المحتوى الرئيسى

أوهام «العيش الحاف»

06/08 08:13

ماذا سيحدث إذا اكتفت مصر ذاتياً من القمح خلال العامين المقبلين، كما وعدنا الدكتور أيمن فريد أبوحديد، وزير الزراعة؟ أغلب الظن أن أحداً من الكتاب أو خبراء الزراعة لم يطرح هذا السؤال على نفسه، لأن الأصل فى قضية القمح هو الانشغال الدائم بالنقص الحاد فى إنتاجه الذى وصل فى السنوات الأخيرة إلى أكثر من 50٪ مما نستهلكه، ولهذا لم يسبق لأحد من الذين اعتادوا المشاركة فى حملة القمح الإعلامية أن توقف ذات مرة ليفكر فى هذه القضية من زاوية: ماذا سيحدث لو حققنا فعلاً الاكتفاء الذاتى من القمح؟ بمعنى آخر: هل سينقلنا الاكتفاء الذاتى من إنتاج القمح إلى نقطة أكثر أماناً وشبعاً مما كنا عليه ونحن نستورد نصف استهلاكنا من هذه السلعة شديدة الأهمية؟ أم أننا سنكتشف فى نهاية السعى أننا استهلكنا عقولنا أكثر من اللازم فى قضية ساهم بعض الخبراء والسياسيين والتجار فى تضخيمها، حتى تصورنا أنها قدس أقداس همومنا المصيرية وهى لم تكن كذلك على الإطلاق؟ قبل الإجابة عن هذه الأسئلة ينبغى التذكير ببعض الحقائق فى قضية القمح، التى لا يمكن لأحد التشكيك فيها إلا إذا كان صاحب غرض، على رأس هذه الحقائق أن مصر تعد من الدول الأعلى إنتاجية للقمح من وحدة المساحة - 18 إردباً للفدان - والحقيقة الثانية أن نصف الإنتاج المحلى من القمح هو فقط الذى يتم توريده للحكومة، والباقى يتم استهلاكه على مدار العام فى بيوت الفلاحين والمزارعين، والحقيقة الثالثة أن الكميات التى كان يتم توريدها للحكومة تعرضت للنقص الحاد خلال السنوات العشر الأخيرة بفعل مؤامرة قذرة ساهم فيها وزراء ورجال أعمال، وضعوا عشرات العراقيل أمام توريد القمح المحلى حتى تزيد فاتورة الاستيراد وأرباحها الفاحشة، الحقيقة الرابعة أن مصر لا يمكنها أبداً التوسع الأفقى فى زراعة القمح، وليس أمامها غير أن تتوسع رأسياً - بمعنى الاجتهاد البحثى للوصول بإنتاجية الفدان إلى 25 إردباً، وهو الهدف الذى كان على وشك التحقق قبل أن يتعمد الدكتور نظيف ووزير ماليته تدمير الموازنة الاستثمارية لمركز البحوث الزراعية فى موازنة 2004/2005، أما الحقيقة الخامسة، والمرعبة حقاً، فهى أن الفساد المتأصل فى وزارة التموين كان السبب الأول فى نشر آلاف مخابز العيش البلدى فى قرى ونجوع وعزب مصر التى تستخدم نصف حصتها من الدقيق كعلف للدواجن والماشية، وتبيع النصف الباقى فى السوق السوداء! هذه الحقائق - وغيرها - تشير بما لا يدع مجالاً لأى شك، إلى أننا نعانى من الفساد فى إدارة منظومة القمح، وأن الحد من هذا الفساد كفيل بالوصول بنا إلى تخفيض فاتورة استيراد القمح إلى أكثر من النصف مرة واحدة، وأن دعم مركز البحوث الزراعية بموازنة لائقة كفيل بوضعنا على مشارف الاكتفاء الذاتى دون الحاجة إلى التوسع الأفقى فى زراعة القمح، الذى سيكون وبالا على أمننا الغذائى كله فى حالة حدوثه، لأنه سيؤدى فوراً إلى تخفيض مساحات البرسيم والفول والخضروات والخضار، وهذا معناه أننا نلهث لتوفير «العيش الحاف» فقط للمواطنين ونسهم مع كدابى الزفة فى حرمان المواطن من حقه فى الغذاء الصحى اللائق، الذى لا يقل فيه طبق السلاطة والخضار وقطعة اللحم وكوب اللبن، أهمية عن رغيف الخبز. لهذا كله ينبغى أن يتوقف المسؤولون - بعد الثورة - عن تملق الرأى العام فى قضية القمح، وأن يجردوا هذه القضية من المبالغات السياسية التى حجبت حقيقتها البسيطة، وكانت سبباً فى التشويش على قضية الأمن الغذائى الصحى للمصريين. [email protected]  

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل