المحتوى الرئيسى

بهاء نعمة الله : هل يسير الإخوان على طريق الرفاه؟

06/09 13:57

يردد العديد من القيادات الإخوانية في مصر بطريقة أو أخرى أن الإخوان المسلمين في مصر يستلهمون في تجربتهم السياسية النموذج التركي لحزب “العدالة والتنمية” ذي الخلفية الإسلامية، وأن حزب “الحرية والعدالة” المنبثق عن جماعة الإخوان يمكن أن يكون الطبعة المصرية من حزب العدالة والتنمية التركي، وهو تبسيط أعتقد أنه مخل إلى حد كبير وربما يتجاهل خلفية الحزبين وظروف نشأتهما.وأعتقد أن تصريحات قيادات الإخوان عن “استلهام” النموذج التركي المتمثل في حزب العدالة والتنمية ليست في الغالب أكثر من رسالة طمأنة للداخل والخارج الذي يربط دائما بين فكرة حكم الإسلاميين ونماذج لتطبيق بعض أحكام الشريعة الإسلامية في بعض البلدان، عليها الكثير من المآخذ من المجتمع الدولي ومن الإسلاميين أنفسهم، مثل إيران أو السودان أو السعودية.لكن ثمة مفارقة في أن النموذج التركي الذي تشير إليه قيادات إخوانية لنجاح حزب العدالة التنمية ذي الخلفية الإسلامية، في إدارة بلد معقد مثل تركيا (أو مصر)، هو في الحقيقة نموذج منشق عن الحزب الأقرب لفكر الإخوان المسلمين وهو حزب الرفاه، في حين أن حزب السعادة، الذي يعد الامتداد الطبيعي لتيار الرفاه، لا يكاد يكون له وجود على الساحة السياسية، اللهم إلا في رئاسة بعض البلديات.فما هو حزب الرفاه؟ وما هو حزب العدالة والتنمية؟ وكيف وصلا إلى مفترق الطرق؟يعد حزب الرفاه واحدا من بين سلسلة من الأحزاب الإسلامية التي أسسها البروفيسور والمهندس والسياسي البارز نجم الدين أربكان منذ مطلع سبعينيات القرن العشرين، لكن حزب الرفاه حظي بالشهرة الأكبر لأنه كان أول حزب إسلامي يصل إلى السلطة منذ تأسيس تركيا العلمانية على أيدي مصطفى كمال أتاتورك في أعقاب سقوط الخلافة الإسلامية.فقد حقق حزب الرفاه المركز الأول في الانتخابات البرلمانية عام 1995، حيث حصد 21.4 بالمائة من الأصوات، تلاه في المركز الثاني حزب الطريق القويم بزعامة تانسو تشيلر، ثم حزب “الوطن الأم” بزعامة مسعود يِلماظ في المركز الثالث. واستطاع أربكان وتشيلر تشكيل ائتلاف حاكم، وأصبح أربكان رئيسا للوزراء عام 1996.لكن خطابات أربكان خلال حملته الانتخابية وبُعيد توليه رئاسة الوزراء حملت قدرا من القوة والاندفاع أخاف كثيرين في بلد اعتاد نمطا من العلمانية المتطرفة طوال سبعة عقود. كما أطلق أربكان العديد من التصريحات التي امتدح فيها إيران في مواجهتها للغرب، وتعهد بإخراج تركيا من حلف شمال الأطلسي (الناتو) وإنشاء “ناتو” إسلامي، وأمم متحدة إسلامية،  ونسخة إسلامية من الاتحاد الأوروبي، وعُملة إسلامية، وهي مواقف يمكن اعتبار بعضها دعائيا أكثر من كونه مبنيا على سياسة أو رؤية سياسية.(يمكن مقارنة هذه المواقف والتصريحات وما أحدثته من ردود أفعال ببعض تصريحات قيادات إخوانية بعد الثورة، اتسمت بقدر من الاندفاع والخطابية وربما تكون أضرت أكثر مما نفعت).يقول الباحث التركي دكتور محمد جتين تعليقا على تصريحات أربكان في تلك الفترة: “حملت هذه الخطابات قدرا من القوة تشير إلى أنها إشارات سياسية أكثر من كونها سياسات، كما أنها لم تكن قادرة على اجتذاب دعم واسع في البلاد، بل هيمنت مواقف مشابهة أو ربما أكثر إثارة قام بها نواب وعمد المدن عن حزب الرفاه على عناوين الأخبار”.وأذكر أنني كنت في بداية المرحلة الجامعية عام 1995 عندما فاز الرفاه في الانتخابات، وكانت تستهوينا تصريحات أربكان الحماسية عن عزمه صك “دينار إسلامي”، واحتفالات الرفاه بذكرى فتح القسطنطينية، وسعيه لتشكيل تجمع من الدول الإسلامية الكبرى أطلق عليه مجموعة الثماني الإسلامية، يضم تركيا وإيران ومصر وإندونيسيا وباكستان وماليزيا وبنجلاديش ونيجيريا.ويضيف جتين: “لقد منح النجاح الانتخابي لحزب الرفاه إمكانية الوصول إلى مزايا (ومسؤوليات) السلطة كما لم يحدث من قبل، لكن الحزب أخفق في استخدام كل هذا في خدمة البلاد”.ومن المفارقة أن حكومة أربكان لم تسقط بسبب أدائها الاقتصادي والسياسي المتواضع، لكنها سقطت بسبب أحد هذه المواقف الخطابية المندفعة. فقد استضاف عمدة مدينة سنجان التركية، وكان من حزب الرفاه، مهرجانا باسم “يوم القدس”، ألقى فيه السفير الإيراني خطابا حماسيا، وهتف فيه أنصار الرفاه بهتافات معادية للصهيونية، ورفع فيه الزائرون الفلسطينيون ملصقات مناهضة لإسرائيل.وكان هذا كفيلا بتحرك الجيش ودخوله بالدبابات إلى مدينة سنجان في فبراير 1997، في انقلاب أبيض، شهد تخيير قادة الجيش لأربكان بين تنفيذ الإجراءات التي اقترحوها أو تشكيل حكومة بديلة تقوم بهذا. وقد أُجبر أربكان على التوقيع على خطة من 18 نقطة للحد من تأثير الإسلام في تركيا، فيما عرف بقرارات 28 فبراير التي أظهرت مدى سيادة الجيش على الحياة السياسية. وفي نهاية المطاف استقال أربكان في يونيو 1997 من منصبه.ويقول جتين، في أطروحته للدكتوراه عن حركة الزعيم التركي فتح الله كولن “رغم كل إنجازاته على مستوى البلديات، لم يكن حزب الرفاه أفضل من الأحزاب الأخرى في إيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية والسياسية الرئيسية في تركيا، لكنه أدى بدلا من ذلك إلى تفاقم هذه المشكلات”.وتجدر الإشارة أيضا إلى أن مهرجانات حماسية سابقة قام بها أنصار أربكان في قونية عام 1980 كانت من بين أسباب الانقلاب العسكري الذي قام به الجيش في سبتمبر 1980، واستولى فيه على السلطة، وهو انقلاب محل تحقيق قضائي حالي في تركيا.وفي عام 1998 أصدرت المحكمة الدستورية التركية قرارا بإغلاق حزب الرفاه، مبررة ذلك بأن الحزب قام بإجراءات “مناقضة لمبادئ الجمهورية العلمانية”. وفُرض حظر على تولي ستة من قيادات حزب الرفاه، من بينهم أربكان، أية مناصبَ قيادية سياسية لمدة خمس سنوات، كما تم توجيه اتهامات جنائية لأعضاء في الحزب بانتهاك الدستور. وصدرت أحكامٌ بالسجن بحق عمدِ بلديات سنجان وقيصري وإسطنبول بتهمة “إثارة الكراهية الدينية”، وكان عمدة إسطنبول في ذلك الوقت هو رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء الحالي، وهو في هذا المنصب منذ عام  2003.وفي خلال أسابيع انضم معظم نواب الرفاه إلى حزب جديد هو “حزب الفضيلة”، الذي أصبح بالتالي أكبر حزب في البرلمان، لكنه لقي مصير الرفاه، وتعرض للحظر، فخلفه حزب السعادة، وكانت هذه لحظة فاصلة؛ حيث انشق رجب طيب أردوغان وعبد الله جول وعدد من القيادات، بعد معارضة طويلة داخل الرفاه لزعيمه ومؤسسه نجم الدين أربكان، انتهت بتأسيس حزب العدالة والتنمية عام 2001، فيما ظل حزب السعادة على خطا الرفاه، تقوده زعامات تقليدية محافظة أكثر تأثرا بفكر أستاذهم أربكان.وكانت المفاجأة أن حزب العدالة والتنمية حقق في أول انتخابات له عام 2002 أغلبية ساحقة في البرلمان، في حين لم يحصل حزب السعادة سوى على 2.5 بالمائة من الأصوات، وهي نسبة لم تؤهله لدخول البرلمان، الذي يشترط لدخوله حصول الحزب على عشرة بالمائة على الأقل من الأصوات.هذه، باختصار، مسيرة حزب الرفاه منذ نشأته وحتى اليوم، وهذه تجربته التي “أخفقت” إلى حد كبير، في حين مازالت تجربة حزب العدالة والتنمية تحقق نجاحات سياسية واقتصادية واجتماعية لم يكن أحد يتصورها في تركيا أو خارجها.ويمكن من هذه المسيرة ملاحظة العديد من التشابهات والتباينات المهمة بين تجربة الحركة الإسلامية في تركيا ومصر، والتي يتعين أخذها في الاعتبار إذا أراد حزب الحرية والعدالة أن يكون رقما مهما في المعادلة السياسية المصرية، وليس مجرد ظل أو انعكاس للأداء السياسي لحركة الإخوان المسلمين.وما أريد أن أخلص إليه هو أن وجود حزب ذي خلفية إسلامية، يشهد لقياداته بالنزاهة ونظافة اليد، في السلطة لا يعني بالضرورة نجاحه في إدارة بلد يتسم بتعقيد وتشابك ملفاته الداخلية والخارجية مثل مصر (أو تركيا)، وإلا لكان الرفاه قد نجح في هذا الأمر، أو نجح حزب السعادة، الذي يمثل امتدادا له، فالنوايا الحسنة وحدها لا تكفي، وكذلك المهرجانات والسرادقات.كما ينبغي الانتباه إلى أنه ما لم يطور حزب الحرية والعدالة رؤية وممارسة سياسية متميزة ومستقلة ومنفتحة، بحيث لا يظل حبيس الممارسة السياسية لجماعة الإخوان طوال عقود التضييق الماضية، فلينتظر الجميع انشقاقات على النموذج الأردوغاني، ربما تكون بوادرها قد لاحت بالفعل.—————* صحفي مصريمواضيع ذات صلة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل