المخلوع ولد في مدينة حمام سوسة بتونس لعائلة متواضعة يعمل عائلها حارسا في مرفأ مدينة سوسة، والرئيس اليمني (إللي على وشك يبقى سابق ) ولد في قرية بيت الأحمر بمحافظة صنعاء لأسرة شديدة الفقر وعمل - وقد مات والده وهو صغير - راعيا للأغنام، والتحق بالجيش حين كان الالتحاق به مهرَبا من الفقر وسوء المعاملة، والرئيس الليبي تضاربت الأقوال وترددت عن مولده في أسرة يهودية فقيرة، أما الرئيس السوري فقد كان جده لأبيه سليمان (الوَحش) يسكن عند مدخل القرداحة؛ أحد أفقر المدن السورية آنذاك، وكان معروفا أنه ليس من أهل القرية ولا يمتلك أرضا، وسميت أسرته (بيت الحسنة) إذ كانوا يتلقون صدقات أهل القرداحة... إذن فالعامل المشترك الأول بين رؤساء الدول الخمس هو انتماؤهم لأسر متواضعة الحال يصل إلى حد الفقر المدقع.

العامل المشترك الثاني هو أنهم جميعهم امتلكوا - بعد أن أمضوا فتراتهم في الرئاسة – مليارات؛ دولارات ويوروهات ومجوهرات وعقارات وحسابات سرية ومعلنة في بنوك أوروبا وأمريكا، وكلهم لم يرث عن أبيه أو أسرته ما يُذكر، اللهم إلا الرئيس السوري الذي وجد سوريا كلها في إرثه عن أبيه حافظ الأسد (الوحش سابقا)، فمن أين يا ترى حصلوا على هذه الأموال الهائلة؟

العامل المشترك الثالث هو اعتماد هذه الأنظمة على أجهزة الأمن لإحكام السيطرة على الشعوب، وأية محاولة من أي  فصيل من الشعب للخروج عن هذه السيطرة؛ جوبهت بحزم شديد من الأمن، وقضي عليها في مهدها بمنتهى القسوة والحسم.

أماالعامل المشترك الرابع فهو الشعوب نفسها، هي التي صنعت حكامها الطغاة بالصمت والخضوع والتعامي عن الفساد والإفساد، فأعلت من مقام الحكام ووضعتهم في مصاف الآلهة، حتى اعتلّت صحتها ونهبت ثرواتها وبيعت ممتلكاتها وسرق تاريخها واعتقل أبناؤها وقتل مناضلوها وثوارها.

وعندما أدركت الشعوب أنها أصبحت ملكا خاصا للحكام، يتحكمون في مصائرهم ويورثونهم لأبنائهم؛ اختل التوازن عبر طرفي معادلة السلطة، وأحدثت العوامل المشتركة تأثيرها على المعادلة، فقامت الشعوب منتفضة ثائرة تطلب إسقاط الأنظمة، متزامنة متوكلة على الله، موقنة أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم... واسلمي يا مصر.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل