المحتوى الرئيسى

أضعتم العراق.. فحق الفراق!!بقلم:عزيز العصا

06/11 21:52

بسم الله الرحمن الرحيم

أضعتم العراق.. فحق الفراق!!

عزيز العصا

[email protected]

لا شك في أن لكل نتائج مسببات، وأنه من السذاجة أن نفصل النتائج عن مسبباتها.. ولأن الأحداث التي تعيشها الأمة، هذه الأيام، تكاد أن تصم الآذان التي لا تتقن السمع لأنين الشعوب من وطأة الحكام المرتبطين بأجندات معادية، وتعمي العيون العاجزة عن رؤية ما وراء الأكمة، وتميت القلوب الخالية من الإيمان والثقة بالله قاهر الظالمين في كل المراحل والعصور.. لذلك فلا بد للمحلل من الوقوف الجاد أمام ما يجري في أمتنا، من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها..

فالتغيير الذي يجتاح "أمة الضاد" أفقي ورأسي؛ أي أنه من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ومن أقصى الـ "الفوق" إلى أدنى الـ "التحت". وهذا يعني أن التغيير الذي تهب رياحه العاصفة استراتيجي الطابع، وشمولي الأبعاد، وجوهري العمق.. ولكي نجعل أثر هذه الرياح إيجابي على الأمة وعلى الأجيال القادمة؛ أي أن يذهب الزَّبَدُ جفاءً لنتحرر من عوامل الهزيمة ومسبباتها من ضعف وهوان وفرقة وتشرذم، وأن يمكث في الأرض كل ما ينفع الناس من عوامل الالتقاء مع الذات والقبض على مسوغات الوحدة التي تعيد لأمتنا، هيبتها وحضورها بين الأمم.. كيف لا وهي أمة الحق المبين، أمة الخيرات، ومهد الرسالات السماوية لبني البشر. وفي ذلك يقول جل وعلا في محكم كتابه العزيز: "كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ" (الرعد، آية 17).

إن الحق الذي ننتظره بائن، لا لبس فيه، وهو أن التغيير القادم لا يكون حقاً بالمعنى الموصوف أعلاه إلا إذا تمكنت الأمة من الإمساك بناصية التحرر من التبعية، وأن تؤدي رسالتها الخالدة اتجاه البشرية جمعاء ليس كحضارة وحسب، بل ككنزٍ روحي يعبر عن عمق الحس والشعور وسعة الوعي، غير بعيد عن الواقعية التي تنظر إلى الأمور بنضج وثقة بالنفس.. وبذلك تأخذ الأمة دورها كأكبر أمة على وجه الأرض.

أما الباطل الذي علينا تشخيصه، وانتزاعه من واقعنا المعاش والمستقبلي، والذي على الحكام القادمين التخلص منه وهم في طريقهم إلى القصر، فهو أن حكام الأمة عبر العقود (بل القرون) الماضية، دأبوا على اللهاث وراء الأجنبي الذي ينظر إلى الأمور من واقع مصالحه فقط دون الالتفات إلى من لا يستطيع ركوب قطار المصالح المتبادلة بين الدول. في حين أن أولئك الحكام تعاملوا من منطلق ما يشبه السذاجة أحياناً، وفي الغالبية العظمى بروح العمالة الصريحة والواضحة لذلك الأجنبي حتى لو كان ذلك الأجنبي عدو استراتيجي؛ فالمحافظة على الحكم والتمتع بخيرات البلد هو أهم من التنمية والتطوير وما يتطلبه الأمر من استقلالية في اتخاذ القرار السياسي-الاقتصادي-الاجتماعي-التربوي-التعليمي... الخ.

واستناداً إلى هذه "الثوابت!!" جرى ما جرى مع مصر عبد الناصر التي حاولت أن تشب عن طوق التبعية والاتجاه نحو التحرر والتحرير، فكان ما كان من نتائج تتلخص في أن تكالب عليها حكام ذلك العصر حتى أصبحت في خندقٍ لا يخدم مصالح الأمة كاملة..

أما العراق، إبان حقبة صدام حسين، فالحديث عنه يطول، لما كان له من دور واضح ومعمق في نصرة الأمة وقضاياها، والتي تتلخص فيما يلي:

• أعاد للأمة هبيتها وحضورها في الحفاظ على جغرافيتها غير القابلة للعبث من قبل الطامعين بها، فحارب دفاعاً عن الخليج ليبقى عربياً بمياهه ودوله وشعوبه.. فأضحى صدام بطلاً في عيون حرائر الأمة وأحرارها. تلك الحرب التي خرج منها العراق منتصراً، باعتراف محاربيه، وهو يمتلك إرادة عسكرية وخبرات وطنية في مجال حماية الوطن والذود عنه، ليس بالهتاف وإطلاق العنان لمنبهات السيارات في الشوراع، بل بما امتلك من العتاد ورجال العراق وماجداته الذين أدركوا معنى الوطن وضرورات حمايته من الطامعين.

• استنهض قدرات أبناء الأمة، بالقدر الذي طالته يده، وحرر طاقاتهم وإبداعاتهم، ففتج جامعاته على مصراعيها للعرب لكي ينهلوا من علمها، وصرف الأموال الطائلة، ليس على شراء حدائق الحيوانات والصرف على تزويج قط من قطة، بل باستئجار أقسام الليزر والأشعة السينية ومختبرات الفضاء وغيرها في أرقى الجامعات الأوروبية، لتكون النتيجة تخريج جيش من العلماء والباحثين العارفين في شتى مجالات العلم والمعرفة من سطحها حتى أعماق أعماقها..

• بذلك، أضحى عراق العلم والمعرفة والقتدار يضع رأسه برأس كل من يتباهى بالتكنولوجيات المتقدمة، فصمم، بعقول عراقية-عربية بحتة أحدث الأجهزة والمعدات التي استخدمها في السلم في بناء بلده وإبراز هويته العلمية، وفي الحرب في الدفاع عنها والذود عن حمى الأمة حتى هز أركان الجيش الذي لا يُقهر..

• رغم فقره الشديد والديون التي لحقت به، وفق الأرقام التي صاغها من مولوه للدفاع عن وجودهم. إلا أنه، ومن منطلقات أيديولوجية وإيمان مطلق بأن خيرات الأمة هي لأبنائها، بغض النظر عن الجغرافيا، فكان السباق إلى تبني الاحتياجات المالية والنفطية للعديد من الأشقاء الذين وافقوا على تلقي الدعم، بخاصة في فلسطين خلال انتفاضتيها والأردن الذي نهل من نفط العراق، لعشرات السنين، بأسعارٍ رمزية..

رغم هذا كله، إلا أنه عندما حضر الغرب، بقضه وقضيضه، ليهاجم العراق ويمحوه عن خريطتي الجغرافيا والسياسة، ويستولي على نفطه ويخرجه من اللعبة السياسية والعسكرية كلاعب بالمواصفات المذكورة أعلاه.. عندئذ وقف الحكام العرب، إلا من رحم ربك، في خندق المواجهة المباشرة ليس في وجه الغزاة والغازين.. بل غرسوا ما تيسر لهم من خناجر في خاصرة عراق الأمة، وفي صدره، وفي أرجاء جسده كافة ليردوه صريعاً يترنح بين يدي خصمه..

فحضر الاحتلال الذي استباح العراق الحر الأبي حامي الديار والحارس الأمين على بوابة الأمة، وأخذ يكيل له اللكمات، إلى أن انبرى من شعب العراق الصابر المرابط من يرد الصاع صاعين ويجعل الاحتلال يدور حول نفسه، بلا هادٍ ولا دليل، ليعد العدة للرحيل بالحد الأدنى من "ماء الوجه"، وليجعل حكام العراق القادمين على دباباته القابعين في المنطقة الخضراء بحماية جيش الاحتلال، يفتشون عن مهربٍ آمنٍ يمكنهم من الهروب بما اختلسوا من أموال العراق ما غلا سعره وخف وزنه..

لقد أضحى العراق هكذا بفعل حكام الأمة الذين يفتشون الآن عن مهربٍ آمنٍ من وابل شعوبهم التي لفظتهم ولم تنطلِ عليها حيلهم وأكاذيبهم.. وها هم الآن بين هاربٍ ضالٍ لا ندري وجهته، وبين كسيرٍ حزين يترنح في زنزانة بناها لشعبه فانتهى إليها هو وأبناؤه وأسرته ومنافقيه وخدمه وحشمه.. وبين مشوهٍ من رأسه إلى أخمص قدميه يتمسك بكرسي الحكم رغم عجزه التام عن إدارة قطيعٍ من الأغنام.. وبين "مجنونٍ" قدم بلده للطامعين على طبق من ذهب، يحاصره العالم الطامع في خيراته، ويحاصره شعبه الكاره له ولـِ "هلوساته".. وبين من يرى أن الرصاصة أغلى بكثيرٍ من دماءِ أطفال بلده ونسائه وشيوخه وشبابه..

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل