المحتوى الرئيسى

د. رفيق حبيب: "الحرية والعدالة" أحد أبناء الثورة

06/07 22:15

- الحزب منفتح على كلِّ القوى السياسية الإسلامية والعلمانية والليبرالية - ملتزمون بقرار الجماعة عدم الترشح لرئاسة الجمهورية - التيار الليبرالي أرضيته ضعيفة في الشارع لتعارضه مع ثوابت المجتمع - الثورة أعادت الكنيسة لدورها الطبيعي المختص بشئون الأقباط - الشريعة الإسلامية ضمنت للكنيسة استقلاليتها وحماية لوائحها - على النخبة العلمانية تقديم ضمانات بعدم الانقلاب على الديمقراطية - النظام السابق والتيار العلماني تعمدا تشويه صورة الإخوان   حوار- محمود شعبان وعبد الرحمن عكيلة: جاءت موافقة لجنة شئون الأحزاب على تأسيس حزب الحرية والعدالة كأول حزب مصري بعد نجاح ثورة 25 يناير، باستثناء حزب الوسط الذي حصل على حكم قضائي بممارسة نشاطه، جاءت هذه الموافقة لتعيد حقًّا أصيلاً لجماعة الإخوان المسلمين الذي أصرَّ النظام السابق على وضعها في مربع محكوم الغلق حتى يستخدمها فزاعة للداخل والخارج.   وبعد أن أصبح للإخوان حزب لأول مرةً منذ نشأة الجماعة في عشرينيات القرن الماضي، فإن هناك الكثير من الطموحات والتساؤلات التي فرضت نفسها على الحزب، واستقلاليته عن الجماعة الأم، وهل سيكون الحزب لكل المصريين أم أنه سيكون قاصرًا على الإخوان المسلمين؟، أما المسيحيون فهناك تساؤلات كثيرة حول موقف الحزب منهم، بل وموقفهم أنفسهم من الحزب ومما يحدث في مصر بشكل عام، التي تعيش حالة من التغيير لم تشهدها من قبل، هذه التساؤلات وغيرها طرحناها على الدكتور رفيق حبيب نائب رئيس حزب الحرية والعدالة.   * بدايةً.. نبارك لكم على تأسيس الحزب.. ونسأل في البداية عما تحملونه للشعب المصري في الأيام القادمة؟ ** لا شكَّ أن حزب الحرية والعدالة هو أحد أبناء ثورة الخامس والعشرين من يناير فلولاها لما كان هناك حزب يعبِّر عن جماعة الإخوان المسلمين، ولذلك فإن الحزب عليه واجب وعطاء يجب أن يقوم بهما تجاه الشعب المصري صاحب هذه الثورة وهذا التغيير.   * لماذا انضم د. رفيق حبيب إلى حزب يعبر عن الإخوان المسلمين ولم ينضم إلى أي حزب آخر؟ ** عندما قرر الإخوان إنشاء حزب سياسي كانوا يدركون أنني مساند لهذا المشروع؛ ولذلك عرضوا عليَّ الانضمام إلى الحزب، ومن ثم تم اختياري نائبًا لرئيس الحزب.   * وكيف يرى الأقباط وجودك داخل الحزب؟ ** هناك بعض الهواجس من أن التيار الإسلامي سوف يحرمهم من كل حقوقهم ويحرمهم من بناء الكنائس وحرياتهم الخاصة، ويحرم عليهم ما هو محلل مسيحيًّا، وهذه الصورة إن وجدت فهي ليست لدى الأغلبية؛ لأن كل الرؤى المتطرفة تنزوي الآن، وإذا صحت هذه الصورة فلا يجب أن انضم إلى الحزب، وإن كانت خاطئة فإن القرار الذي اتخذته بالانضمام إلى الحزب كان مقبولاً كقرار سياسي، والتحدي الآن أن تعرف الجماعة المسيحية أن الإسلاميين ليسوا خطرًا عليهم، وأن تسقط كل الهواجس والمخاوف، ثم بعد ذلك من حق أي مسيحي أن ينضم إلى أي حزبٍ سياسي.   * ومتى ستتلاشى تلك الصورة الخاطئة؟ ** العقبة الحقيقية أن المسيحيين لديهم تصورات عن الإخوان، كان سببها في السابق نظام مبارك، أما الآن فيقوم بهذا الدور النخبة العلمانية بأجهزتها الإعلامية، وظلت تقوم بهذا الدور عن عمد وتخطيط وبمهارة شديدة نجحت في إزالة حالة الاطمئنان التي حدثت في ميدان التحرير وإعادتها للوراء عدة خطوات، فالنخبة العلمانية تحالفت بالمال والإعلام كي لا تسمح بأن يحدث أي تواصل بسهولة مع التيار الإسلامي، خصوصًا الإخوان المسلمين.     * البعض يرى أنه بعد إنشاء حزب إسلامي يجب إنشاء حزب مسيحي أيضًا.. هل تؤيد ذلك؟ ** لا شكَّ أنني مع قيام أي حزب يستمد مرجعيته من المسيحية، أما وجود حزب مسيحي فقط يقتصر على المسيحيين فهذا غير مسموح به، وإن ينشأ حزب ليس لديه عمل إلا الدفاع عن المسيحيين فقط فهذا خطأ، والأفضل أن ينشئوا جمعية حقوقية.   * هناك مَن يتوقع أن تكون تجربة حزب الحرية والعدالة تكرارًا لتجربة العدالة والتنمية التركي؟ ** نحن في ظروف مختلفة.. فتركيا كان بها علمانية متطرفة يقوم بحمايتها الجيش التركي، أما مصر فلا يوجد فيها دولة تعادي الدين والتدين، ولا يمكن أن توجد من الأساس، فمصر مثلاً لا يجد فيها العلماني حرجًا من الإعلان عن علمانيته، أما في تركيا فيفرض على من يعمل في المجال السياسي أن يعلن عن علمانيته، والتحدي هنا هو كيف نقدم برنامجًا سياسيًّا يتعامل مع الواقع الذي نعيشه؟ وكيف نرتب أولوياتنا في المرحلة المقبلة.   * طريقة اختيار رئيس الحزب وعملية الفصل بين الحزب والجماعة أثارت لغطًا كبيرًا، ما ردكم على ذلك؟ ** في البداية دعنا نذهب بعيدًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث يوجد هناك تيار اليمين المسيحي، وهو يعبر عنه نادي الـ700، وهو يمثل حركات اجتماعية مسيحية، ويشترط أن تكون مسيحيًّا حتى تكون عضوًا بها شأنها شأن جماعة الإخوان المسلمين، وهذه الجمعيات لها أجندتها السياسية الخاصة، فهي تؤيد الحزب الجمهوري الذي يعبر عنها وتحشد له الناس في الانتخابات؛ لأن الرؤى السياسة بينهم مشتركة وجزء كبير من المسلمين في أمريكا، وخصوصًا القادمين من البلاد العربية يؤيد هذا الحزب في سياسته الداخلية، بالرغم من معارضتهم له في سياساته الخارجية.   ونعود لواقعنا لأن ما حدث مع حزب الحرية ليس أمرًا جديدًا والفصل المالي والإداري سوف يتم بمجرد أن يبدأ الحزب ممارسة نشاطه، وأريد أن أوضح أن الحزب يحمل رؤى الجماعة والاختلاف يكون في الفرعيات، ومن الطبيعي أن تشارك الكوادر السياسة للجماعة، والتي تحمل خبرةً في العمل السياسي في تأسيس الحزب، كما أن الجماعة لم تدفع بكل أعضائها للاشتراك في الحزب حتى تحافظ على التنوع الموجود داخله.   أما عن طريقة اختيار قيادات الحزب فدعني أقول لك بكل شفافية بأن انطباعي الأول كان مع أن عملية التعيين لم تكن مستقلة بالمرة؛ ولكن عندما درست تجارب أخرى واطلعت على العديد من الأحزاب الأخرى وجدت أن العديد من الأحزاب الناشئة فعلت نفس ما فعلنا بتعيين القيادات حتى ينطلق الحزب، والبعض جعل الفترة الانتقالية سنة والحرية والعدالة جعلها دورة انتخابية كاملة، وهذا مباح، فالجماعة المنوط بها تأسيس الحزب لها الحق في اختيار القيادات في المرحلة الأولى، وبعض الترشيحات جاءت من مجلس الشورى العام والبعض جاء من مكتب الإرشاد.   * ما دور الحزب في الفترة القادمة؟ ** يحمل الحزب التحديات التي تحملها مصر والتحديات التي يحملها التيار الإسلامي عامةً، وخصوصًا إذا كان تيارًا له ثقل شعبي يترتب عليه مسئوليات كبرى, وهناك تحديات كثيرة، منها بناء دولة قوية، ووضع دستور جديد، ومواجهة كل القوانين التي سمحت بالظلم والفساد والاستبداد، ووضع علاج سريع للبطالة والفقر   * هل من الممكن أن نرى قبطيًّا على رأس الحزب؟ ** بالتأكيد فقواعد ولوائح الحزب تسمح بذلك، وما دام قد جاء من خلال الانتخابات الحرة الديمقراطية النزيهة فأهلاً به.   * هل يتبنى الحزب حوارًا أو مبادرة مع الكنيسة؟   ** الحزب يعمل بالمجال السياسي، وسوف يعمل على تقديم كل المبادرات التي يراها ذات جدوى في الحقل السياسي؛ ولكن تظل الكنيسة كيانًا مدنيًّا اجتماعيًّا فلن يكون هناك تعامل سياسي معها، ولكن سيتم دعوتها في الأنشطة التي سينظمها الحزب.   * كيف سيتعامل الحزب مع الأحزاب الإسلامية الأخرى كالوسط والنهضة والنور؟ ** الحزب منفتح على كل القوى السياسية سواء إسلامية أو علمانية أو ليبرالية، فحزب الحرية والعدالة يعظم حالة التوافق السياسي التي تحكم قواعد التنافس في العمل السياسي.   * هل سيدعم الحزب مرشحًا معينًا للرئاسة؟ ** الحزب لم ينته بعد من مناقشة ملفات مرشحي الرئاسة، وبالتالي هذا سابق لأوانه الآن وليس لدينا مرشح عن الحزب، فنحن ملتزمون بقرار الجماعة عدم الدفع بأحد أعضائها إلى انتخابات الرئاسة، وقد حمل الحزب كل العهود التي حملتها جماعة الإخوان المسلمين.   * وهل ستتركون للأعضاء حرية اختيار مرشح الرئاسة؟ ** أمامنا خياران: الأول إما أن يختار الحزب مرشحًا يدعمه, والثاني أنه لن يدعم مرشحًا بعينه، وفي هذه الحالة سيترك الحرية لأعضائه حرية الاختيار.     * بالقرب من الحزب وانطلاقته كيف تقرأ المشهد السياسي في هذه الفترة، خاصةً مع وجود مظاهر انشقاق بين القوى السياسية والاتهامات التي وصلت لحد التخوين؟ ** المتابع للمشهد السياسي على الساحة المصرية يرى أن القوى السياسية كانت متوافقةً إلى حدٍّ كبيرٍ وتسعى كل منها إلى البحث عن مناطق التوافق بين بعضها البعض؛ حيث ظلت القوى السياسية بعد تنحي الرئيس المخلوع تتحدث عن ضرورة التوحد والبعد عن الأطر الخلافية الموجودة بينها؛ ولكن وجدنا مع بدايات الدعاية للاستفتاء أن القوى السياسية تعمل على خلق حالة من الاستقطاب، والعمل على التفرد بالساحة السياسية دون غيرها من باقي القوى، والعمل على الانفراد بالساحة السياسية.   ولكن بعد ظهور نتيجة الاستفتاء وجدت القوى السياسية نفسها، وخاصةً العلمانية منها قد خسرت المعركة وأدَّى ذلك إلى نشوء حالة من العراك السياسي بينها وبين باقي القوى السياسية الموجودة على الساحة، والتي تمثل المرجعية الإسلامية، وخاصةً الإخوان المسلمين.   ولقد ظهر الخطاب الإعلامي الاستقطابي بين القوى الليبرالية والقوى الإسلامية منذ بداية الإعلان عن الاستفتاء على التعديلات الدستورية؛ حيث حولت النخب العلمانية الاستفتاء إلى استقطاب سياسي قبل أن يبدأ بأسبوعين، وجعلت نعم أو لا نوعًا من التصويت على الدستور، وقد عادت النخب العلمانية مرةً أخرى تريد القفز على نتيجة التعديلات الدستورية، في محاولةٍ لتغيير خارطة الطريق التي وافق عليها الشعب.   فالقوى السياسية العلمانية مصرة على الدخول في مواجهة مع التيار الإسلامي؛ حتى تؤسس لديمقراطية مقيدة، وتضع شروطًا علمانية تحاول فرضها على القوى الإسلامية وعلى الشارع المصري.   خارج السرب * أنت ترى أن الخطاب العلماني يغرد بعيدًا عن الشارع المصري، فما الخلل الذي تراه في الخطاب العلماني ومدى ملاءمته للحالة السياسية المصرية؟ ** في الواقع إن إشكالية النخب العلمانية أنها لا تستطيع أن تصرح بعلمانيتها، وتتخفى وراء مصطلح المدنية، فهي تود أن يتضمن الدستور الجديد من البنود ما يضمن علمانية الدولة، وتعمل على تقييد الدستور بتلك البنود؛ حتى تحصل على شرعية قانونية ودستورية للمرجعية العلمانية التي تتبناها ويرفضها الشارع المصري، ومن ثَمَّ يتم فرض تلك البنود بقوة الدستور، فلا يستطيع الشارع المصري رفضها، وهو ما يتنافى مع الديمقراطية ولن يتقبله الشارع المصري على الإطلاق الذي يرفض الخطاب العلماني جملةً وتفصيلاً، وكلما أيقنت النخبة العلمانية بفشلها زادت من وتيرة المعركة السياسية بينها وبين القوى الإسلامية عن طريق تشويه صورة القوى الإسلامية تارةً وتلصق به العيوب والنواقص تارةً أخرى، كما زادت أيضًا وتيرة المعركة التي تتبناها النخبة العلمانية، خاصةً عند تناولها للمادة الثانية للدستور؛ حيث تود النخبة العلمانية أن تكون المادة الثانية للدستور لا تعدو كونها مجرَّد مادة تعبر عن هوية الدولة فحسب، وتستنكر على القوى المطالبة باستخدام المادة الثانية للدستور كمصدرٍ للتشريع دعوتها لذلك.   ومن هنا تَفَتَّق ذهن النخبة العلمانية إلى المطالبة بضرورة وجود شروط في الدستور تشترط علمانية الدولة، وتكون تلك الشروط مدعومة من جانب الجيش، واشتراط عدم المطالبة بتفعيل المادة الثانية للدستور، وتضييق الخناق على الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، والحدِّ من انتشارها بل والمنع التام لإنشاء أحزاب ذات مرجعية إسلامية تنافس الخطاب العلماني في الساحة السياسية المصرية.   ولكن يظل مأزق الخطاب العلماني أن هذا لا يلقى قبولاً من الشعب ولا من القوات المسلحة، ولهذا لجأت القوى العلمانية إلى الصخب الإعلامي في القنوات الفضائية، وفي وسائل الإعلام المقروءة؛ حيث تعمل على عرقلة استمرار الحياة السياسية من أجل الضغط على القوات المسلحة، وشلِّ حلِّ الحياة السياسية حتى تحقق ما تريد، ويرضخ الجيش في النهاية إلى تنفيذ وتحقيق ما تريد النخبة العلمانية.   ولذا لم تجد القوى العلمانية سوى اتهام الإخوان المسلمين بعقد صفقات سياسية مع القوات المسلحة؛ حتى تضغط على الشارع المصري، وتشوه صورة الإخوان أمامه، فتدفع الشارع إلى المطالبة بتنحية الإخوان عن العمل السياسي، والعمل على إلغاء الإعلان الدستوري من جهةٍ أخرى؛ حتى تدفعه لإصدار قرارات وتشريعات منافية لمرجعية الدولة الإسلامية، من أجل اتقاء تهمة التنسيق مع الإخوان.   والنخب العلمانية تمارس الآن ما كان يفعله النظام السابق من تخويف للمسيحيين من كلِّ ما هو إسلامي، وأيضًا تخويف الغرب من الإسلاميين، وتقوم الآن بتقديم المعلومات المغلوطة والمشوهة حتى يتم التأثير على المشاهد أو القارئ الذي لا يستطيع أن يتأكد من صحة هذه المعلومة، وتريد من جرَّاء ذلك خلق حالة من الرعب تفرض على المجلس العسكري أن يستجيب لمطالبهم، ومن استمرار التظاهر تجاه ما أنجزته القوات المسلحة؛ حتى نظل في حالة عدم استقرار تدفع لتأخير الانتخابات.     * ظلت القوى اليسارية والليبرالية تطالب الإخوان بضمانات حال وصولهم إلى الحكم من أجل عدم الانقلاب على الديمقراطية.. أما الآن فالتيار الليبرالي نراه ينقلب على نتائج الاستفتاء، ويطالب بإجراءات جديدة بعيدة عن مطالب الشعب.. كيف تقيم هذه الحالة؟ وهل ترى أن التيار الليبرالي واليساري أصبح هو المطالب بتقديم الضمانات؟ ** في السبعينيات وبداية الثمانينيات كان يمكن أن تقول بأن هناك حاجهً لأن يقدم التيار الإسلامي العديد من الضمانات، ولكن الآن الحال قد تغير، فبعد أن تعمق التيار الإسلامي في العمل السياسي، وجعل للمرجعية الإسلامية قواعد راسخة تقوم بها الأفكار والمفاهيم وليس المفاهيم والأفكار هي التي تقيمها.. حسب تعبير المستشار طارق البشري- الذي قال إنه أصبح الآن المنوط به تقديم الضمانات هو التيار العلماني بألا ينقلب على الإرادة الشعبية، وألا ينقلب أيضًا على المادة الثانية من الدستور، ويجب أن يكونوا موافقين عليها ملتزمين بها التزامًا حقيقيًّا ما دامت معبرةً عن الإرادة الشعبية، والضمانات التي تقدم لا تكفى أن تكون شفهية، فيجب أن تكون مكتوبة؛ لأن النخبة العلمانية تريد وضع قيود على المادة الثانية لتحجيم الإرادة الشعبية، وللحصول على الدعم الأمريكي.   * لماذا يشعر المتابع أن الخطاب الليبرالي يغرد في عكس اتجاه الشارع المصري.. هل ترى أن للخطاب الليبرالي أرضية في الشارع المصري؟ ** ليس له أرضية في الشارع، ويستنكره الناس؛ نتيجة لتعارضه مع ثوابت المجتمع الفكرية والدينية، ويتعارض مع تقاليد المجتمع الشرقية؛ لذلك فهم يحاولون تقديمه بصورة مختلفة، فيها نوعٌ من الحرفية في استخدام الألفاظ، لكنهم لن يفلحوا لأن لغتهم لا تتماشى مع لغة الشارع، وبالتالي لن يفهمهم الشارع.   الكنيسة والدولة * بمناسبة الاستشهاد بالمستشار طارق البشري، فقد عبَّر في كتابه "الكنيسة والدولة" عن إشكالية في علاقة الكنيسة بالدولة، فهل تظل تلك الإشكالية قائمة حيث تظن الكنيسة أنها كيان مستقل، ولها شعب يتبعها يأتمر بأوامرها دون الرجوع للكيان الاعتباري الأكبر والأوسع والأشمل وهو الدولة؟ ** النظام السابق استخدم ترخيص بناء الكنائس للضغط على الكنيسة ومحاولة استغلالها في محاولة إخافتها، فإذا كان يخيفها فسوف يفوز بدعم الأقباط رغم الكراهية الموجودة تجاهه.. والثورة غيرت هذه العملية، فقد بدأت الكنيسة تعود لدورها الطبيعي المختص بالشأن الديني، وفي نفس الوقت تعمل على إقامة علاقات قوية وإدارية مع الدولة، فقد اتجهت الآن لدفع المسيحيين للمشاركة في العمل السياسي خارجها، والمسيحيون بدورهم مندفعين تلقائيًّا وما يحدث الآن كان حادثًا قبل ثورة يوليو 25 فنحن أمام وضع جديد سوف يتقدم المسيحيون فيه بأنفسهم لعرض رؤاهم، ولو أن الكنيسة لها رأي معين فسوف تقدمه كنصيحة لعامة المسيحيين.   * الوضع القانوني للمؤسسة الكنسية كيف سيتم التعامل معه مستقبلاً؟ ** في الواقع، هناك رؤيتان مختلفتان للتعامل مع الكنيسة، ففي حالة الحكم العلماني سوف يصبح للدولة سلطان على الكنيسة، ويكون لها الحق في تفتيشها وإخضاعها للجهاز المركزي للمحاسبات، ومن حقِّ رئيس الدولة أيضًا عزل قيادتها إذا ارتأى ذلك، أما في حالة الحكم طبقًا للشريعة الإسلامية، فالكنيسة سوف تعامل كهيئة مستقلة خاصة بطائفة معينة، ولها لوائحها التي تضمن أن المسيحيين قد اختاروا قيادات الكنيسة طبقًا للوائح الداخلية، وهذا الوضع هو المناسب للكنيسة، وهو طبقًا للأسس التي وضعتها الشريعة الإسلامية من لوائح تضمن أن الكنيسة تعمل لمصلحة رعاياها، وأن رعاياها راضون عن قياداتها.   * هناك مَن يتهم الخطاب الإسلامي بالجنوح، وهو ما يرتكز عليه البعض في اتهام الحركة الإسلامية بالتطرف في تعاملها مع الملف القبطي؟ ** لقد حدث تحول بعد الثورة؛ حيث ظهر السلفيون على الساحة الآن، وقبل الثورة كان الهجوم على التيار الإسلامي، وخاصةً جماعة الإخوان المسلمين؛ لأنها كانت ظاهرة على الساحة وقتها، والآن أصبح الإعلام مضطرًا للتميز بينهم وبين السلفيين، وبالنسبة للسلفيين فإن خطابهم كان موجودًا قبل الثورة، لكنه لم يكن ظاهرًا بنفس هذا الوضوح، والآن بعد الثورة ظهر بقوة على صورته، والآن بعض قيادات السلفيين يراجع خطاباته، فنحن أمام تيار كان في غالبيته يرى من السياسة تركها، والآن بعد أن دخل في العمل العام وأصبح مشاركًا فيه بدأ يراجع نفسه مرةً أخرى، ويطرح رؤاه بشكل مغاير.   والنخب العلمانية تمتلك الإعلام الذي يعمل ضد الأغلبية، والأغلبية في الشارع هي إسلامية، والإعلام يحاول أن يستخدم كل ما يصدر عن التيار الإسلامي من تصريحاته بإعلانها كما هي دون وضعها في دلالتها الصحيحة، في محاولةٍ لتخويف الناس منهم، وكذلك التربص لكلِّ ما يقولونه، فتراهم يركزون فقط على 10 جمل من مئات الآلاف من الجمل؛ لإثارة بعض الحساسيات، فالنخب في مصر الآن مشكلتها أنها تتكلم بلغة غير لغة الشارع، وهو عكس ما تفعله جماعة الإخوان، فقيادات الإخوان يتحدثون مع الشارع بلغته، ومع النخب بلغتهم، مؤكدين على أن الدولة الإسلامية هي مرادف للدولة المدنية.     * هل ترى أن هناك فتنةً طائفيةً حقيقية في مصر؟ ** الاحتقان الديني بدأ بعد هزيمة 67، والتي أدَّت إلى تفكك المجتمع بعدها، ووجود مسارات مختلفة لكلِّ طائفة نتج عنها عنف ديني واضح، وهذه الظاهرة امتدت إلى أربعة عقود، لكنها لن تستمر بعد الآن، فلسنا معرضين لحرب أهليه، خاصةً بعد قيام الثورة.   ولقد أصبحت الدولة المصرية بعد هزيمة 67 ضعيفة ولا تُعبِّر عن المجتمع، وإن كانت استردت كرامتها بعد ذلك في حرب 73، لكنها ظلت ضعيفة وظلَّت مع هذا الضعف النزاعات الدينية، وهذه النزاعات نتج عنها جروح غائرة، وتصورات سلبية لكلِّ طرف عن الآخر، ولكن بعد أن قامت الثورة أكد ميدان التحرير أن المصريين يملكون المقومات التي تجعلهم قاردين على التعايش بصورة إيجابية ومثالية مع بعضهم البعض، ويحدث هذا بعد أن تؤسس دولة الحرية والعدالة، ويكون هناك مجتمع قوي لا تمييز فيه لأحد عن آخر، وأيضًا يجب أن تحل العديد من الإشكاليات مثل بناء الكنائس، وتغيير الديانة، وإزالة الصورة السلبية لدى الآخر.   * لماذا تلخصت قضايا الفتنة الطائفية في اعتناق فتاة للإسلام أو علاقة بين فتاة مسلمة مع شاب مسيحي؟ ** الخطأ الفردي قد يكون الشرارة للفتنة، وعلينا أن نعود إلى ما قبل 23 يوليو؛ حيث كانت تحدث مشاكل من هذا النوع مثل بناء الكنائس وأحداث عنف بين المسيحيين والمسلمين، وكانت هناك أيضًا حالة استقطاب في قضايا سياسية لكن كل هذا كان ينتهي سريعًا وفي أيام معدودة، ولم تكن تؤثر كلُّ هذه الأحداث على قيم العمل المشترك، فمؤسسات الدولة المدنية والجمعيات والأفراد والقوى السياسية كانت تواجه هذه المشكلات؛ لأن المجتمع كان قويًّا آنذاك، وعندما ضعف المجتمع لم يعد قادرًا على مواجهة مشكلاته وسلبياته، فالدولة كانت منسحبة، ولا تحاول أن ترعى وحدة المجتمع وتماسكه بل كانت تستغل حالة النزاع الديني حتى تسيطر على الطرفين.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل