المحتوى الرئيسى

حكامنا.. من البيان الأول إلى "رسائل الكهوف"

06/08 21:27

محمد عبيد منذ ألقى "البكباشي" أنور السادات، صباح الثالث والعشرين من يوليو عام 1952 "البيان الأول" لحركة الضباط الأحرار، التي اكتسبت لاحقا اسم "الحركة المباركة" قبل أن تستقر التسمية على "ثورة يوليو"، استشرت عدوى البيانات الثورية لتعم العالم العربي، لتكون هي السمة الأساسية لعقدي الستينات والسبعينات، وامتدت في بعض الحالات للثمانينات من القرن الماضي. كانت الوسيلة واحدة غالبا وبسيطة، والإخراج سهلا لحد السذاجة، مجموعة أو رهط من الضباط، يجتمعون ويلتقون ويخططون للاستيلاء على السلطة، ثم يتحركون على ظهور الدبابات ويستولون على عدد من المؤسسات الحيوية في البلاد، وعلى رأسها دار الإذاعة- وسيلة الإعلام الرئيسية في ذاك الوقت- ليعلنوا عن "ثورة" جاءت لتخليص البلاد والعباد من الاحتلال ومن الظلم والفساد. وكما تتشابه الطريقة، تتشابه الأسباب أيضا، ولكن النتائج قد تختلف في الدرجة ما بين المصيبة والكارثة غالبا، فالانقلابيون "الثوار" يقدمون أنفسهم على أنهم ثاروا وغامروا بأرواحهم من أجل مهمة سامية لرفعة الوطن والعمل على رفع الظلم ومحاربة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الاستعمار وأعوانه. بتلك الشعارات مضت "ثورة يوليو" تنتشر كالنار في هشيم العالم العربي، ساعدها في ذلك التوق الطبيعي للتحرر من الاستعمار لتلك الشعوب التي رزحت طويلا تحت قيد المستعمر الأجبني، لتمتد إلى اليمن، والعراق، وسوريا، والسودان، وليبيا بثورة "الفاتح" العظيم. ومع حماس الجماهير للتخلص من الاستعمار، وآمال بناء دولة جديدة تحقق العدالة والتقدم، وكل الأحلام المؤجلة، وافق الناس طوعا أو كرها على التضحية ببعض أو كل حريتهم من أجل الوطن ووعود التقدم والرخاء والازدهار. تواصلت فورة الحماس وضجيج الجماهير، وشعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، إلى أن وقعت هزيمة يونيو، لتسقط كل أمجاد الثورات العربية الزائفة تحت أقدام جنود "جيش الدفاع".. ورغم قسوة الهزيمة والانكسار، يبدو أن الجماهير رفضت أن تصدق حقيقة ما حدث، ورفضت حتى المراجعة بهدف التصحيح، واستمرت لعبة "الدبابة والميكروفون" تشعل ثورة هنا وتمردا هناك في عالمنا العربي. ورغم التطور الذي شمل كل مجالات الحياة، وتراجع الإذاعة وانزواء دورها، وغرام حكامنا العرب بعدها ببريق الشاشة، ليطلوا على الجمهور بمظهر جديد، ليستعرضوا حللهم ونياشينهم وجيوشهم الكرتونية، لكن دون جديد في المضمون أو السياسة، وظلوا عمليا يأتون للحكم ويمارسوه بعقلية "الدبابة والميكروفون". تراكمت أحلام أمة دامت إحباطاتها وآمالها نصف قرن أو يزيد، وولدت أجيال، ورحلت أخرى، وتغير العالم وانتقل من حرب باردة إلى قطب واحد، تغير كل شيىء عدا غرام حكامنا بالسلطة والشعارات وإدمان الكرسي، بل للمفارقة فإن أكثرهم ثورية، هو بلا منافس أقدمهم بقاء في السلطة، العقيد القذافي، الذي جاء للحكم على ظهر دبابة قبل 42 عاما، ويرفض أن يغادرها قبل أن يقضي على آخر أثر للدولة في ليبيا. شمل التغيير أساليب الحكم والخطاب، وتبدلت السياسات، إلا في رؤوس الحكام العرب، حتى بعد أن ذهب بريق الإذاعة ووهن إغراء الشاشة، وجاءهم جيل الانترنت والفيسبوك، لم يتغيرشيء في تفكيرهم، ولكن تحت ضغوط مطالب التغيير وجدوا أنفسهم مضطرين لتغيير وسيلة التواصل، من الإذاعة والتفلزيون إلى "رسائل الكهف"، والتي كان لصدام حسين فضل السبق فيها، بعد أن أطاحت به قوات التحالف، فلم يجد أمامه وسيلة للتواصل مع شعب ظل يحكمه بالحديد والنار سوى رسائل صوتية يسجلها من مكان مجهول. وكما قلد حكامنا بعضهم في الثورات امتد التقليد إلى وسيلة الخطاب، فبعد صدام وتحت ضغط قصف الناتو ومطالب الثوار في ليبيا، اختبأ "عميد الحكام والثوار" القذافي في ملجئه السري، ومنه بدأ يبثت رسائل التحدي الصوتية لشعب لم تعد تربطه به صلة فعلا، سوي شهوة الانتقام، ومثله فعل علي عبدالله صالح، بعد أن أصابه القصف طمأن شعبه عبر رسالة صوتية. نصف قرن أو يزيد، ضاعت هباء أمام ضجيج الميكروفون وبريق الشاشة، قبل أن تدرك الجماهير الحقيقة وتتحرك نحو مطالبها، ويعود حكام فاشلون إلى حيث يستحقون، إلى "كهوفهم" ليبثوا منها رسائل تبعث على الرثاء لحالهم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل