المحتوى الرئيسى

علي بريشة يكتب: حق التظاهر بعيدا عن تسطيح التوك توك شو

06/09 18:19

في برامج التوك توك شو التليفزيونية التي تزدحم بها فضائياتنا .. يجرى دائما الحديث والخلط الساذج بين ثلاث مصطلحات مختلفة تماما يتعامل معها رواد التوك توك شو ومقدميها بسطحية شديدة .. فهم يتحدثون عن التظاهر والإعتصام والإضراب كأنهم شئ واحد .. ويمنحون لأنفسهم الحق في مناقشة مشروعية أو عدم مشروعية هذه الممارسات بشكل مطلق رغم أنها حقوق أساسية وشرعية ليست منحة من الحكومات أو السادة رواد الفضائيات وليست مجالا للحديث عنها بالإباحة أو المنع ..

أولا التظاهر هو حق (مطلق) وأشدد على كلمة (مطلق) من حقوق الإنسان لا يجوز أن تقييده بأي صورة أو قانون وهو يتضمن حرية التجمع وحرية الكلام وحرية التعبير وهي من الحريات التي وافقت عليها جميع دول العالم في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبالتالي لا تستطيع أي دولة أن تصدر تشريعات تصادر هذه الحقوق .. القيد الوحيد الذي يفرض على حق التظاهر هو أن يتم هذا التظاهر في مكان عام بحيث لا يتعدى هذا الحق على حقوق الملكية الشخصية فلا يجوز مثلا أن يتم الدعوة للتظاهر في مكان مملوك لشخص أو جهة .. أما الوجود في مكان عام سواء شارع أو ساحة أو ميدان أو حديقة فهذا حق طبيعي لأي شخص فإذا ترافق وجود هذا شخص مع عشرات أو آلاف أو ملايين فإن هذا لا يحرم كل واحد من هؤلاء من حقه الشخصي المطلق في الوجود في هذا المكان العام ..

وهنا طبعا يتبادر إلى الذهن تساؤل حول الدور الذي يلعبه إطلاق حرية التظاهر في تعطيل المرور أو التعدي على حقوق آخرين .. في الواقع فإن هذه النقطة لها علاقة بدرجة الوعي الجمعي للشعب ولا علاقة لها بالقانون .. فالقانون يقف مكتوف الأيدي أمام الطرفين ولا يستطيع أن ينحاز إلى طرف ضد طرف .. فالأصل في التظاهر أنه محاولة من المتظاهرين للتعبير عن رأي معين وتعريف الآخرين بقضية ما وإجتذابهم إلى هذه القضية ولذلك ليس من مصلحتهم أن يقوموا باستعداء هؤلاء الآخرين بتعطيل مصالحهم ولذلك فمن مصلحة المتظاهرين أنفسهم ألا يتسبب تظاهرهم في تعطيل المرور أو قطع الطريق إلا إذا كان ذلك التعطيل حتميا بسبب كثافة أعداد المشاركين في المظاهرة وفي هذه الحالة يصبح السؤال الأهم هو : "كيف إجتمعت إرادة مئات الآلاف حول مطلب معين" وليس "هل يعطل هؤلاء المتظاهرون المرور أم لا".

ثانيا : الإعتصام حق آخر لا يمكن تقييده طالما أنه تظاهره مستمرة بمعنى أن تتفق إرادة المتظاهرين على البقاء في نفس المكان العام بشكل مستمر حتى تتحقق مطالبهم .. وهو أمر مشروع طالما أنه يتم في مكان عام وطالما أن هذا الإعتصام لا ترافقه مظاهر أخرى مجرمة قانونا في ذاتها.

أما الإضراب فهو من الحقوق العمالية التي ترتبط بالمطالب الفئوية الخاصة بالعلاقة بين العامل وصاحب العمل ، فهو في جوهره البسيط : "الإمتناع عن العمل لفترة من الزمن" وهو يختلف عن حق التظاهر أو الإعتصام ولذلك فهناك العديد من الضوابط التي تحكمه .. منها مثلا أن الإضراب يجب أن يتم الإعلان عنه مسبقا .. ومنها أنه  لا يجوز أن يتم القيام به بشكل فردي وإنما يجب أن تقوم بتنظيمه جهة تمثل العمال المضربين مثل نقابة أو إتحاد .. وتكون مهمة هذه الجهة تقديم المطالب والتفاوض من أجل تحقيقها ويفترض أن يكون الإضراب هو المرحلة التصعيدية الأخيرة التي يسبقها مراحل طويلة من المفاوضات عبر القنوات القانونية والشرعية التي تحكم علاقة العامل بالجهة التي يعمل بها .. ومن المهم جدا أن ندرك أن الإضراب لا يكون جريمة جنائية في حد ذاته فحتى لو تعسفت جهة العمل أو تعسف العمال بحيث تصل المفاوضات إلى طريق مسدود فإن أقصى ما يمكن أن يحدث للعامل هو الطرد من وظيفته أو توقيع الجزاءات القانونية بالخصم من مرتبه أو تخفيض درجته وليس سجنه مثلا .. يعني ببساطة وبالبلدي كده : "عامل يرفض أن يعمل بالشروط أو بالقوانين التي يفرضها عليه صاحب العمل فإما أن يتفق الطرفان على تغيير الشروط وإما أن كل منهما يذهب إلى حال سبيله .. " .. والمفترض أن الوصول لهذه النقطة النهائية سيكون مستبعدا لأن كلا من العامل وصاحب العمل له مصلحة مباشرة في ألا يصلا لطريق مسدود".

ومن المهم أن نفهم ونعي جيدا أن الأصل في إباحة كل هذه الأشكال الإحتجاجية هو أن تكون سلمية وألا تترافق مع أي صورة أخرى من العنف أو خرق القانون أو التعدي على الأشخاص والممتلكات.

أما علاقة هذه الاشكال الإحتجاجية بما يسمى "عجلة الإنتاج" فهو أمر غير وارد على الأطلاق من الناحية القانونية في أي دولة من دول العالم الحر .. والأهم من حديث الطرشان الذي يدور في برامج التوك توك شو للتعليق على التظاهرات بطريقة : " وهما عايزين إيه " " وكده بيعطلوا عجلة الإنتاج " و" الحكاية كده هتبقى فوضى" .. كل هذا الكلام الساذج يعتبر أن "عجلة الإنتاج" هي ملك لصاحب العمل أو للدولة أو للشعب فقط بينما هي ملكية مشتركة بين أطراف مشتركة لتحقق مصلحة جميع هذه الأطراف وإذا إعتبر أحد هذه الأطراف أن حقه منتقص فمن حقه أو يتوقف عن هذه الشراكة .. فالعامل ليس عبدا رقيقا مجبر على أن يعمل في أي حال وإلا أصبح متهما بتوقيف عجلة الإنتاج .. ومن حقه أن يتوقف عن العمل كما أن من حق صاحب العمل أن يسحب أمواله ويغلق مكان العمل نفسه إذا وجد أن هذا العمل لن يحقق له الأرباح المرجوة.

الأفضل من كل هذه التعليقات أن يتم بث الوعي بين الناس وتعريفهم بمعنى حقوق التظاهر والفروق القانونية والعملية بين التظاهر والإعتصام والإضراب .. والأهم من ذلك أيضا أن يتم بث الوعي أن كل هذه الممارسات ليست غاية في حد ذاتها .. وإنما هي وسيلة من ضمن وسائل كثيرة للتعبير والضغط الشعبي والحصول على الحقوق وبالتالي فمن المهم أن يتم تفعيل الوسائل الأخرى من خلال الحوار الوطني بين القوى السياسية والأحزاب والإعلام لأن الوصول لإنهاء التظاهرات أو الإعتصامات أو الإضرابات لا يكون عبر منعها بالقوة المتعسفة للقانون وإنما بتجفيف روافد الظلم الإجتماعي أو التسفيه الإعلامي أو "الطناش" الرسمي لأوجاع الناس.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل