المحتوى الرئيسى

دقات نقص المرء قاتلة له

06/10 03:37

المناظرة ببساطة هي فن الجواب المُسكت، وليس شرطا أن يجيدها الحاذق في علم أو فن لأنه قد تلزم منها خصال ذميمة من الكر والفر وإحراج الخصم وتوريطه.

 

ولما أثارت تقديرية القمني دهشة الجميع كان الأخ الكريم الشيخ خالد عبد الله ممن تناولوا ما في كتب القمني من مزالق عن طريق برنامجه الذي استضاف فيه الشيخ الحويني والباحث منصور أبو شافعي ود.حسام عقل وغيرهم. وأخطأ الشيخ خالد عندما قرأ على الحويني شيئا من كتاب للقمني على أنه رواية. هنا نقدته أشد ما يكون النقد لأن الأمر حينئذ لا يحتمل ثقافة عن، والواجب أن تتحلى بثقافة في، وأن تقرأ للخصم جيدا قبل أن تتحدث معه أو عنه.

الشاهد أن نقدي كنت كتبته في موقع غير مشهور، ولست ممن يعنيهم في كثير أو قليل أن يكونوا مشهورين، لأني والله يشهد أكتب لنفسي. لكني فوجئت في مساء هذا اليوم برسالة على بريدي الإلكتروني تقطر أدبا ورقة وتواضعا من الشيخ خالد يناقشني فيما قلت، والغريب أنه وافقني وأقر بالخطأ والأغرب أنه طلب رقم هاتفي ودعاني مشكورا لأكون ضيفا في برنامجه، وهو ما حدث وكانت آخر مرة مشروع حوار معي لمدة ساعة كاملة.

من يومها وصرت أسيرا لأخلاق هذا الرجل الرفيعة التي لم أكن أتوقع أن تكون بهذا السمو خاصة وأني أراه كثيرا في الفضائيات غاضبا وكثيرا ما يتحدث بحماس يحسبه الجاهلون من أمثالي تعديا وتعصبا. من يومها وصار الشيخ خالد أخي وصديقي وهذا شرف كبير لي.

ومرة فكرت في أن أراسل جريدة الحياة، ولأني أقرأ كثير للأستاذ جهاد الخازن راسلته ولم أصدق أنه سيرد. رد الرجل برسالة بدأها بــ: أخي محمود وكانت آية في اللطف والتواضع، واعتذر عن تأخره في الرد لكونه دائم السفر، وقال إنه ليس رئيس التحرير المسؤول وإنما المسؤول هو الأستاذ غسان شربل وأعطاني بريده وسجل إعجابه بمقالاتي وبعدها بأيام راسلني يطمئن إذا ما كنت قد راسلت شربل أم لا وبماذا رد.

وفي إحدى المرات كنت في ندوة لإسلام أونلاين عن الإعلام التنموي رأيت فيها حفاوة بالغة بشخصيات علمانية ربما تميل إلى كراهية الفكرة الإسلامية أصلا مع ما لذ وطاب من أصناف فاخرة من الطعام والشراب والتصوير وكأننا في مهرجان كبير خرجت منه بصداع مهلك. ولم أسمع في هذه الندوة أي شيء أفهمه، والأهم أن الفكرة الدينية لم تطرح لا من قريب ولا من بعيد بل ولا حتى ذكرها أحد بوصفها مرجعية للموقع. وعلم الله أني اجتهدت وعصرت الذهن حتى يمسك عقلي بشيء من هذا الكلام السمين من نوع الأبستمولوجيا والحوكمة واللوائح التنموية لكن عزائي أني تناولت مشروبي المفضل وسط هذا الكم من الطعام والشراب، وطبعا المشروب كالعادة لأني فقري هو الشاي الذي أتناوله كلما أردت النوم!

لم يكن هذا غريبا على إسلام أونلاين التي كانت تتابع مهرجانات السينما وتنشر أشياء عجيبة تدعم فيها الوجهة الأمريكية والرؤية العلمانية، وحسب كلام شهود من داخلها أعرفهم شخصيا كانت مخترقة من أمن الدولة الذي كان يتابع سيل التبرعات بملايين الدولارات إليها. المهم قلت لنفسي وقد كاد النوم يزحف إلي بعدما شربت الشاي اذهب يا حودة إلى د. هشام جعفر رئيس التحرير وقل له إنك كاتب هاو تكتب في مواقع كذا وكذا وصحيفة نهضة مصر، وتريد أن تعرض ما لديك عليه حتى تستفيد من خبرته. ذهبت إليه عله يعطيني تفاحة من هذا الكم الرهيب الملقى بجانبه وعرضت عليه بأدب جم رغبتي في أن أكتب في إسلام أونلاين فنظر إلي الرجل بسعادة غامرة أو هكذا خيل إلي، وشجعني وطلب مني رقم هاتفي المحمول وبياناتي ووعدني بالنشر. تركته شاكرا وانشغل هو مع الضيوف فيما ظللت مراقبا له ممنونا لهذه الأخلاق النبيلة والتواضع الجميل وإذ فجأة يفتح ورقتي ويرمقها شزْرا ثم يرميها في القمامة!

ولي صديق مجتهد أعلى ثقافة بكثير من كثير من الكتبة الصحفيين الذين لا يحسنون الكتابة بدون أخطاء نحوية وإملائية يذكرني بقول الشاعر: وكم في الخدر أبهى من عروس ولكن للعروس الدهر ساعد. يحب صديقي مراسلة بريد الأهرام وكان يشكو لي بمرارة شديدة في كل مرة يراسل المسؤول وهو الأخ الأستاذ أحمد البري كيف أن البري إذا وجد صديقي وقد وقع اسمه بفلان الفلاني من جامعة الأزهر يصر على ألا ينشر له، ولما تصادف أن خرج صديقي في بعثة لتسعة أشهر ضمن برنامج فولبرايت إلى جامعة ولاية نيويورك كانت كتابته كلمة نيويورك بجانب اسمه ضمانة أكيدة أن ينشر له البري في التو واللحظة ولذا كان يقول لي وهو حزين: لم لا تراسل البري؟ وكنت أجيبه: لأن لون عيوني وشعري هو الأسود، ولأني مصري ولو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا بالخارج، وتحديدا في نيويورك.

[email protected]

 

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل