المحتوى الرئيسى

نماذج.. ولكن غير قابلة للتعميم بقلم:د. خالـــــد الخاجــة

06/07 21:46

لست بحاجة إلى القول إن التغيرات العظيمة التي حدثت في تاريخ الشعوب كان للنخب القيادية ـ سواء رسمية أو غير رسمية ـ الدور الأبرز في تحقيقها، حتى وإن تلازمت بالدفع المجتمعي لها الذي أعطاها هذا الزخم، بتأييده لها ومساندتها حين يستشعر الصدق في ملامحها، لتتحول الأفكار إلى واقع يلامس حاجة الناس ويحول الأوطان من حال إلى حال، هذا هو الشاهد الأكبر للتحولات التي حدثت في تاريخ الشعوب، أياً كانت حدود مسؤولية القيادة وحجمها. ومن الأهمية بمكان أن يكون هناك وضوح للرؤية التي تدور حول نقطتين أساسيتين من وجهة نظري؛ ماذا نريد وما هي الغاية التي يجب الوصول إليها؟ ثم كيف يتم بلوغ هذه الغاية عبر سبل مشروعة وشريفة؟ كما يجب تحديد معالم الطريق ومحطات الوقوف التي يجب عندها مراجعة كل مرحلة على حدة، لنقيمها فنصوّب الخطأ ونؤكد على الجوانب المضيئة، لتصحيح المسار، نقدا ذاتيا داخليا ينبع من صلب المصلحة الوطنية المخلصة، البعيدة عن كل الأهواء والمصالح الذاتية أو الفردية الضيقة، والتي تحفظ للأوطان قوتها ومناعتها، وتحفظ للمجتمع تماسكه ووحدته التي هي صمام أمان يفوق حشد كل آليات الدنيا ومجنزراتها. إن من أخطر ما يواجه المجتمعات، هو ضبابية الرؤية وغياب المسارات، ما يجعل أفراد المجتمع قادرين أحيانا على تحديد ما لا يريدون، لكنهم في الوقت ذاته يجدون صعوبة كبيرة في تحديد ما يريدون، وهنا المشكلة أكبر حين يصل الأمر إلى حد الصدام الذي بات مشهدا مألوفا في الشارع العربي. الشاهد أن أحد أهم أسباب هذه السيولة المجتمعية في بعض الدول العربية، هو سوء اختيار القيادات في مختلف المستويات، فضلا عن تقريب أهل الثقة بدلا من أهل الخبرة، وزاد من ذلك الاستعلاء في التعامل مع هموم الناس، وكأنهم في واد وما يؤرق الناس في واد آخر. إن الكثيرين ممن خرجوا رافعين راية العصيان في البلاد العربية لم يكن جلهم مسيسين، فقطاع عريض منهم كان يبحث عن العيش الكريم وعن العدالة، يبحث عمن يسمع صوته ويحترم رأيه ويستشعر أنّاته وأوجاعه، يبحث عمن يشعره أنه جزء من هذا الوطن وليس غريبا عنه، يبحث عمن يؤمن له حاجاته اليومية ومتطلباته الضرورية من تعليم وعلاج ومسكن، أو يعطيه الأمل في أنه سيأتي اليوم الذي يستطيع الشاب أن يكوّن أسرة يضمن لها حياة كريمة في حدودها المقبولة، هذا هو الأساس. ومن استمع أو شاهد ما تم رفعه من شعارات، يجدها تدور حول الهدف ذاته؛ العدالة الاجتماعية بكافة أشكالها التي تفرعت منها كافة المطالب والتي تصب في الأخير في بوتقتها. أقول ذلك لأن جانبا كبيرا من المشهد العربي كان من الممكن تجنبه، لو أن هنالك مسؤولين في مختلف المستويات تفاعلوا مع قضايا الناس دون تجاهل، واحترموا احتياجاتهم وبذلوا الجهد للتغلب عليها، أو أشعروا الناس بأن هنالك جهودا حقيقة للقضاء على الفساد والمفسدين وإعلاء دولة القانون. والمحصلة كانت هذا المشهد غير المتوقع، الذي تشابكت فيه وتداخلت معه عوامل متعددة، زادته تعقيدا وزادت الخرق اتساعا يوما بعد يوم، فكانت الغلبة للشعوب. وهو المشهد ذاته الذي تم رفضه حين استشعرت الشعوب بحاستها التي لا تخطئ، أن هناك تدخلات خارجية تدفع بالأحداث في اتجاهات بعيدة عن المطالب المشروعة، وخاصة في البحرين، لرفع شعارات مذهبية أو طائفية، وهو ما أفقدها زخمها والتفاف الناس حولها، وهو الأمر ذاته الذي يكاد يعصف بما حققه المصريون حين تظهر على السطح بين حين وآخر الدعوات الطائفية. وفي يقيني أن الداخلي حينما يختلط بالخارجي، يكمن التوجس، حتى ولو كان له بريق، إلا أن أهدافه على المدى الطويل أبدا لا تكون في صالح الشعوب، والآيات حولنا كثيرة. وليس في ذلك تسطيح للأمور أو تقليل من أثرها، لكنها الحقيقة، فثورة الياسمين أشعل شرارتها الأولى محمد البوعزيزي بإشعاله النار في جسده احتجاجا على الفقر وضيق العيش، ففجّر معاناة شعب راح يبحث عن العيش الكريم. وما أود التأكيد عليه، هو أن هبة الشارع العربي الثائر في وجه الظلم والفساد، لا يمكن ولا ينبغي حتى بمنطق الثورات أن تكون تقليدا مستنسخا، ولكن لا بد أن يكون هناك ابتكار في منطق المطالبات المشروعة، يراعي طبيعة كل مجتمع وعلاقاته بحكامه وآليات التواصل المتاحة، بصرف النظر عن العناوين. فالتركيبة الديمغرافية للمجتمعات العربية مختلفة، والحراك المجتمعي في جزء منه ليس بالضرورة أن يكون متطابقا، لأن الظرف ذاته مختلف، وقد ينتفي بعض الأسباب المحركة له. في الوقت الذي أؤكد فيه أن منطقتنا تأخذ بعين الاعتبار، التغيرات السريعة والحادة في الوضع الإقليمي والساحة العالمية، ومنهج الإصلاح قائم ومستمر ولا توقف فيه، لكنه قائم على الحفاظ على المكتسبات الوطنية وبشكل متدرج، وما نسمعه ونراه في ما يحدث في البرلمان الكويتي، وهو النموذج الخليجي الأقرب، يصيبنا بالإحباط، ويؤكد أهمية أن نعرف أين نضع أقدامنا. ولا يستطيع أي منصف إلا أن يؤكد أن قيادة دولة الإمارات على مدار تاريخها، أعلت من قيمة الإنسان مهما كان شأنه، وضربت النموذج الفريد في المنطقة بالتصاق القيادة بالشعب خلفاً عن سلف، ببساطة وتلقائية، لأن ذلك جزء من التركيبة القيمية للمجتمع، وإيمانها الشديد ووعيها بأن الأهداف العظيمة لا يمكن أن تتحقق دون جهود الجماعة المجتمعية، والتي لا يمكن لجهودها النجاح دون قيادات واعية على مختلف درجات السلم الإداري، تسمع للناس وتضع احتياجاتهم في المقام الأول.. قيادة تعلم أن وجودها مرتهن بما تقدمه للناس من إحقاق الحق ورفع الظلم ورد الحقوق إلى أصحابها، وتؤمن أن أصحاب الكفاءة أولى من أصحاب الثقة، وأن مصلحة الوطن مقدمة على مصالح الأفراد.. قيادة تفجر الطاقات وتوجهها وتلتقط الأفكار المبدعة وتعظمها، وتوقن أن تقدم الوطن لن يكون إلا على أيدي المخلصين من أبنائه، فما حك جلدك مثل ظفرك. ما أود التأكيد عليه، أن ما يحدث من هبّات في الشارع العربي، هي نماذج للتعبير عن الحنق المجتمعي والغضب الشعبي الذي له ما يبرره، لكنها غير قابلة للتعميم. د. خالـــــد الخاجـــــــة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل