المحتوى الرئيسى

عوائق أمام المرأة المسلمة بقلم:عبد العزيز كحيل

06/11 22:41

عوائق أمام المرأة المسلمة

تتحرّك المرأة المسلمة وسط معوّقات ذاتية ومثبّطات اجتماعية تٌنسب عادة إلى الإسلام وتعتمد على نصوص شرعية أكثرُها أحاديث غير صحيحة السند منسوبة للنبي صلّى الله عليه وسلّم .

· نصوص شرعية غير ثابتة : يُكثر المضيّقون على المرأة من إيراد نصوص دينية تدعّم مواقفهم المتشدّدة ، وقد عشّشت الأخبار الواهية في هذا المجال أكثر من غيره حتى شكّلت جانبا كبيرا من ثقافة التخلّف الحضاري التي ابتليت بها الأمّة ، وتناقلها الخطباء المجلجلون حين خفَتَ صوت الفقهاء الراسخين ، إلى درجة أنّ الجماهير وغيرَ قليل من الدعاة أنفسهم يبنون رؤيتهم عن المرأة على أساس هذه النصوص الواهية ، ومنها ما يلي :

- 1. حديث العمياوين : عن أمّ سلمة رضي الله تعالى عنها قالت : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة فأقبل ابن أمّ مكتوم وذلك بعد أن أُمرنا بالحجاب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : احتجبتا منه ، فقلنا يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا ؟ فقال النبي : أفعمياوان أنتما ؟ ألستما تبصرانه ؟

هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي ، وقد ردّه المحقّقون من العلماء لأنّ في سنده مولى لأمّ سلمة ، اسمه نبهان ، وهو ممّن لا يحتجّ بحديثه ،كما قال الدكتور يوسف القرضاوي والشيخ الألباني .

وإذا كان سنده محلّ نظر فإنّ متنه مردود قطعًا لمخالفته للقرآن الكريم وللسنة الصحيحة وللواقع ، ذلك أنّ الله تعالى أمر النساء ( كما أمر الرجال) بغضّ البصر فقط وليس بإغماض العينين أو التنحّي التامّ أمام الرجال، والسنة تشهد بمساهمة النساء في أعمال اجتماعية وقتالية تبصر فيها النساء الرجال من غير العميان ، وهذا مشهور لا يحتاج إلى سَوق الأدلّة في هذا المقام، كما أنّ الواقع يردّ مثل هذا الحديث ،إذ ما الضرر الذي ينجرّ عن إبصار امرأة لرجل أعمى وفي حضرة زوجها ؟ ؟

- 2. حديث فاطمة رضي الله تعالى عنها ، سألها النبي صلى الله عليه وسلم : أيّ شيء أحبّ للمرأة ؟ فقالت : أن لا ترى رجلا ولا يراها رجل ، فضمّها النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ذرّية بعضها من بعض.

هذا الأثر من رواية البزّار والدارقطني ، قال فيه الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد :" فيه من لم أعرفه ، وعلي بن يزيد" ، ومعنى كلام الهيثمي أنّ في سند الحديث علّتين : فيه رجل مجهول من جهة ، وفيه علي بن يزيد ، وهو راو ضعيف.

ثمّ كيف يصحّ هذا الكلام والمرأة تذهب إلى المسجد وتقضي حاجاتها في المجتمع وترفع أمرها إلى القاضي وتركب البحر كما ورد في الأحاديث الصحيحة ؟ أيصدر مثل هذا الكلام عن عاقل فضلا عن أن يصدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

- 3.أثر غريب يردّده هواة تهميش المرأة وإهدار كرامتها : "رحم الله زمانا كانت المرأة لا تخرج فيه إلاّ ثلاث مرّات : مرّة من بطن أمّها، ومرّة من بيت أبيها إلى بيت زوجها ،ومرّة من بيتها إلى القبر" .

قال بعض علمائنا الأفاضل : لا رحم الله مثل هذا الزمان !! أثرٌ لا يُعرف له سند صحيح ولا ضعيف ويردّه العقل والنقل يصبح حجّة دينية تضيع به الحقوق وتُستعبد به المرأة !!!

هل يجوز أن نزعم التميّز بمثل هذه الآثار المردودة ؟ إنّنا إن فعلنا ذلك نكون قد افترينا على الله ورسوله ومكنّا لأسباب التقهقر والجمود والضعف وأعطينا أبشع صورة عن الإسلام الذي نريد دعوة الناس إليه ، كيف نحتجّ بمثل هذا الكلام ونغفل آيات وأحاديث تكاد لا تحصى تدور حول إيجابية المرأة وعطائها في كل ميادين الحياة النظيفة ؟ الحقيقة أنّنا نُضفي الشرعية الدينية على ممارسات عُرفية مرفوضة أفرزتها عقلية '' الذكر '' المتقمّص لشخصية '' المسلم '' ، وقد غالى بعض المسلمين وبالغوا في العناد فأشاعوا مثل هذه الآثار المردودة وعملوا بها وردّوا نصوصا في غاية الصحّة (كشهود النساء الصلاة في المسجد في العهد النبوي ، حتى الفجر والعشاء ) ومشاركتهنّ في النشاط السياسي ( كبيعة العقبة ) والاقتصادي والاجتماعي والعلمي.

4.حديث " صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد " : رواه الإمام أحمد في المسند ، ومعلوم أنّ مسند أحمد سفر ضخم فيه أحاديث صحيحة وضعيفة وموضوعة ، وهذا من الأحاديث الضعيفة التي حواها.

قال الإمام ابن حزم في المحلى (4198): «والآثار في حضور النساء صلاة الجماعة مع رسول الله r متواترة في غاية الصحة، لا ينكر ذلك إلا جاهل». وسرد بعض تلك الأحاديث ومنها ما اتفق عليه الشيخان، ثم قال: «فما كان –عليه السلام– ليدعهنّ يتكلّفن الخروج في الليل والغلس يحمِلن صغارهنّ، ويفرد لهنّ باباً، ويأمر بخروج الأبكار وغير الأبكار ومن لا جلباب لها فتستعير جلباباً إلى المصلى، فيتركهن يتكلّفن من ذلك ما يحطّ أجورهن، ويكون الفضل لهن في تركه؟! هذا لا يظنه بناصح للمسلمين إلا عديم عقلٍ، فكيف برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ الذي أخبر تعالى أنه {عزيزٌ عليه ما عَنِتّم، حريصٌ عليكم، بالمؤمنين رءوفٌ رحيم}»، وقد أخرج مسلم في صحيحه (31472) قوله r: « إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم».

وقال كذلك في المحلى (3132): «لو كانت صلاتهن في بيوتهن أفضل لما تركهنّ رسول الله r يتعنين بتعب لا يجدي عليهنّ زيادة فضل أو يحطهنّ من الفضل، وهذا ليس نصحاً، وهو عليه السلام يقول: "الدين النصيحة"، وحاشا له عليه السلام من ذلك، بل هو أنصح الخلق لأمته، ولو كان ذلك لما افترض عليه السلام أن لا يمنعهنّ، ولما أمرهنّ بالخروج تفلات. وأقلّ هذا أن يكون أمر ندبٍ وحضّ».

وأدلة فضل صلاة الجماعة للمرأة في المسجد على صلاتها في البيت، كثيرة متواترة صحيحة مشهورة، منها:

أخرج البخاري في صحيحه (1305): عن ابن عمر قال: كانت امرأةٌ لعُمَر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد فقيل لها: لِمَ تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار؟ قالت: وما يمنعه أن ينهاني؟ قال: يمنعه قول رسول الله r: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله».

وأخرج مسلم في صحيحه (442) عن سالم أن عبد الله بن عمر t قال: سمعت رسول الله r يقول: «لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنّكم إليها». فقال (ابنه) بلال بن عبد الله: «والله لنمنعهن». قال: فأقبل عليه عبد الله فسبه سبَّاً سيّئاً ما سمعته سَبّه مثله قط (وفي رواية أخرى أنه ضربه في صدره أيضاً)، وقال: «أخبرك عن رسول الله r، وتقول: والله لنمنعهن؟!»

أقول – أخيرا - إذا كان التضييق على المسلمة بهذه الحدّة في مجال العبادة فلا غرابة منه في ميادين الدعوة والتعلّم والنشاط العام ، وما زال علماء دين وخطباء ودعاة أيضا يتشدّدون فيما يسمّى الاختلاط ويحرّمونه بإطلاق بغير تفريق بين الخلوة المحرّمة وبين التواجد مع الرجال في مجال الدراسة والعمل مع مراعاة الأحكام الشرعية والآداب الرفيعة ، وينحون نفس المنحى مع مسألة سفر المرأة بغير مُحرم ولا يلتفتون إلى علّة التحريم التي يدور معها وجودا وعدما ،وهي انعدام الأمن والخوف عليها ، فإذا زالت العلّة زال التحريم كما هو شأن من يوصلها محرم إلى المطار ويستقبلها محرم في المطار الثاني ، فأيّ حرج في هذا ؟



· نماذج محنّطة : أقصد بها الإشادة الدائمة بنماذج نسائية رفيعة مع إبقائها في ذمّة التاريخ دون سعي لتجسيدها في الحاضر، بل مع الادّعاء في بعض الأحيان بعدم إمكانية تكرّرها لفساد الزمان ، أو غير ذلك من الأعذار.

نحن نذكر باعتزاز وإكبار إشارة السيدة أمّ سلمة رضي الله تعالى عنها على الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديبية ، فقد حلّت بإشارتها مشكلة عويصة ، ومع ذلك لا نُؤصّل لإشراك المرأة في عملية الشورى على كل المستويات ، وفينا من يرّدد ذلك الأثر المكذوب تكرار إيمان وتوكيد: " شاوروهنّ وخالفوهنّ " !!!

و نعلم جميعا أنّ كثيرا من الصحابة أخذوا العلم عن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها لكنّنا لم نبذل الجهد الكافي لإيجاد المرأة العالمة المتبحّرة، فإن وُجدت جعلنا الاتّصال بينها وبين الرجال في إطار العملية التعليمية معضلة كبرى فيها سدّ للذرائع وخوف دائم من الفتنة وتسلّح بجيش من الأحوَطيّات ، أي وأَدنا علمها وأجهضنا مساهمتها.

ونفتخر بالشفاء رضي الله تعالى عنها - تلك المرأة الحصيفة القوية التي ولاّها عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حسبة السوق - لكنّنا لا نفكّر مجرّد تفكير في تولية النساء بعض شؤون المجتمع في إطار المنظومة الإسلامية ما عدا التطبيب وتعليم الصبيان وسط تقييدات تثبّط ألمع العزائم.

إنّ سلوكنا هذا يكفي للاستدلال على مكانة المرأة الملتزمة بدينها في واقعنا... إنّه احتفاء بها ما دامت في صفحات التاريخ ،وإغلاقٌ للسبل الكفيلة بتجسيد ميداني للنماذج والقدوات ، فماذا يفرز فكر الأزمة هذا الذي يسيطر على ذهنية المسلم في العصر الحديث سوى مزيد من التخلّف الحضاري ؟ لأنّه يصطحب عادات عربية قديمة ويجعل منها دينا يحكم حياتنا !!

لكنّ الأمل في الإصلاح والقفزة النوعية يحدونا عندما نرى المرأة الفلسطينية تتجاوز الفتاوى المتشدّدة وثقافة الإقصاء وتنخرط في نشاط متنوّع المجالات لخدمة قضية الأرض المحتلّة ودعم المقاومة وإعداد جيل النصر والمرابطة في المسجد الأقصى وقيادة المسيرات وتحدّي العدوّ الصهيوني أمام الجدار العنصري وفي سجون الاحتلال وفي قطاع غزّة ، وهي مصونة متعفّفة ... إنّها بالفعل قدوة لكلّ مسلمة غيورة على دينها وقضايا أمّتها ،ونقول مثل ذلك عن أخواتنا في الثورات العربية المباركة اللاتي خرجن من " معضلة " قيادة السيارة إلى صناعة تاريخ الحرية والحقوق والكرامة والعزّة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل