المحتوى الرئيسى

جيل العودة بقلم:محمد السهلي

06/11 19:02

محمد السهلي

فيما تنسب الشعوب أجيالها المتعاقبة إلى العقود الزمنية التي ولدت أثنائها أو ترعرعت ونشأت في ظلها، وجدت أجيال الشعب الفلسطيني نفسها ضمن تصنيف أقترن بمحطات سياسية كبرى وضعت جموع الشعب الفلسطيني أمام مفترقات طرق مصيرية.

فهناك جيل النكبة الذي شهد الكارثة التي لحقت بأهله. وعندما استوعب حقائق ما جرى، حاول جاهدا الإجابة على سؤال العودة، وقطع على هذا الطريق شوطا مهما من خلال إشعال فتيل الثورة الفلسطينية المعاصرة التي أطلقت البرنامج الوطني التحرري في عناوينه الأولى.

لكن، وبعد عامين ونصف العام من ذلك، حلَّت النكسة التي أضافت ويلات أخرى على حياة الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية، وقد برزت تحديات جديدة دشنت مرحلة مختلفة من العمل الكفاحي والسياسي الفلسطيني حاول خلالها جيلا النكبة والنكسة أن ينهضا بالمشروع الوطني. لكن المكاسب السياسية التي تحققت في حينها لم تضع النضال الوطني على عتبة العودة والاستقلال من الناحية العملية.. إلى أن اندلعت الانتفاضة الفلسطينية في العام 1987.

لقد فتح جيل الانتفاضة آفاقا واسعة أمام المشروع الوطني الفلسطيني، وعمت الانتفاضة الشعبية التي يتقدمها الفتية والشباب جميع المدن والأرياف في الأراضي الفلسطينية التي احتلت في العام 1967، وواجه الشبان والفتية الفلسطينيون االجلاد الإسرائيلي بصدور عارية واستطاعوا بهتافاتهم وحجارة الأزقة من حولهم أن يفتحوا نوافذ العالم المغلقة باتجاه حقوقهم المهدورة، واعترفت أكثر من مئة دولة في العالم بإعلان استقلال دولتهم. لهذا السبب، يمكن القول بأن جيل الانتفاضة (ومعه سائر فئات الشعب الفلسطيني) قد حقق نقلة نوعية في النضال الوطني الفلسطيني. وهو بحق «جيل التحدي» في مواجهة غطرسة الاحتلال وعسفه.

في بلدان اللجوء والشتات، وبعد انحسار العمل الوطني الفلسطيني المقاوم في لبنان، وجد الشبان الفلسطينيون أنفسهم على مقاعد المتفرجين وهم يتابعون بانفعال مجريات الانتفاضتين الفلسطينيتين في الأراضي المحتلة. ومع تهميش قضية اللاجئين الفلسطينيين في إطار اتفاقات أوسلو، لم تتمكن حركة اللاجئين من استقطاب طاقات الشباب وزجها في معارك الدفاع عن حق العودة لأسباب تتعلق بإسلوب عمل مكونات هذه الحركة وتشتتها وعدم قدرتها على الانطلاق كحركة شعبية مستقلة معنية بمتابعة قضية معظم الشعب الفلسطيني, ومعاناته اليومية في غير موقع من مواقع اللجوء والشتات.

نحو خمسة وعشرين عاما أصبح خلالها جيلان فلسطينيان من اللاجئين أشبه بخزان من المتابعة والملاحظة والذي تحول إلى إحتقان مع متابعة المنعطفات المؤسفة في مسار العمل الوطني الفلسطيني داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها، إن كان على المستوى السياسي ممثلا بالرهان على خيار المفاوضات بالشروط الإسرائيلية ـ الأميركية، أو من خلال وقائع الانقسام الفلسطيني الدموي الذي عصف بالشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية, في الوقت الذي يتمادى فيه الاحتلال في عدوانه الدموي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة دون أن «يهمل» الضفة ويتغول في إجراءات التهويد والاستيطان.

ومن الطبيعي، والحال هكذا، أن يشعر الشباب الفلسطينيون في الوطن والشتات أنهم في حالة إقصاء متعمد عن الفعل الوطني الإيجابي بعيدا عن معادلات التناحر التي «صمدت» حتى خلال العدوان الهمجي على قطاع غزة، بل وحولت وقائع العدوان إلى موضوع إضافي للصراع بين المنقسمين.

وعندما حاول الشباب الفلسطينيون الدخول على خط الجهود الوطنية المخلصة لإنهاء الانقسام، قوبلوا بالتجاهل أولا.. ومن ثم بالعنف لتفريق إعتصاماتهم ومسيراتهم المطالبة باستعادة الوحدة. حصل هذا كله والشباب يطالعون عبر وسائل الإعلام حركة الشباب في تونس ومن ثم في مصر والتغيير الذي تمكنوا من إحداثه على مستوى بلديهم.

وعلى الرغم من ذلك، لم يفقد هؤلاء الشباب البوصلة، وربطوا بين إنهاء الانقسام وإنهاء الاحتلال. وفيما كانوا يصارعون الاحتلال على جبهة الاستيطان والتهديد، وجد أشقاؤهم في بلدان اللجوء وخاصة تلك المحيطة بفلسطين أن ثورتهم يجب أن تكون على واقع النكبة، باعتباره الواقع المؤسس لمعاناتهم الوطنية وتداعياتها، فكان إحياؤهم لذكرى النكبة الشهر الماضي كما شهدنا وشهد العالم أجمع.. عزيمة شابة وإصرار عنيد.. وشجاعة نادرة.. حبا بالحياة في فلسطين أرض آبائهم وأجدادهم.

لقد أثبت الشباب الفلسطيني للعالم أجمع ما نحن متأكدون منه. وهو أنهم جيل لم ولن ينسى حقه وحق أهله في العودة إلى الديار والممتلكات، وهو أثبت إضافة إلى ذلك حضوره القوي والمؤثر في المشهد السياسي الفلسطيني، ومن الطبيعي أن يكون من حقه أن يقوم بالدور الذي يستحقه هذا الحضور. وربما ليس من قبيل المبالغة القول بأن العمل الوطني الفلسطيني أمام مرحلة جديدة تتجاوز بقدر المستطاع سلبيات المراحل السابقة والبناء على كل ما هو جوهري وأصيل في التجربة الوطنية الفلسطينية.

ما سبق ذكره يصب لصالح قرارات الإجماع الوطني التي أكدت على ضرورة إصلاح المؤسسات الوطنية كافة على أسس ديمقراطية، ومن الطبيعي أن يكون الشباب في مقدمة الناهضين بمهام التغيير الديمقراطي ربطاً بإنجاز الحقوق الوطنية الفلسطينية، وهذا يذكرنا بعناوين رئيسية طرحتها مؤتمرات قطاعية تعنى بأوضاع الشباب في الحالة الفلسطينية وقد أكدت على ضرورة الاهتمام الجدي بقضاياهم ومشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية، ولاحظت هذه العناوين أن مشاركة الشباب في تنفيذ البرنامج الوطني من موقع القيادة يشكل أبرز الضمانات لإنهاض العمل الوطني الفلسطيني على أسسٍ تفتح نوافذ واسعة على المستقبل الوطني الذي نتطلع إليه جميعاً.

وبحكم طبيعتهم وحيويتهم، يتمتع الشباب بقدرة عالية على تلمس الأخطاء ويشعرون بأنهم يدفعون بشكل غير مباشر أكلافها, وخاصة بما يتصل بمسيرة العمل الوطني الفلسطيني بمحطاتها المختلفة منذ اندلاع الثورة الفلسطينية المعاصرة قبل نحو خمسة عقود.

ولهذا السبب، فإن من واجب الحالة السياسية الفلسطينية بكافة مكوناتها النظر إلى مطالب الشباب وانتقاداتهم بما تستحق من اهتمام وتقدير والتفاعل معها والنظر إليها من زاوية المصلحة الوطنية العليا وخاصة بأن هؤلاء الشباب يحملون الهم الوطني في مقدمة ملاحظاتهم وانتقاداتهم المشروعة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل