المحتوى الرئيسى

ثورات نبيلة.. وأفلام وطنية ليست كذلك!

06/08 13:40

"يوتيوب" الهواة ..  يتفوق على خيال المحترفين  بعد الثورة انطلقت أحلامنا في غد أفضل سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وفنياً وحتى الآن لا نزال ننتظر إشراقة الغد!!صعدت السينما المصرية مرتين أثناء انعقاد مهرجان "كان" على السجادة الحمراء واحدة لفيلم "18 يوم" والثانية لفيلم "صرخة نملة".. ارتدى الفنانون الإسموكن والنجمات ملابس السهرة ولوح المصريون للجماهير المحتشدة أمام قاعة لوميير.. لا أتصور أن هناك من أهتم من تلك الجموع الغفيرة بما يحدث حيث لم يقل المذيع الفرنسي على منصة المهرجان شيئاً متعلقاً بالثورة المصرية أو الأفلام المشاركة باسم مصر ولا  حتى استمعنا إلى موسيقى لأغنية وطنية ارتبطت بالثورة المصرية.. الكل لوح بعلامة النصر إلا أنني لا أعتقد أن الآلاف الذين تواجدوا على مقربة من قصر المهرجان لرؤية النجوم العالميين وهم يصعدون السلم قد عثروا على شيء مشترك بين ما يشاهدوه أمامهم والثورة المصرية ربما اعتقدوا أن هؤلاء الصاعدون على السلالم من الجماهير العادية الحريصين على مشاهدة الفيلم الأجنبي الذي كان سيعرض بعدها بدقائق لأن لا الفيلمين المصريين ولا الفيلم التسجيلي التونسي الذي شارك رسمياً في المهرجان في إطار تكريم الثورة التونسية لمعرض أي من الفيلمين في قاعة لوميير الكبرى بل جاءت العروض في صالات أقل اتساعاً.. لم نشعر بأن هناك حفاوة خاصة من الجماهير أمام قصر المهرجان هذا إذا استثنينا بالطبع المصورين والصحفيين العرب الذين يتابعون من قبل عقد "كان" تفاصيل تكريم المهرجان لثورتي مصر وتونس!!إننا بصدد حالة سياسية ولا يمكن اعتبارها أبداً حالة إبداعية.. ضاقت المسافة بين السياسة والإبداع الفني في الدورة الأخيرة من مهرجان "كان" حيث تم اختيار مصر كضيف شرف لأول مرة لأسباب سياسية وتم الاحتفاء بتونس الثورة وليست تونس السينما لنفس الأسباب وذلك لأن الثورات العربية انطلقت من تونس أولاً.. هناك ولا شك مساحة تتسع أو تضيق بين قيمة الحدث الوطني الذي تعيشه البلد وبين أسلوب التعبير عن هذا الحدث ليس بالضرورة أن الأحداث العظيمة في حياة الأمم تخلق مباشرة إبداعاً عظيماً.. في النصف الثاني من فعاليات مهرجان "كان"جاء موعدنا مع الأفلام العربية التي تناولت الثورتين المصرية والتونسية.. عرض الفيلم التسجيلي التونسي الطويل "لا خوف بعد اليوم" لم يحمل الفيلم سوى تكرار ممل لدوافع الثورة العظيمة التي فجرها الشباب التونسي لتتحول إلى ثورات مضيئة تنتقل إلى عالمنا العربي محملة بعطر ثورة الياسمين.. بل إن النداءات التي رأيناها تتكرر في كل الثورات العربية انطلقت أولاً من تونس مثل سلمية والشعب يريد إسقاط النظام وأرحل كما أن أسلوب الشرطة في قهر الناس بالقنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي والضرب والسحل تتكرر.. أكثر من ذلك فإن محاولة الالتفاف التي مارسها بن على ثم مبارك على مطالب الجماهير وأسلوب الاستعطاف الذي لجأ إليه الاثنين في محاولة أخيرة لكسب رضاء الناس كل ذلك رأيناه مع  كل رئيس عربي تهدده الشعوب بالرحيل فيبدأ على الفور في استعطافها وكسب ودها بالتأكيد على أنه تفهم لمطالبها.. الغريب أن الفيلم التونسي التسجيلى الطويل الذي أخرجه "مراد الشيخ" لم يستطع الاقتراب من روح الثورة التونسية النبيلة بل كان بنائه الفني أقرب إلى "ريبورتاج" تليفزيوني وأغلب الأفلام القصيرة المصرية التي اشتركت في تلك الاحتفالية تحت اسم "18يوم" رأيت فيها أيضاً نفس المأزق وهي أنها لم ترقى إلى مستوى الحدث العظيم بل أتصورها لعبت دوراً عكسياً حيث أنها سرقت الكثير من أحاسيس البهجة التي عشناها جميعاً أثناء الثورة!! الاختلاف الوحيد بين ما حدث فى مصر وتونس هو أنهم في تونس لم يعترض أحد على اختيار الفيلم التسجيلي الطويل التونسي للعرض في "كان" بينما في مصر استمعنا إلى العديد من الأصوات الغاضبة التي سبقت عرض الفيلم بأكثر من أسبوعين ووصلت نيران الاحتجاج إلى مهرجان "كان" وكانت ملامح الرفض تبدو على عدد كبير من المخرجين وأيضاً بعض نجوم هذه الأفلام وكان أكثرهم حدة في إعلان رفضه هو "عمرو واكد" الذي شارك في بطولة الفيلم الذي أخرجه "مروان حامد" باسم "19- 19" وأصدر بياناً يشجب فيه هؤلاء المتسلقون ثم بعد ذلك سافر إلى "كان" وقاطع الأمسية السينمائية التي أقيمت للسينما المصرية ورفض تلبية الدعوة للصعود على سلم قاعة لوميير مرتدياً الإسموكن لأن لديه إحساس بأن هناك من قفز على الثورة وأراد تقديم نفسه باعتباره هو الثوري برغم أنهم كانوا الأقرب إلى عهد وزمن وعائلة مبارك بل واستفادوا مادياً وأدبياً من هذا الاقتراب ورغم ذلك فإن المقياس الفني أثناء مشاهدة هذه الأفلام كان بالنسبة لي هو المعيار الأهم ونحيت جانباً في تقييم المواقف السياسية السابقة المؤيدة للنظام البائد لعدد من المشاركين في هذه الأفلام والغريب أن أكثر مخرجين تعرضاً لهجوم مباشر قبل عرض الأفلام  كانا هما "شريف عرفة" و "مروان حامد" لأنهما شاركا في إخراج الأفلام الدعائية لمبارك قبل ترشحه لفترة ولاية خامسة  وقدما رغم ذلك أسوأ فيلمين ضمن الأفلام القصيرة العشرة التي عرضت تحت عنوان "18 يوم".. الفيلم الأول "احتباس" لعرفة لا يحمل أي لمحة أو وهج فني.. يقدم الفيلم مجموعة من المرضى النفسيين تواجدوا في المستشفى كل منهم يعبر عن موقف فكرى مختلف وكأنهم قد صاروا بمثابة بانوراما تتجسد في أنماط بشرية لما يجرى في الحياة خارج حدود هذه الغرفة.. تصل إليهم أحداث الثورة المصرية عن طريق جهاز التليفزيون الذي يقدم لمحات مما كان يجرى فى كل مصر من مظاهرات تريد خلع مبارك حتى تأتى النهاية عند إعلان تنحى مبارك كما أن إدارة المستشفى بعد الثورة تغير من قواعدها في التعامل مع المرضى.. افتقد في هذا الفيلم روح المخرج "شريف عرفه" كما عودنا في أفلامه الطويلة الساخرة جاء فيلمه القصير هذه المرة خالياً من أي نبض فني!!"19-19" للمخرج "مروان حامد" الذي يقدم لحظات من حياة معتقل سياسي من الممكن أن تجد في ملامحه بقايا من كل الأعمال الفنية التي تناولت المعتقلين السياسيين في الأفلام القديمة التي قدمت هذه القضية المزمنة في عالمنا العربي وهى علاقة السلطة بالمواطنين وكيف تقهرهم بسبب وشايات الشك كما أن في شخصية السجين السياسي التي أداها "عمرو واكد" لمحات من "وائل غنيم" الذي قال في أكثر من حوار أن معتقليه حذروه من خلع تلك العصابة السوداء عن عينيه وحرص المخرج على أن يظل "واكد" واضعاً على عينيه تلك العصابة.. الفيلم أيضاً لا يحمل أي جهد إبداعي سواء في التناول الدرامي أو الإخراجي!!في فيلم "داخلي خارجي" للمخرج "يسرى نصر الله" نرى زوجان "آسر ياسين" و"منى زكى" وكيف أن الزوج يرفض أن تشارك زوجته في المظاهرات وينتهي الأمر بأن تذهب رغماً عنه ويشاركها هو في الهتاف ضد مبارك.. أقحم "نصر الله" مشهداً ليسرا تعلن فيه انتمائها للثورة ودفاعها عنها وعن الشهداء ولم أجد سوى أنه مشهداً مقحماً ربما يرضى يسرا التي تريد أن تقدم رسالة تنفى خلالها ارتباطها بالنظام القديم و تؤكد تأييدها للثورة إلا أن هذا المشهد لا يحمل أي قيمة إبداعية وكان من الممكن درامياً أن يحذف!!وهناك أفلام مثل "حظر التجول" لشريف البنداري أراه يبدو معادياً لروح الثورة لأنه يتناول علاقة الجيش والمقاومة الشعبية بالمواطنين.. وقدم المخرج وجهة نظر سلبية لتلك الحالة  لجأ المخرج  إلى أسلوب التكرار لخلق الضحك لكنه أخفق في تحقيق ذلك.. فيلم "لما يجيلك الطوفان" لمحمد على قدم الوجه السلبي لمن يشارك في المظاهرات أمامنا مواطن مستعد أن يرفع صورة مبارك لو أنه يبيع بها العلم المصري ومستعد أيضاً أن يرفع صورة الثورة على العلم لو أنه يبيع بالثورة وبرغم كونها حالة حقيقية شاهدناها جميعاً إلا أن التوقيت أراه خاطئاً فلا ينبغي ونحن نحتفل بالثورة في أول تظاهرة أن نقدم هذا الوجه على الأقل الآن.. فيلم "شباك" لأحمد عبد الله يمر وكأن شيئاً أو فيلماً لم يكن!!ويبقى لدينا أربعة أفلام حملت قدراً من الإبداع مثل "كعك التحرير" إخراج "خالد مرعى" وبطولة "أحمد حلمي" الذي يؤدى دور ترزي يخشى أن يغادر دكانه خوفاً على نفسه من المتظاهرين أو الأجهزة الأمنية التي سوف تلقى القبض عليه باعتباره معاديا للرئيس وأثناء تواجده بالمحل وخوفه من النهاية يريد أن يسجل لحظاته الأخيرة إلا أنه لا يجرؤ  حتى أن يسجل على شريط كاسيت ما يشعر به لأن الشريط كان عليه خطبة لمبارك وهو لا يستطيع أن يمحو صوته من فرط خوفه يضع صوت مبارك في مكانة تقديس صوت القرآن فكما أنه لا يستطيع أن يسجل على شريط القرآن لا يستطيع أن يفعل ذلك مع صوت مبارك إنه التقديس للرؤساء وهو ما تسعى لتكريسه كل الأنظمة الديكتاتورية في عالمنا العربي وهو ما قدمه هذا الفيلم.. إلا أنه في النهاية ومع ازدياد قوة التظاهر يخرج من دكانه ولم يدرك أنه كان يرتدى بدلة أمين شرطة كان قد تركها لديه مما يعرضه لاعتداء المتظاهرين ويترك المخرج النهاية مفتوحة فلا ندرى ما هو مصيره هل سيقتله المتظاهرون اعتقاداً منهم أنه أمين شرطة أم سوف يدركون أنه ترزي انضم للمتظاهرين ضد مبارك وضد جهاز الشرطة الذي كان ينفذ التعليمات بضرب وقتل المتظاهرين.. فيلم آخر لمريم أبو عوف عنوانه "تحرير 2-2" عن زوجين الرجل "آسر ياسين" يشارك في المظاهرة لمن يدفع أكثر ولهذا يذهب إلى ميدان مصطفى محمود لتأييد مبارك لأن هناك من يجزل له العطاء المادي إلا أنه يكتشف أن بداخله روح النضال وفيض كامن في حب الوطن ويفضح الفيلم هؤلاء الذين كانوا يتعاونون مع البلطجية ويستقطبونهم لتأييد مبارك بالأموال إلا انه يتمرد على ضعفه واحتياجه للمال وينضم هو وزوجته "هند صبري" للثوار.. أما أفضل الأفلام فهما "خلقة ربنا" لكاملة أبو ذكرى عن فتاة صغيرة تبيع المياه المعدنية للناس وتكسب بالقروش الضئيلة قوت يومها أمنيتها أن تغير لون شعر رأسها إلى الأصفر تنزل للميدان لبيع بضاعتها وهناك تكتشف أنها ينبغي أن تدافع عن مصر وتستشهد وهى تهتف لمصر أيضاً.. فيلم "إبراهيم سبرتو" لأحمد علاء يتحول الحلاق الذي يقع دكانه في وسط البلد إلى طبيب بل وجراح لمساعدة المصابين أثناء التظاهر إنهما ولاشك الأفضل بين كل الأفلام العشرة!!هل وصلت هذه الأفلام إلى التعبير عن قيمة الثورتين العربيتين المصرية والتونسية؟ إجابتي هي لا.. هل كان ضيق الوقت هو السبب أم أن خيال المبدعين كان قاصراً لم يصل إلى روح الثورة.. مع الأسف الثانية هي الحقيقة المؤكدة وهى أنهم لم يستوعبوا بعد روح الثورة.. ولا أزال أنتظر فيلماً عربياً تسجيلياً أو روائياً أجد فيه روح الثورة العربية التي مع الأسف لم ألمحها.. لقد شاهدنا أثناء وأعقاب الثورات العربية على" اليوتيوب" أعمالاً إبداعية أكثر وهجاً وتألقاً ولهذا كان سقف طموحنا أعلى بكثير مما أسفر عنه ما شاهدناه في "كان".. الهواة تفوقوا على المحترفين!!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل