العمال والثورات..سعد زغلول حل اتحادهم وعبد الناصر أعدمهم وشرف حرمهم من الاضراب!

ربما يبدو ما تم من قمع للعمال واعتقالهم وتجريم حق الإضراب وتطبيق قوانين مكافحة الإرهاب على العمال المضربين مناقضا لما أنجزته الثورة من إطلاق لحرية الرأ ي والتعبير والتنظيم. فالحكومة التي تقول أنها تسمح بما لم يسمح به النظام المخلوع تفض اعتصامات العمال بالقوة وتصدر القاونين التيى تعاقب العمال على حق انتزعوه من نظام مبارك والأنظمة التالية وأقر في الدستور والقوانين والاتفاقيات الدولية. ولكن المتأمل في تناريخ مصر يرى أن هذا التناقض أقدم كثيرا من ثورة يناير وما تلاها.

لقد شهدت مصر ثلاثة أحداث ضخمة حولت مسارها على مدى ما يقرب من قرن. أولها ثورة 1919 ثم ثورة 1952 ثم ثورة يناير. الثورات الثلاثة تختلف في الكثير ولكنها تتشابه في أنها غيرت مسار مصر مجتمعا ونظاما. ولكنها تتفق أيضا في أمر آخر. فحكومة الوفد التي تشكلت بعد الثورة في 1923 قامت بحل اتحاد العمال في 1924 ومجلس قيادة الثورة قام بفض اعتصام عمال كفر الدوار السلمي بالعنف الوحشي وأحال العمال للمحاكمة العسكرية وأعدم العاملين مصطفى خميس ومحمد البقري أما حكومة شضرف التي تولت بعد ثورة يناير بتأييد شعبي فقد أصدرت قانونا يجرم حق الإضراب واعتقلت العمال المعتصمين وحبستهم. الأكثر إثارة أن ثورة 1919 حظيت بتأييد واسع من الحركة العمالية وشارك عمال التروماي والنقل والمياه والكهرباء وغيرها بقوة في الثورة. كذلك كانت الحركة العمالية سباقة في تاييد حركة الضباط الأحرار بل إن إضراب كفر الدوار نفسه أعلن فيه العمال تأييدهم لحركة الجيش ودعوته لإنصافهم. وفي ثورة يناير كان دور الحركة العمالية حاسما قبل الثورة في الإضرابات الضخمة التي نظمها العمال في كل أنحاء مصر على مدار السنوات الخمس الماضية. أو أثناء الثورة عبر الإضرابات التي نظمها العمال في السويس والقاهرة وغيرها من المحافظات لدعم الثورة. وكانت الأيام الثلاثة الأخيرة قبل تنحي مبارك هي الأقوى في الإضرابات في كل تاريخ مصر وحولت المشهد لإضراب عام شل النظام وأجبره على الرحيل. التأييد والدعم الذي قدمته الحركة العمالية للثورات المتتالية لم يشفع لها ولم يحمها من تعسف وقمع سعد زغلول وعبد الناصر وعصام شرف. ولكن الدرس الأخير الذي يمكن فهمه من هذه الأحداث التاريخية أن سعد زغلول وجمال عبد الناصر قد رحلا وبقيت الحركة العمالية وكذلك سيرحل عصام شرف ويبقى الإضراب مشروع مشروع.