المحتوى الرئيسى

هل يُعقل..؟!

06/07 18:33

بقلم: حسين القباني    حسين القبانيمع مساء أول أيام شهر يونيو 2011م اكتشفت أن هناك دفعة من جنود الأمن المركزي، أنهت مدة خدمتها المقررة بثلاث سنوات داخل جهاز الشرطة- بحسب القانون- واستلمت شهادة تفيد ذلك موقعة بتقدير "قدوة حسنة"!!.   غير أن هذه الدفعة بالذات وما تليها من دفعات خلال سنتين قادمتين كانت الذراع العنيفة التي استخدمتها وزارة الداخلية ضدَّ المواطنين على مدار الأعوام الثلاثة، ولا سيما في ثورة 25 يناير، ولا تستحق أن تحصل على شهادة بتقدير قدوة حسنة، حتى لو لم تحصل على جزاءات طوال مدتها؛ فيكفي إجرام الأمن المركزي في ثورة 25 يناير ضدَّ المواطنين العزل.   هذه المعلومة السابقة حصلت عليها من شاب كان يستقل معي قطار العودة إلى مدينة دمنهور، وكان فرحًا بخروجه من الخدمة وحصوله على تقييم "قدوة حسنة"، رأيته بعيني.. خدم هذا الشاب في قطاع الأمن المركزي بالإسماعيلية، وتحرك إلى محافظة السويس- بحسب تعليمات القيادة الأمنية- لوجود مظاهرات سلمية، وتحدث الشاب عن استخدامهم للرصاص الرش والقنابل المسيلة للدموع كجنود للأمن المركزي، ينفذون التعليمات الصادرة عن الضباط الذين لا يمكن أن يتحركوا دون تعليمات عليا، وسمعت منه عن مشاركة سيارات من مؤسسات الدولة في دعمهم بالذخيرة المختلفة حين نفاد ما لديهم من ذخيرة تواجه المتظاهرين.   وتحدث الشاب عن أن مظاهرات السويس لم تكن سلمية، وأوضح لي قوة وعنف وصلابة السوايسة في مواجهة الشرطة آنذاك، وهو ما لم تتحمله الشرطة وبدأ  أفراد من الأمن المركزي، يرتدون زيًّا مدنيًّا أسفل ملابسهم الشرطية، يهربون بزيهم المدني، وكذلك فعل قلة من الضباط نفس الأمر؛ خشية غضب الأهالي المشتعل، لا سيما مع عملية الانهيار النفسي الذي رآه العساكر مع سقوط بعضهم مصابين أو ترك الخدمة أو طول المواجهات والإرهاق ونقص الأكل والشراب أحيانًا.. وأيًّا كان فهذا الشاب كان جزءًا من التعامل العنيف للأمن المركزي الذي شاهدته أيضًا في مدينة دمنهور ماثلاً أمام عيني، لا سيما في ميدان الساعة وميدان عرابي الممتد إلى مسجد التوبة، وأمام المبنى الرئيسي لجهاز أمن الدولة المنحل، وأمام ميدان سيدي عمر قبل الانهيار السريع مع صلابة إرادة المتظاهرين؛ ولكن كان في محافظة السويس التي اندلعت منها شرارة الغضب.. التي ارتقى فيها أول شهداء من الثورة.. التي حركت مع محافظات أخرى شرارة جمعة الغضب الأولى والأهم في تاريخ مصر المعاصر.   وأيًّا كان ردي الشديد عليه وقتها، فلقد خرج المجند من قوات الأمن المركزي بجهاز الشرطة بتقدير "قدوة حسنة"، بينما ثوار 25 يناير خرج بعضهم بشهادة عند ربهم، وبقيت إصابة بعضهم الآخر شهادة واضحة ودليل بيّن على جرم جهاز الشرطة إبان الثورة، وأعتقد أنهم جميعًا فوق تقدير "قدوة حسنة"!!.   ولكن كيف تكون  المقارنة والتحمل وأنا أرى صديقي "مصطفى آدم" أحد ثوار 25 يناير على فراش العلاج منذ إصابته برصاصة مباشرة في قدمه في جمعة الغضب الأولى، بينما من ُيتهم بإطلاق الرصاص عليه حرّ وطليق، ويعمل ضمن قطاعات جهاز الشرطة هو ورئيسه المنتميان إلى قادة جهاز أمن الدولة المنحل بالبحيرة؟!.   كيف تكون المقارنة والتحمل عندما ترى قيادات الأمن في محافظة البحيرة على سبيل المثال، وعلى رأسهم مجدي أبو قمر، مدير الأمن السابق، وهو حر وطليق هو وبقية المتهمين بقتل الثوار في محافظات مصر، بينما يأتي قرار المحكمة بعد أشهر من الثورة باستخراج جثث 5 شهداء من مقابرهم، وعرضهم على الطب الشرعي، ويتم تأجيل المحاكمة إلى آخر شهر يونيو للمرة الثانية؟!.   وكيف تكون  المقارنة والتحمل ونحن نرى الرئيس المخلوع حسني مبارك يتم تأجيل محاكمته وهناك آخرون في أمر قتل الثوار إلى شهر أغسطس؟!، وكيف تكون المقارنة والتحمل ولم تتم محاسبة حبيب العادلي وزير الإجرام الأمني، على قتله الثوار، بينما هناك قيادات أمنية يدها ملطخة بالدماء ومواجهة الثورة.   هل يُعقل أن نستقبل أول حكم ضد قتلة الثوار بالإعدام والمؤبد ضد أمين شرطة الزواية الحمراء ونجد أن الحكم غيابي؟!!.. هل يُعقل أن تكون المحاكمات البطيئة عنوانًا حقيقيًّا لدعم سيادة القانون ودعم أوضاع العدالة؟.. هل يُعقل أن  يخرج جنود الأمن المركزي بشهادة بتقدير قدوة حسنة، وهم من انصاعوا لتعليمات إجرامية من ضباطهم الأعلى بإطلاق الرصاص الرشاش أو القنابل المسيلة للدموع، حتى لو كان الإطار القانوني والتزامهم داخل الوحدات يسمح لهم بذلك؟!.. هل يعقل ألا يشفى صدرنا بحكم عادل على قتلة خالد سعيد ذلك الوهج المشتعل الذي لن يطفأ أبدًا؟! وهل يُعقل ألا يُكرَّم رسميًّا في ذكراه حتى ولو بشهادة "قدوة حسنة" تطفئ نار الغضب المشتعلة في الصدور؟.. هل يعقل ألا يتم تكريم شهداء مصر من الإخوان وفصائل وأبناء الشعب في سجون الديكتاتور السابق ومقار أمن الدولة، ويحصل أبناؤهم وذووهم على شهادة موقعة بتقدير "قدوة حسنة" على أقل تقدير؟!   الإجابة ملك للشعب المصري الذي ثار لكرامته وحقوقه؛ فحرره الله القاهر فوق عباده من ديكتاتور جائر، ويجب أن تتوقع الحكومة المصرية الإجابة مبكرًا، وتسع لعدالة حقيقية لا تأخر فيها ولا استعجال.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل