المحتوى الرئيسى

سيمفونية

06/07 08:14

الدم الذى يتدفق داخلك حاملاً كل العناصر الحيوية التى يحتاجها جسدك! هل فكرت كيف يسيل مُتدفقاً رقراقاً داخل عروقك وشرايينك؟ ولكنه بمجرد أن تُجرح فإنه سرعان ما يتجلط! تخيل العكس! لو تجلّط الدم فى عروقك لما بقيت على قيد الحياة دقيقة واحدة! ولو ظل يسيل لصُفّيت دماؤك قطرة بعد قطرة. هل فطنت الآن إلى حجم المعجزة! وتريد أن تعرف كيف يحدث ذلك؟ يحدث الجرح، تتلف الطبقة المُبَطّنة للوعاء الدموى، حينئذ يعرف الجسد أن ثمة خطراً وشيكاً! ومثلما يشترك الموسيقيون فى عزف «مُؤلف موسيقى»، تبدأ على الفور أروع سيمفونية. فى البدء، ينخفض أصبع واحد من أصابع البيانو. ينخفض بسرعة، ينخفض برقة. فى لمح البصر ينقبض الوعاء الدموى، كعازف (سولو) مُنفرد لتقليل كمية الدم الخارج. بعدها تدخل الآلات الوترية. يخرج من النسيج المتهتك عنصر كامن فيه لا يخرج إلا عند الجرح ليُنبّه الصفائح الدموية إلى ضرورة التجمع. يبدأ الكمان العزف. تستجيب الصفائح الدموية وتحتشد لتُكوّن نسيجا رقيقا هفهافا يسد الجرح بصورة مؤقتة. يرتفع إيقاع العزف. تشارك الأصابع البيضاء والسوداء للبيانو. تبدأ بروتينات البلازما فى التجمع والتكدس. يتسارع العزف، تتضافر الخلايا المختلفة والمواد الكيميائية. يشترك الفلوت والفيولا. تستيقظ عوامل التجلط فى بلازما الدم من غفوتها الطويلة كأميرة جميلة نائمة أيقظتها قبلة الأمير الحالم. يُنشّط النسيج المتهتك العامل الثانى عشر، الذى بدوره يُحفّز العامل الحادى عشر، وبسرعة مذهلة يُنشّط العامل التاسع. أصابع البيانو البيضاء والسمراء تنخفض وترتفع فى سرعة جنونية، العامل التاسع يُحفّز العامل العاشر، أنت تتحرك الآن بسرعة الضوء، يَنْشط العامل الثانى، الذى يُحفّز بدوره العامل الأول، ينضم المزمار والدفوف إلى الفرقة الموسيقية. لم تعد تُميّز أرقام العوامل! كلها تتضافر، كلها تشترك. لم يعد مُمكنا أن تُميّز الأصابع البيضاء من السوداء للبيانو. كلها ترتفع وتنخفض، كلها ترقص وتتمايل. وكأنها سنابل قمح تتماوج مع رياحٍ عاتية. المهم أنها جزء من اللحن، جزء من السيمفونية المبهرة. الآن يحدث العصفُ الموسيقى. السيمفونية تصل ذروتها الكاملة، واللحن الخلاب يتصاعد إلى العالم العلوى فى غيمة من نغم!. تتم المعجزة الربانية! تندك البروتينات والخلايا فى صورة نسيج مُتماسك يُوقف سيّال الدم المتدفق من الأوعية. ذُبْ فى صميم الكون. تجسّدْ فى قطرة الندى. اطرق الباب حتى ينفتح. كُنْ المخلوق الكامل الذى أسجد الله له الملائكة. أصغ إلى السيمفونية الربانية المبهرة التى تعزفها خلايا جسدك باستمرار. تسلّق شعاع البدر إلى القمر. ارقص مع الكواكب حول الشمس. اعزف موسيقى النجوم فى مداراتها العلوية. كن كالشهب تُومض وتحترق. تأمل الجمال السماوى الذى ينكشف لك، ثم حاول التعبير عنه! فإذا عجزتَ عن التعبير عنه، وعرفتَ أنّ حمدَ الله نعمةٌ أخرى تستحق الحمد، فقل كما قال (النفّرى): «يا ربِّ متى غبتَ حتى أحتاج إلى دليل يدل عليك؟!». ملحوظة للسادة القراء: حسابى على تويتر AymanGuindy@ [email protected]  

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل