المحتوى الرئيسى

إيران: الليبراليون واليساريون والتيارات الدينية يتحالفون.. والنتيجة جمهورية إسلامية

06/07 20:49

على الرغم من مرور نحو 32 عاما على اندلاعها عام 1979، فإن الثورة الإسلامية الإيرانية لاتزال من أهم الثورات التى شهدتها منطقة الشرق الأوسط والعالم، وأكثر تفردا، ليس للنجاح الذى حققته فى إنهاء عقد الملكية الطويل، تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوى فحسب، بل لأنها استطاعت أن تحول الامبراطورية الفارسية إلى جمهورية إسلامية لأول مرة فى تاريخها. فلقد كانت بمثابة مفاجأة على مسرح الأحداث الدولية، نظرا للسرعة التى حدث بها التغيير العميق إلى جانب الدور القيادى للدين. وينبع تفرد الثورة الإيرانية عن غيرها، من المدة الزمنية التى استغرقتها الثورة، لتتمكن من ترسيخ دعامتها فى الحكم والسلطة، فلقد مرت الثورة بـ3 مراحل قبل أن تصير الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى ما هى عليه الآن، هى: «التعبئة للثورة» و«الثورة الخومينية» و«سيطرة مجلس الثورة الإيرانى (الملالى)». وتتمثل المرحلة الأولى فيما يعرف بـ«إرهاصات الثورة» أو «التعبئة للثورة»، ودامت عامين من منتصف 1977 إلى منتصف 1979، وشهدت تحالفا بين الليبراليين واليساريين والجماعات الدينية لإسقاط الشاه، إذ اتفقت جميع الاتجاهات السياسية الإيرانية من ليبرالية وعلمانية واشتراكية وشيوعية ودينية على هدف واحد، وهو إسقاط النظام الملكى، المتمثل فى محمد رضا بهلوى. وكانت أسباب الثورة الرئيسية التى ساهمت فى نشوب تلك الثورة، بعضها يعود إلى الإجراءات التى اتخذها الشاه والنظام الإيرانى، إلى جانب نجاحات لمختلف القوى السياسية. وتمثلت أخطاء نظام الشاه فى: - سياسة التغريب، التى انتهجها الشاه على الرغم من تعارضها مع الثقافة الخومينية للشيعة، وعلاقاته الوطيدة مع إسرائيل واعتماده على القوى الغربية خاصة الولايات المتحدة، يضاف إلى ذلك الإسراف والفساد والنخبوية فى سياسات الشاه وديوانه الملكى، وفشله فى استقطاب المتعاطفين والأتباع من القيادات الدينية الشيعية لمقارعة الحملة الخومينية ضده. - تركيز حكومة الشاه حينها على مراقبة وقمع عناصر حركة مجاهدى خلق وباقى أطياف المعارضة اليسارية الإيرانية، بينما راحت المعارضة الدينية الأكثر شعبية تنتظم حتى قوضت تدريجياً نظام الشاه. - انتهاك الدستور الإيرانى الذى وُضع سنة 1906، بما فى ذلك قمع المعارضة من خلال جهاز الأمن (السافاك)، وكان ذلك سببا إضافياً لنشوب الثورة، خاصة أن المهادنة والظهور فى موقف الضعف لم يكونا من مصلحته، وعندما لجأ إليها كانت الثورة كسبت زخماً متزايداً. - فشل البرنامج الاقتصادى الطموح عام 1974، فى مواكبة الطموحات التى أثارتها عائدات النفط، فضلا عن تكريسه سياسة احتكار الحزب الواحد للسلطة، حيث ألزم الجميع بالعضوية ودفع المساهمات، ولم يكتف بذلك، بل عادى السياسيين الإيرانيين السابقين، لاسيما التجار منهم، فى ظل تزايد حدة التضخم، ثم انتشار الأسواق السوداء، وتدابير التقشف التى أغضبت كلا من الناس والتجار . - سوء تقدير قوة المعارضة، خصوصا المعارضة الدينية، لاسيما أن شاه إيران لم يبذل جهوداً لإرضاء المعارضة، اللهم إلا القليل وبعد فوات الأوان، دون أن يوفر فى نفس الوقت مكافحة جدية للهجمات ضد الثوار. - طبيعة حكومة الشاه التى هيأت المناخ لاندلاع الثورة، إذ أنها منعت بروز أى منافس ذى كفاءة، يمكن أن يقود الحكومة، مما أدى إلى ضعف فاعليتها وتدنى مستوى الإنتاج، الأمر الذى ساهم بدوره فى زرع الخلافات والانقسامات داخل الجيش وبين النخب السياسية، ومن ثم غياب الدعم عن النظام وعدم توفر حلفاء، حيث غادروا مع أموالهم مع بداية الثورة. وعلى صعيد القوى السياسية، فلقد ساهمت الثقة العالية من العلمانيين والمسلمين التنويريين والليبراليين واليساريين فى قوتهم وقدرتهم على السيطرة على الثورة، فضلا عن فطنة ودهاء آية الله الخومينى فى كسب تأييد هؤلاء عندما احتاج إلى قلب نظام الشاه، وتجنبه قضايا مثل (ولاية الفقيه)، التى كان يعتزم تنفيذها، لمعرفته بأنها ستطيح بدعم تلك الفئات. وتمتع الخومينى بالثقة بالنفس، والكاريزما، الأمر الذى ساعده على أسر خيال الجماهير ليعد «المنقذ» أو المخلص، إضافة إلى ذكاء وحيوية أتباعه ومنظمى تحركاته فى إيران، والتى تفوقت على ذكاء قوات أمن نظام الشاه، وفازت بتأييد واسع النطاق بفضل تكتيكات إبداعية، والإيحاء للإيرانيين بأن نظام الشاه أكثر وحشية بكثير مما كان فى الحقيقة. أما المرحلة الثانية، فعُرفت فى الأغلب بـ«الثورة الخومينية»، إذ شهدت بروز آية الله الخومينى، عالم دين منفى فى الـ80 من عمره، استطاع أن يحرك مظاهرات شعبية وحماسية فى شوارع إيران، لاسيما طهران، وذلك من خلال أشرطة الكاسيت التى كان يتم تهريبها إلى داخل إيران ونسخها، حيث يرى الكثيرون أن الخومينى هو خطيب الثورة الإيرانية، حيث حرضت خطبه على إسقاط النظام الملكى، وترسيخ العداء للولايات المتحدة الأمريكية بوصفها «الشيطان الأكبر» والداعم الرئيسى للشاه. ويعود ظهور زعيم الثورة الإيرانية، أول مرة، أوائل عام 1963 لقيادة المعارضة التى تحركت ضد برنامج الإصلاحات الذى أعلنه الشاه والمعروف باسم «الثورة البيضاء»، التى شملت إعطاء حق التصويت والاقتراع للنساء، وتغيير قوانين الانتخابات التى أتاحت انتخاب ممثلين للأقليات الدينية للبرلمان وإجراء تعديلات على قانون الأحوال الشخصية، الذى يمنح المرأة المساواة القانونية فى الزواج، وتوزيع ممتلكات بعض رجال الدين الشيعة. فى العام التالى نشبت أعمال شغب بعد أن اعتقل الخومينى ثلاثة أيام على إثر تصريحه بأن الشاه «رجل بائس سيئ»، وقد واجهت الشرطة أعمال الشغب تلك، مستخدمة القوة المفرطة، إذ أظهرت التقارير التى أعدت بعد قيام الثورة أشارت أن أكثر من 380 لقوا مصرعهم على يد الشرطة. ووضع الخومينى تحت الإقامة الجبرية لمدة 8 شهور ثم أفرج عنه، وتابع التحرك ضد الشاه بخصوص علاقته مع إسرائيل، خصوصا «تنازلات» الشاه لتمديد الحصانة الدبلوماسية لعسكريين أمريكيين، ثم أعيد اعتقال الخومينى فى نوفمبر 1964 وأرسل إلى المنفى وبقى فيه لمدة 14 عاما حتى قيام الثورة. ومع استمرار الاحتجاجات الشعبية، التى بدأت منذ عام 1977 حتى الثورة على فترات متقطعة، فضلا عما تلاها من أحداث بداية من عام 1971، لم يجد الشاه إلا أن يغادر البلاد بصحبة الملكة فى يناير 1979. وتتضح المرحلة الثالثة فى «سيطرة مجلس الثورة الإيرانى وإقصاء الليبراليين»، إذ انتشر فى هذه الفترة السعى وراء تعزيز السلطة والقمع، وتطهير زعماء الجماعات المعارضة للسلطة الدينية بما فيها الثورة الثقافية الخومينية فى الجامعات الإيرانية. فبينما ظن المعتدلون واليساريون والميليشيات المسلحة الأخرى أن الستار سيسدل بعد الثورة وسقوط الشاه على الخومينى وأعوانه وأن هذا التيار اليسارى سيسيطر على الساحة، إلا أن الخومينى لم يعطهم الفرصة وسيطر على الحكم. فى 1 فبراير 1979، عاد الخومينى إلى طهران محاطاً بحماس وتحية عدة ملايين من الإيرانيين، إنه بدون جدال قائد الثورة، وأصبح بالنسبة للبعض شخصاً «شبه مقدس». استقبلته لدى ترجله من الطائرة الجموع الحاشدة بتحية: «السلام عليكم أيها الإمام الخومينى». أوضح الخومينى فى كلمة ألقاها فى اليوم نفسه شدة رفضه لنظام رئيس الوزراء بختيار، ووعد «سوف أركل أسنانهم لقلعها»، وعين منافسه مهدى باذرخان مؤقتاً رئيساً للوزراء، وقال: «بما أننى قد عينته، فيجب أن يطاع»، واعتبر أنها «حكومة الله» وحذر من عصيانها، فأى عصيان لها «عصيان لله». وفى السنة الأولى للثورة كان هناك مركزان للسلطة: الحكومة الرسمية والمنظمات الثورية، رئيس الوزراء مهدى باذرخان، الذى عينه الخومينى، عمل على إنشاء حكومة إصلاحية ديمقراطية، فى حين عمل بشكل مستقل كل من المجلس الثورى المكون من الخومينى وأتباعه من رجال الدين، والحرس الثورى، والمحكمة الثورية، والخلايا الثورية المحلية التى تحولت إلى لجان محلية. وبينما راح رئيس الحكومة (المؤقتة) باذرخان يطمئن الطبقة الوسطى، بات من الواضح أن سلطة اتخاذ القرارات النهائية هو فى الهيئات الثورية وفى المجلس الثورى على وجه الخصوص، وفيما بعد الحزب الثورى الإسلامى. ازداد التوتر بين السلطتين بدون شك، رغم أن كلتيهما وضعت وأقرت من قبل الخومينى. وفى يونيو، أعلنت حركة الحرية مشروع الدستور، وأشارت إلى إيران باعتبارها جمهورية خومينية، يتضمن مجلس صيانة يتمتع بحق نقض التشريعات المتعارضة مع الإسلام، لكن دون وصى فقيه حاكم، أرسل الدستور إلى «مجلس الخبراء» المنتخب حديثاُ ليعرض أمام أعضائه الذين حاز حلفاء الخومينى على الغالبية بينهم، رغم أن الخومينى كان قد أعلن بأن الدستور «صحيح»، إلا أنه هو والمجلس أعلنوا رفضهم له، وصرح الخومينى بأن الحكومة الجديدة يجب أن تكون قائمة «بنسبة 100٪ على المذهب الشيعى». ووضع مجلس الخبراء دستورا جديدا، أوجد من خلاله منصب القائد الأعلى للخومينى، ومنحه السيطرة على الجيش والأجهزة الأمنية، والحق فى نقض المرشحين للمناصب، كما أقر الدستور بانتخاب رئيس جديد يتمتع بصلاحية أضيق، لكن المرشحين يجب أن يحوزوا على الموافقة المباشرة من القائد الأعلى (عبر مجلس صيانة الدستور)، وقد أصبح الخومينى نفسه رئيسا للدولة مدى الحياة باعتباره «قائد الثورة»، وعندما تمت الموافقة على الدستور فى استفتاء أجرى فى ديسمبر 1979 أصبح «المرشد الروحى الأعلى»، وتقدم رئيس الوزراء باستقالته إثر شعوره بالضعف. وهنا بادرت قيادة الثورة فى البداية إلى إعدام كبار الجنرالات، وبعد شهرين أعدم أكثر من 200 من كبار مسؤولى الشاه المدنيين بهدف إزالة خطر أى انقلاب، وأجرى قضاة الثورة من أمثال القاضى الشرعى صادق الخلخالى محاكمات موجزة افتقرت إلى وكلاء للدفاع أو محلفين أو إلى الشفافية، ولم تمنح المتهمين الفرصة للدفاع عن أنفسهم، ومن بين الذين أعدموا بدون محاكمة (عملياً) أمير عباس هوفيدا، رئيس الوزراء السابق لإيران، أما الذين هربوا من إيران فليسوا محصنين، فبعد مرور عقد اغتيل فى باريس رئيس الوزراء الأسبق شابور بختيار، وهو واحد مما لايقل عن 63 إيرانيا قتلوا أو جرحوا منذ الإطاحة بالشاه. ومن أوائل شهر مارس استشعر الديمقراطيون بخيبات الأمل المنتظرة عندما أعلن الخومينى: «لاتستخدموا هذا المصطلح (الديمقراطية)، إنها مفهوم غربى». فى منتصف شهر أغسطس تم إغلاق عشرات الصحف والمجلات المعارضة لفكرة الحكومة الخومينية، استنكر الخومينى غاضبا الاحتجاجات ضد إغلاق الصحافة، وقال «كنا نظن أننا نتعامل مع بشر، من الواضح أن الأمر ليس كذلك». بعد نصف سنة بدأ قمع المعارضة الخومينية المعتدلة المتمثلة فى حزب الشعب الجمهورى، واضطهد العديد من كبارها، ورموزها منهم شريعت مدارى، الذى وضع تحت الاقامة الجبرية. وفى مارس 1980 بدأت «الثورة الثقافية»، أغلقت الجامعات التى اعتبرت معاقل لليسار مدة سنتين لتنقيتها من معارضى النظام الدينى. وفى يوليو فصلت الدولة البيروقراطية 20.000 من المعلمين و8.000 تقريبا من الضباط، باعتبارهم «متغربين» أكثر مما يجب. استخدم الخومينى أحيانا أسلوب التكفير للتخلص مع معارضيه، وعندما دعا قادة حزب الجبهة الوطنية إلى التظاهر فى منتصف عام 1981 ضد القصاص، هددهم الخومينى بالإعدام بتهمة الردة «إذا لم يتوبوا»، واستقر نظام «ولاية الفقيه» وتم اعتبار الخومينى أول زعيم فقيه بحكم الدستور.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل