المحتوى الرئيسى

انتماءات مرفوضة في الدعوة

06/10 09:33

بقلم: إسماعيل حامد

إن دعوة الله تشهد في مرحلة ما بعد الثورة، إقبالاً كبيرًا عليها ورغبةً في الانتماء لها، من قبل المحبين لدعوتنا والمحتكين بها عن قرب، والمدركين أنها الدعوة الحق، التي صبرت واحتسبت حتى نالت حريتها، ولكننا بداية نحب أن نؤكد أن الانتماء للدعوة لا يكون بتقديم طلب انتساب وتسجيل اسم، ولا يكون بالتردد على منتديات الجماعة ومراكزها وحضور اجتماعاتها فقط، إنما ينبغي أن يكون لهذا الانتماء أبعاد تتجاوز الحدود الشكلية والاعتبارات المظهرية.

 

ولن نتحدث هنا عن معالم الانتماء للدعوة بل نتناول بعض معالم الانتماء الشكلي المرفوض، وهنا نتذكر مقولة سيدنا حذيفة رضي الله عنه "كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني"، ومن هذا الباب أتطرق لهذا الموضوع، برسم ملامح الانتماءات الضيقة والمرفوضة والمنبوذة في العمل الإسلامي والتي يجب أن يتجرد كل صاحب دعوة لدعوته من تلك الانتماءات، وأن يتخلص منها.

 

ولا ننسى أن نذكر أنفسنا بما قاله الله عز وجل لصحابة رسول الله وهم خير القرون ﴿مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾ (آل عمران: من الآية 152)، فلا بد من الانتباه لمداخل الأهواء إلى النفوس، حتى لا تحكمنا الأهواء في انتماءاتنا الدعوية، وهذه بعض صور الانتماء الشكلي المرفوضة في دعوتنا.

 

الانتماء الشخصي

وهو الانتماء المعهود في التكتلات الزعامية، التي تعتمد على زعامات وشخصيات بعينها، ترتبط بها وتنتمي بسبب تواجدها على الساحة، وربما يصل هذا الانتماء إلى ربط المصير بالمصير، وهو انتماء يعد جرثومة فناء الدعوة واندثارها، لأنه انتماء هش يتأثر بعوامل عدة ترتبط بالشخص، ومن ذلك: (التأثر بموت هذا الزعيم أو تلك الشخصية التي ارتبط بها- التأثر بزوال تلك الشخصية أو غيابها عن مسرح الدعوة لسبب أو لآخر)، مما يعني زوال الانتماء بموت تلك الشخصية، أو انسحابها من العمل، أو تركها الدعوة.

 

وهنا تحضرني مقولة سيدنا أبي بكر الصديق بعد وفاة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم "من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت"، فقد ركز على قضية الانتماء الحقيقي لهذا الدين وهذه الدعوة، وأثبت لنا أنه لا ارتباط بالأشخاص ولو كان محمدًا صلى الله عليه وسلم، ويعلمنا أن نجعل ارتباط الأفراد بالله، واجتماعهم عليه سبحانه وتعالى، وهذا هو سر خلود هذه الدعوة وبقائها واستمرارها، فلا يجب على أصحاب الدعوات أن يجعلوا ارتباطهم بشخص ما، مهما كانت درجته التنظيمية، أو ملكاته وقدراته وخبراته، لأننا لا نأمن على حي من فتنة.

 

ولقد كانت عظمة هذه الدعوة في عدم ارتباطها بشخص ما مع احترامنا وتقديرنا له، ولو كان مرشدًا عامًّا أو عضو مكتب إرشاد أو عضو مجلس شورى، بل هو ارتباط أفكار ومبادئ وقيم.

 

الانتماء العاطفي

وهو الانتماء الذي يتم بشكل عاطفي وتتعلق فيه القلوب وتندفع فيه النفوس بعدما رأت شيئًا أثار العاطفة فيها، نتيجة مظهر ما أو نشاط ما أو حادثة ما، فتأثرت القلوب وثارت العاطفة، قد يكون ذلك الأمر مطلوبًا في مرحلة أولية ونحن نقدم الدعوة فنخاطف القلوب، والعواطف والمشاعر والأحاسيس، ولكننا مطالبون بعد ذلك أن نحول الانتماء من مجرد عواطف جياشة، ومشاعر ملتهبة إلى يقين قلبي، وإدراك عقلي وعملي حركي، لأن الإسلام منهج حياة.

 

ولأن العمل للإسلام يهدف إلى تحقيق هذا المنهج في المجتمع، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال التزام وانتماء حقيقي لا عاطفي، انتماء عقائدي وحركي والتزام عملي، فإن الثبات على الدعوة والبقاء في مسيرتها والعمل لها والبذل في سبيلها لا يكون بالعاطفة ولا بالانتماء العفوي فقط، فإن أكثر الذين يتساقطون على الطريق والذين يتركون المسيرة بسرعة هم ممن ساروا بعفوية واندفعوا بعاطفية- تحت ظرف من الظروف- ولم يدركوا أبعاد الطريق ولا ضريبة الانتماء له، فلا مكان في دعوتنا لانتماء عفوي أو عاطفي، بل هو الانتماء والارتباط بالقلب والروح والعقل والجسد.

 

الانتماء المصلحي

وهو الانتماء الذي يتوسل به الناس لتحقيق بعض أغراضهم ومصالحهم الشخصية، ويتذرعون به للوصول إلى مآرب خاصة مادية واجتماعية، وهنا يذكرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم بخطورة الأمر بقوله "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".

 

فلا مكان في دعوتنا لأصحاب الانتماء النفعي، ولا لأصحاب الأغراض الشخصية والمنافع الذاتية والمطامع الدنيوية، ولذلك فإن الانتماء للدعوة يعني تجنيد طاقة الفرد لخدمة الجماعة، ويعني إخضاع مصالح الفرد لمصلحة الدعوة وليس العكس.

 

وقد حذرنا الإمام البنا من الشخص النفعي في دعوتنا فقال عنه بأنه "شخص لا يريد أن يبذل معونته إلا إذا عرف ما يعود عليه من فائدة وما يجره هذا البذل له من مغنم فنقول له: حنانيك ليس عندنا من جزاء إلا ثواب الله إن أخلصت"، وقد بين لنا معنى الإخلاص "أن يقصد الأخ المسلم بقوله وعمله وجهاده كله وجه الله، وابتغاء مرضاته وحسن مثوبته من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر، وبذلك يكون جندي فكرة وعقيدة، لا جندي غرض ومنفعة"، فعلى كل أخ أن يراجع نياته دائمًا في عمله داخل الجماعة، وأن يسأل نفسه هل يبحث عن منصب أو مغنم أو منفعة، أم هو وقف لله من خلال هذه الدعوة.

الانتماء المرحلي

وهو الانتماء الوقتي الذي يرتبط فيه الفرد بالدعوة في مرحلة ما أو ظرف ما، وبمجرد انتهاء هذه المرحلة أو هذا الظرف يفارق الدعوة، ونلحظ ذلك فيمن ينتمون للدعوة أثناء دراستهم وكونهم طلابًا، فإذا أنهوا دراستهم ودخلوا معترك الحياة انشغلوا بها عن الدعوة أو فارقوها نهائيًّا، أو من ينتمي للدعوة وهو في مرحلة العزوبة فإذا دخل مرحلة الزواج هجر الدعوة وانصرف عنها، أو من ينتمي للدعوة في مرحلة النكرة فإذا أصبح معروفًا بين الناس وأصبح له إطار شخصي ومجد ذاتي تنكر لدعوته ونسي فضلها عليه، أو من ينتمي لها في حالة اليسر والانفراجة، فإذا جاءت حالة العسر والتضييق عليها تركها مؤثرًا السلامة لنفسه وبيته وأولاده، بل لا بد أن يدرك الأخ أن الانتماء للدعوة انتماء مصير، بمعنى أن يرتبط مصير الأخ بمصير الجماعة كائنًا ما كانت الظروف، فلا يكون انتماء مرحلة ينتهي بانتهائها، أو انتماء ظرف ينتهي بزواله، إنما هو انتماء مؤبد لا انفكاك فيه أو نكوث عنه أو هروب منه حتى يلقى الأخ ربه وهو على ذلك.

 

وقد حذرنا القرآن من هذا النمط في الانتماء للدعوة ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11)﴾ (العنكبوت)، وقوله ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)﴾ (الحج).

 

ختامًا..

إن المرحلة الجديدة التي تمر بها الدعوة اليوم تتطلب منا أن نعلن "إن دعوة الإخوان لا تقبل الشركة إذ إن طبيعتها الوحدة فمن استعد لذلك فقد عاش بها وعاشت به، ومن ضعف عن هذا العبء فسيحرم ثواب المجاهدين ويكون مع المخلفين، ويقعد مع القاعدين، ويستبدل الله لدعوته به قومًا آخرين ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (المائدة: من الآية 54).

 

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل