جلَّ مَن لا يسهو

بقلم: د. علاء الدين عباس في كل مرة تغسل زوجتي الملابس أنبه عليها أن تتأكد من خلو الجيوب من الأوراق أو المتعلقات، ولا بأس أن تمارس دور الزوجات المعتاد في تفتيش الزوج وتقليبه، ولكنها دائمًا ما تصرُّ على جمع الملابس وإلقائها في الغسالة دفعةً واحدة.. وآخر مرة نسيت عشرة ريالات بجيب القميص فقامت مشكورةً بغسله وإرساله للمكوجي، والذي أعاد لنا الملابس مكويةً وبداخلها الريالات العشرة لم يمسسها سوء.   شكوت مرةً لأحد الإخوة هذا النسيان الذي ينتابني، وكيف أنني وقد بلغت هذا العمر ما زلتُ أعاني من قلةِ التركيز في موضوع النقود، وعبثًا حاولت معرفة كم معي منها، وكثيرًا ما كنت أبدل ثيابي تاركًا بها النقود وأخرجُ من بيتي خالي الوفاض صفر اليدين.   وكان صديقي يضحك مني قائلاً: لا تسريبَ عليك لقد نسيت مرةً عشرة آلاف ريال في الجيب الداخلي لأحد البدل وبقيت عدة أشهر.. فقلتُ ما شاء الله ربنا يوسع عليك.. هذا دلالة غنى ويسار.. فعندما تنسى مثل هذا المبلغ ولا تلتفت له فهذا يعني أن دخلك ولله الحمد كبير.. اللهم لا حسدَ.   وقضيتُ فترة أتندر بصديقي هذا (ربنا يكرمه ويوسع عليه) والذي ينسى في زحمة الأحداث آلاف الريالات هنا أو هناك، ولكنني اكتشفتُ أمس كم كنا على قد الحال، وربما تحت خط الفقر؛ وذلك عندما قرأتُ آخر التحقيقات مع وزير الإسكان الأسبق إبراهيم سليمان عندما واجهه جهاز الكسب غير المشروع بالتحريات التي أكدت أن له رصيدًا في أحد بنوك الخارج يُقدَّر بثلاثين مليونًا من الجنيهات، وأنه يمتلك أيضًا شقةً في أرقى ضواحي باريس، فهزَّ الرجل رأسه علامة الإيجاب قائلاً: آه.. صحيح عندي هذا الرصيد، وتلك الشقة فسأله المحقق: ولماذا لم تذكر هذا أثناء التحقيق معك منذ أسبوعين؟ فقال ببساطة: أبدًا كنت ناسي هذا المبلغ.. ما شاء الله فكم يملك إذا هذا الوزير المحظوظ، والذي ينسي في زحمة الأحداث بعض الفكة، والتي تُقدَّر بثلاثين مليونًا وشقةً بباريس.   لقد شاعت بين المصريين نكتة أثناء إيداع أحمد عز وجرانة والمغربي السجن؛ حيث كان أحمد عز يسأل جرانة ألاقي معاك فكة مليار دولار؟ فيسأله: ليه؟ فيقول: أبدأ أريد شراء شوية حاجات من السوبر ماركت!!   المهم لم يعد نسياني لبضع ريالات يؤرقني بعد ذلك، وجلَّ مَن لا يسهو ولكن يبقي السؤال: هل السادة الوزراء والمسئولون السابقون بسجن طره سيذكرون كم مليونًا منسية بجيوبهم قبل أن تغسل المدام ملابسهم؟