المحتوى الرئيسى

المجلس العسكري والموازنة المصرية

06/11 11:04

عصام الجردي

أظهر استطلاع عن مصر بعد الثورة أعده المعهد الجمهوري الدولي الذي يرأسه السيناتور جون ماكين، ومولته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الحكومية، أن 81 في المئة من المستطلعين قالوا بأولوية تحسين الوضع المعيشي وتوفير فرص العمل . في حين رأى 15 في المئة منهم أن الديمقراطية تأتي في المقام الأول . 41 في المئة قالوا إنهم عاجزون عن تأمين الحاجات المعيشية والضرورية لعائلاتهم . وبينما قال 7 من كل عشرة استطلعت آراؤهم إنهم لا يعرفون صندوق الاقتراع نتيجة تزوير الانتخابات، قال 95 في المئة إنهم سيشاركون في الانتخابات المقرر إجراؤها في سبتمبر/ أيلول 2011 .

ليس في نتائج الاستطلاع ما يلفت . وقد توخى منه المعهد الجمهوري الدولي على ما نقلت صحيفة “واشنطن بوست” مساعدة الأحزاب المصرية على رصد اتجاهات الجمهور المصري قبل الانتخابات النيابية . كثيرة هي مؤسسات الاستطلاع في الولايات المتحدة التي تعتبر نتائجها عاملاً مؤثراً في صنع القرارات السياسية للبيت الأبيض وللأحزاب السياسية . لكن ذلك في ما يبدو ينطبق على الحالة الأمريكية فقط، ولا يشمل سياسات الإدارة الأمريكية الخارجية . فهذه الأخيرة محكومة باستراتيجية الولايات المتحدة بصرف الاعتبار عن نتائج استطلاع أو استفتاء . وكثيراً ما كانت السياسات الخارجية معاكسة للمزاج الشعبي وتوجه الجمهور في البلد المعني .

لقد دعمت الإدارات الأمريكية المتعاقبة حكومات الرئيس السابق حسني مبارك بلا حدود . وقبله حكومات الرئيس السادات .

نالت مصر مساعدات مالية سخية في سياق تركيز الولايات المتحدة على المسار السياسي الموالي لها، وبدعوى إرساء الديمقراطية في البلد العربي الأكبر، فيما كانت الباحة الاقتصادية والاجتماعية تعاني مشكلات هيكلية كبيرة .

نتائج الاستطلاع تؤكد المؤكد بأن ليس من يسمع “النشيد الديمقراطي” على جوع . ولا تستقيم ديمقراطية بلا بعد اقتصادي واجتماعي . والديمقراطية هي ممارسة الحرية بمؤسسات دستورية ورقابة ومحاسبة وعدالة اجتماعية وحكم القانون .

سبق شباب مصر نتائج الاستطلاع الأمريكي . وقالوا كلمتهم فكان سقوط الحكم . تغيير النظام لم يحصل بعد، الأمر رهن بتعديلات دستورية وانتخابات نزيهة لإعادة بناء المؤسسات الدستورية والديمقراطية الناظمة للحرية . تفكيك دوائر النفوذ المالي والفساد ذات الباع الطويل في القطاع الخاص المصري مسيرة طويلة ومضنية، تحتاج إلى سياسات حكومية موثوقة من الشعب وتحظى بدعمه . الدوائر تلك هي التي أرست ثقافة الفساد، ومسؤولة كما النظام السابق عن ترسيخ هذه الثقافة . وهي التي تتحمل النصيب الكبير من الاختلالات التي شوهت بناء الاقتصاد المصري وعملية الاصلاح وعمّقت سوء توزيع الثروة وهدرت الموارد .


ما يدور من جدل في مصر منذ أيام ويتناول اعتراض جماعة البورصة المصرية وتجار الأسهم خصوصاً، وأصحاب الأعمال عموماً على بند في مشروع الموازنة التي أقرتها الحكومة، ويتعلق بالعبء الضريبي ليس سوى إشارة إلى أن دوائر النفوذ المالي لن تستسلم بسهولة للتوجهات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة التي أنتجها ميدان التحرير .

تم رفع الضريبة على أرباح الشركات التي تزيد على عشرة ملايين جنيه (نحو 65 .1 مليون دولار أمريكي) إلى 25 في المئة من 20 . واستحدثت ضريبة بواقع 10 في المئة على توزيع الأرباح الرأسمالية وعمليات إعادة تقييم الأصول لغاية الدمج والاستحواز . قامت قيامة تجار البورصة ومجلسها بدعوى “الضرر الذي ستخلفه الضريبتان على الاستثمار” . الضريبة الأولى تتسم بالتصاعدية . الخمسة في المئة الاضافية لا تطال الأرباح دون 65 .1 مليون دولار أمريكي سنوياً . أما الثانية فعلى توزيع الأرباح وليس على تحققها فحسب . ونعلم أن أرباح الأسهم، وفي الدرجة الأولى تلك الناتجة من إعادة التقييم للبيع هي ذات طابع تضخمي . فأين المشكلة في الضريبتين بحصة للموازنة العامة وفيها تعديلات في بنية الأجور واعتمادات للنظامين الصحي والتعليمي ودعم الرغيف والسلع الغذائية الرئيسية؟ وزير المالية المصري سمير رضوان يقول إن مصر تعاني 12 مليار دولار أمريكي فجوة مالية حتى نهاية 2012 . مشروع قانون الموازنة المصرية يحتاج إلى إقرار من المجلس العسكري . ينقل عن رئيس المجلس الفريق حسين طنطاوي انتقاده الشديد للسياسة الاقتصادية السابقة . للعلم فقط، تمتلك القوات المسلحة المصرية حصة كبيرة في الاقتصاد من خلال صناعات عسكرية ومدنية . هذا لا يكفي لجبه الوضع المالي الحرج في المرحلة الانتقالية . قرار المجلس من الموازنة بالغ الدلالة، حيال موقفه من توجهات المرحلة الجديدة في مصر اقتصادياً واجتماعياً، التي تمثل اولوية 81 في المئة من المصريين .


*عن صحيفة"الخليج"الاماراتية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل