المحتوى الرئيسى

حكمة من حاييم بقلم:ياسين السعدي

06/12 21:25

هدير الضمير:

حكمة من حاييم!!

ياسين السعدي

وحاييم هذا ليس من (حكماء صهيون) الذين تنسب إليهم (بروتوكولات حكماء صهيون) والتي هي عبارة عن مجموعة من النصوص تتحدث عن خطط لسيطرة اليهود على العالم.

حاييم الذي نتحدث عنه كان مدير دائرة السير في شمال الضفة الغربية في عهد الإدارة المدنية. ولا نزكيه أو نقدمه كنموذج في الحكمة ولا نعده (موظفاً مثالياً)، لأنه كان يعمل في جهاز يخضع لإدارة الاحتلال، ولأنه يظل وجهاً احتلاليا مكروهاً حتى لو لبس مسوح الرهبان.

لكن الحقيقة تظل ساطعة حتى لو حاولنا طمسها أو حجبها أو حتى تجاهلها. لقد كان حاييم، حسب معرفتي، إدارياً ناجحاً يحاول أن يتصف بالنزاهة في معاملاته الرسمية، وإن كان هناك من يغمز في الرجل.

لقد صار حاييم ملكاً للتاريخ ورمزاً لمرحلة لئيمة مر الشعب الفلسطيني بها ولا يزال يعاني من مرارتها التي ازدادت، وقسوتها التي طغت حتى بلغت درجة لم يصل إليها شعب من الشعوب من حيث الهوان والخذلان وضياع وطن وتشريد شعب أو وضعه في أقفاص تسمى (المناطق المدارة) إمعاناً في تجاهل وجود هذا الشعب على أرضه وفي وطنه، تماماً كما حدث للهنود الحمر في أمريكا أو ما لاقاه سكان أستراليا الأصليون.

مع كل ذلك، يشهد كثير من الناس الذين عرفوه؛ أنه كان صاحب لسان سليط وصاحب تعليقات حادة تكون محرجة أحياناً. وأود أن أشير هنا إلى واحدة من طرائفه وتعليقاته الساخرة والمحرجة ذكرتها في مقال من سلسلة مقالات (مواقف وطرائف) نشرته في القدس الغراء بتاريخ 11/10/2009م بعنوان (فضيحة وعليها شهود):

(كان حاييم يعمل مديراً لدائرة السير في منطقة نابلس التي كانت تضم محافظات الشمال اليوم كلها. وكانت الدائرة تفتح في جنين يومي الاثنين والخميس من الأسبوع.

كان معروفا بسلاطة لسانه وأنه يتصرف بمهنية ولا يخضع لتوجيهات معينة، كما كان يبدو. كان الرجل طويل القامة يقف على باب الدائرة، وكانت جموع المراجعين كثيرة، وكلٌّ ينتظر دوره لإتمام معاملاته.

وكنت من الحضور، عندما تقدم منه شخص وهمس بأذنه بعد أن أعطاه ورقة. فما كان من حاييم إلا أن صار يلوِّح بالورقة بعد أن قرأها، ويتكلم بأعلى صوته بلهجته اللبنانية: (آل جايبلي ورأة من المخابرات بدو أعطيلو رخصة سواءة آل. خلّي اللي بعثوك يعطوك حبيبي). لقد كانت فضيحة وعليها شهود).

لكنه كانت له ملاحظات ندركها جميعاً، ويعرفها كل سائق؛ سواء حصل على رخصة السياقة من حاييم اليهودي في السابق، أو الفاحص العربي اليوم، وهي نصيحته التي هي في حقيقتها حكمة.

كان حاييم يقول لكل متدرب يدخل الفحص العملي: (حبيبي اعتبر كل الناس مجانين وأنت وحدك العائل)؛ أي أنت العاقل وحدك في مجتمع كله من المجانين الذين لا يحسنون التصرف وهم يقودون سياراتهم. وكان يقول: هذه الرخصة تقول أنك أنت اليوم (واحد عائل) فلا تتصرف تصرف المجانين عندما تقود السيارة.

لكن المجنون المقصود في حكمة حاييم، والتي نعرفها قبل وبعد حاييم، هي جنون السرعة الذي يكون سبب معظم الحوادث أثناء السياقة في أغلب الحالات، إن لم يكن في كلها.

توصف السرعة الزائدة بالمجنونة، فيقال كان السائق يسير ب (سرعة جنونية). ويقال كذلك في تقرير شرطة السير عن الحادث الذي يقع بأن السبب هو السرعة الزائدة.

نعيش في (عصر السرعة) فعلاً، ولكنها السرعة التي يتحكم بها العقل وتستهدي بنور اليقظة ومحاولة تجنب الخطأ في أثناء العمل. نعيش عصر السرعة في التطور الصناعي وسرعة الاكتشافات العلمية وسرعة التطورات الاقتصادية ووسائل الإنتاج ومكافحة قسوة الطبيعة من أمراض وسرعة البحث في علاجها والتغلب عليها.

السرعة مطلوبة في ميادين الأبحاث العلمية التي تسعى إلى إسعاد البشرية في الأساس، وإن تحدث محاولات تسخيرها لأهداف غير (نظيفة) في استعمالات سلبية كما يجري في تطوير التسلح في الدول الكبرى خاصة، والدول التي يحكمها نظام غير مستقر أمنيا أو سياسياً.

تكون السرعة في السير مطلوبة عندما تكون هناك ضرورة قصوى لها، كما نرى في سيارات الإسعاف، أو سيارات الدفاع المدني، أو حتى سيارات الشرطة عند حصول حادث يقتضي حضورها بسرعة. ولذلك تكون مجهزة بمكبرات الصوت التي تطلق أصواتاً مميزة يفهما السائقون في كل البلاد فيوسعون لها الطريق، ويفسحون لها المجال للمضي بسرعة لكي تصل هدفها في أقرب وقت؛ لكي تنقذ مريضاً أو تطفئ حريقاً أو تقوم بمعاينة حادث سير قد وقع لكي تحقق به، ولكي تفتح الطريق أمام حركة السير، أو لكي تفض شجاراً بين الناس.

أما السرعة التي يقوم بها السائقون للوصول إلى أهدافهم بسرعة غير ضرورية، فهي سرعة مجنونة، وليست ضرورية إلا في الحالات التي ذكرناها.

السرعة المجنونة، كما يلاحظ كثير من الناس، هي ما يقوم به سائقو سيارات الأجرة خاصة. وقد جاء في إحصائية رسمية قبل مدة لشرطة السير أن معظم حوادث السير يقوم بها سائقو سيارات الأجرة. فهم يزاحمون بشكل يصل حد الاستفزاز أحيانا لكي يصل السائق إلى هدفه، سواء كان على الطرق الخارجية، أو في داخل المدن، لتوصيل الطلبات الداخلية.

والسب دائما هو (الدَّوْر) الذي يتسابق السائقون لتسجيله في المكاتب التي يتبعونها. ومن الواضح أن الباعث لذلك هو الطمع والسعي للحصول على أكبر قدر من المال في ذلك اليوم الذي قد يكون أحيانا ( يوما عبوساً قمطريراً) يدفع فيه السائق (المتقدم والمتأخر) مما جمعه طول حياته إذا حدث له (حادث مؤسف)؛ سواء بالضرر الذي يصيب سيارته، أو يصيبه هو نفسه، أو بسبب ما صرنا نسميه (الحادث المؤسف) الذي يصل أحياناً حد الكارثة، كما حدث قبل مدة ومقتل ركاب إحدى السيارتين جميعا بالإضافة ‘لى السائق، وكانت السرعة الجنونية سبب الحادث.

ما من سائق بأية درجة كانت؛ سواء عمومي أو خصوصي، أو سائق حافلة أو سائق سيارة نقل كبيرة، أو حتى سائق دراجة هوائية، إلا ويعرف تماماً أن (السرعة الزائدة) هي أم المآسي وأساس كل المصائب. وأن كل ذلك بسبب جنون سائق متهور أو طماع أو مستهتر وغير منتبه، وكل ذلك ما عناه حاييم من حكمته التي كان يقولها لمن يحصل على الرخصة حديثاً.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل