المحتوى الرئيسى

إغراء السلطة المطلقة

06/08 08:13

تاريخ العنف فى علاقة الشرطة بالمواطن تاريخ طويل ومزمن وملتهب، ويزيد الالتهاب كلما ازدادت الدولة تخلفاً وديكتاتورية وفساداً، ومن أهم الكتب التى تناولت هذا التاريخ وتلك العلاقة وفسرت مسار العنف عبر تاريخ الشرطة والمواطن، كتاب «إغراء السلطة المطلقة» للكاتبة بسمة عبدالعزيز، الحاصل على جائزة أحمد بهاء الدين سنة 2009، كتاب صغير الحجم لكنه عظيم القيمة، يظهر من بين السطور مجهود الباحثة التى أتمنى أن تطور مشروعها ليصبح مجلداً كبيراً يستعرض تاريخ الشرطة ما قبل وما بعد ثورة يناير، لأننا بالفعل نحتاج إلى مزيد من الفهم والتحليل والقراءة لهذه العلاقة الملتبسة بين الشرطة والمصريين. الكتاب فى مجمله يحاول الإجابة عن سؤال: لماذا تحولت العلاقة التى كانت طبيعية بين الشرطة والمواطن إلى هذه المرحلة العنيفة والمتردية والمليئة بالتوتر والخوف والشك، كانت نقاط التحول دائماً مرتبطة بغياب الناس عن القرار وحضور السلطة الطاغية، يبدأ الكتاب بتاريخ تكوين الأجهزة الأمنية فى مصر، وكيف صار القمع والعنف منهجاً فى فلسفة التكوين وصلب العلاقة، وتناقش مؤلفة الكتاب كيف اضطرب واختل العقد الاجتماعى بين الشرطى، كأداة تنفيذية للدولة، وبين المواطن، وكيف خرج المارد من القمقم وانقلب السحر على الساحر، وتحولت طاقة الغضب عند المواطن إلى عنف مضاد. الكتاب لا يمكن تلخيصه، ولكن من أهم الفصول التى استرعت انتباهى فيه، ربط المؤلفة بين منهج التدريس فى كلية الشرطة وبين العنف، بالطبع هو المنهج غير المكتوب، المنهج الخفى فى التعامل داخل الكلية. المشهد القبيح يبدأ بالواسطة للالتحاق بالكلية، وكانت الواسطة هى القاعدة التى لا يُعترف بها من جانب القيادات الأمنية رغم أن الشعب كان مؤمناً بأنها الوسيلة الوحيدة لدخول الكلية، ثم يأتى إقناع الطالب بأنه فوق الآخرين، والأخطر هو إهانته وإذلاله من قياداته داخل الكلية!.. خلطة غريبة وكوكتيل عجيب من الاستعلاء والدونية، فتكون النتيجة اعتياد الطالب على العنف المعنوى والألفاظ القاسية، وتكوين مخزون هائل من القهر والغضب الذى يخرج فى وجه المواطن لا وجه القيادة، فيبنى بالتالى هرماً من القهر الذى يصب فى النهاية فى أسفل الهرم، أى فى المواطن. الضابط يجب ألا يكون الخصم بل هو الحامى، هذا هو الذى يجب أن يستقر فى وجدان رجل البوليس، ولذلك يجب أن تتوفر الهيبة وليس الخوف، تقول بسمة عبدالعزيز فى كتابها: «الهيبة تحمل داخلها الاحترام كما تحمل أيضاً الخشية، إن الخوف من شىء لا يعنى بالضرورة احترامه، كما أن مشاعر التقدير والتعظيم والإجلال لا يمكن انتزاعها بالعصىّ المعدنية والخيزران والقنابل المسيلة للدموع»، وتضيف: «إن خوف المواطن يشل الكلمات فى حلقه ويخرس أحباله الصوتية، فيفضل المواطن المذعور أن يفقد ممتلكاته على أن يغامر بتحرى هوية سارقه». كتبت الكاتبة بسمة عبدالعزيز ما يشبه النبوءة قبل يناير، كانت من الممكن أن تكون التحذير الأخير لبوليس زمن حبيب العادلى، كتبت تقول: «الدولة المستبدة لم تعد قادرة على تحقيق مستوى معيشة مقبول، ولا هى تحفظ لهم الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية، أطنان من الفساد تتكشف على جميع المستويات، وأطنان من الانتهاكات تحدث كل يوم، ضاق الهامش الذى كان كثير من الناس يعيشون فيه حتى بات يعتصرهم اعتصاراً، استنزفت واستنفدت قدرة المواطن المصرى على التكيف والمراوغة، وتراكم فائض من الاحتقان والغضب، لم تعد العلاقة بين المواطن والدولة وعسكرها مبنية على الخوف والخضوع فقط، بل تلونت بكثير من التحدى والعداء». كتاب مهم لابد أن يقرأه كل ضابط شرطة وأيضاً كل مثقف يريد أن يفهم سر العداء القديم لهذا الجهاز، والذى أدى إلى الثورة. [email protected]  

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل