المحتوى الرئيسى

ثورة حلال.. وثورة حرام!

06/07 03:10

مشاري الذايدي كان مرشد الثورة الخمينية في إيران، السيد علي خامنئي، صريحا ومفيدا، وهو يلقي بركاته على الثورات العربية التي هي لديه امتداد لثورة أستاذه السيد روح الله الخميني، ويستثني من هذه البركات الشعب السوري الثائر على نظام الأسد. فحسب جريدة «الأخبار» اللبنانية، المقربة من حزب الله والنظام السوري، فقد أعلن المرشد علي خامنئي، في خطبة له بمناسبة الذكرى السنوية لرحيل الخميني، ألقاها أمام ضريح الخميني نفسه في جنوب طهران، وبحضور أقطاب الجمهورية، أن بلاده تدعم انتفاضات جميع الشعوب المسلمة، باستثناء تلك التي تؤجّجها واشنطن، مستبعدا الانتفاضة الشعبية السورية من كلمته. وقال خامنئي، إن زعيم الثورة الإسلامية توقّع الأحداث التي شهدها الشرق الأوسط خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث ثار العرب ضد أنظمة حكم قمعية، مضيفا: «موقفنا واضح، حين تكون الحركة إسلامية وشعبية وضد أميركا ندعمها». ومن دون أن يسمي سوريا، مضى قائلا: «في أي مكان يكون فيه التحرك بتحريض من أميركا والصهاينة لن نسانده. حين تدخل أميركا والصهاينة الساحة لإطاحة نظام، واحتلال دولة، نقف على الجانب المقابل». خامنئي محق ومشكور أيضا على صراحته التي أغنتنا عن كثير من الكلام وإتعاب النفس في الجدل مع من كانوا، وربما ما زالوا، كلما قرأوا أو سمعوا كلاما ضد دعاية جمهورية الخمينية «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا». هناك حقيقة واضحة، لا تعجب أنصار المنطق الثوري «المقاوم» والطاهر، خلاصتها أنه لا توجد مواقف نقية تتخذ إزاء ما يجري في العالم العربي من انتفاضات أو ثورات أو تغييرات سياسية كبرى في خارطة المنطقة الاستراتيجية. وقد كان حسن نصر الله تلميذ خامنئي الوفي، والفخور باتباعه للولي الفقيه، يعزف على نفس هذا الإيقاع في التفريق «الطاهر» بين الثورات العربية، فقد خطب وحرض وهلل وصفق لما جرى في ليبيا ومصر وبارك «ثورة الشعوب الحرة»، ولكن القطة ابتلعت لسانه، كما شيخه السيد خامنئي، تجاه الثورة الشعبية السورية، التي لاقت من القمع الرهيب أضعاف ما جرى للثوار في مصر وتونس، قتلا وسحلا وقصفا. بل إن خامنئي لا يكف عن ربط ما جرى في البحرين بما جرى في مصر وتونس وليبيا، في رباط واحد، هو رباط ثورة الشعوب الإسلامية بإلهام من ثورة الخميني الطاهرة طبعا، ومثله فعل تماما التلميذ الوفي حسن نصر الله، رغم أن البحرين هادئة مستقرة الآن، وليس فيها، على الأقل، دبابات تقتحم المدن والقرى وطائرات مروحية تقذف النيران على الناس كما في سوريا! العبرة النهائية هي أن إيران وأتباعها مثل حزب الله وربما حماس، ليس لهم «مصلحة» في سقوط النظام السوري الذي يفيدهم فائدة كبرى في لعبة القوى الإقليمية، فلذلك يجب عدم منح الشعب السوري وصف «شرف» البطولة والتضحية أو إدراجه ضمن السياق الثوري الإسلامي «المبارك»، بينما إسقاط نظام مبارك أو بن علي أو القذافي أو حتى صالح، هو «مفيد» للمشروع الإيراني ومد جسور النفوذ للقوة الإيرانية الجامحة، ومن يدور في فلكها. الحسبة ببساطة، لدى ملالي طهران وأتباعهم في العالم العربي، هي حسبة «ربح وخسارة»، ولكنها تسوق إعلاميا وعلى الجماهير المنفعلة بأغلفة مثالية متعالية. والمضحك المبكي أن السيد خامنئي في خطبته الأخيرة هذه أمام ضريح الخميني يهاجم ازدواجية المعايير الغربية، وحسب نص جريدة «الأخبار» اللبنانية نفسه فقد ندد خامنئي بـ«انتهاج الإدارة الأميركية معايير مزدوجة، واستخدامها قضايا حقوق الإنسان لتحقيق مصالحها الخاصة». ولم يتوقف برهة هذا «الملا» الداهية ليتذكر أنه هو مارس للتو نفس هذه الازدواجية الفجة في المعايير الأخلاقية بخصوص وصفه لثورة السوريين على نظام القمع الوحشي بأنها من تدبير الأميركيين، وليست نتاج قهر وغضب الناس العاديين، بل جعل جل الشعب السوري الثائر أو المتعاطف مع الثائرين مجرد عملاء أو أغبياء يساقون من قبل الأميركيين! أظن - ولست متأكدا! - أن الأمور أصحبت واضحة لكل ذي عينين، وكان من المفترض أن تكون واضحة قبل ذلك، خلال العقد الأخير، يوم تحول كثير من الفضائيات والصحف العربية وكثير من الكتاب والمثقفين العرب، حتى من غير الإخوان، إلى منخرطين بحماس في الدفاع عن الخطاب «المقاوم» لإيران وحليفها في دمشق، وتابعها في لبنان حزب الله، وحماس في غزة، وكان الحديث عن أن خلف ضجيج الشعارات الإيرانية والسورية والإخوانية توجد «مصالح» سياسية وحسابات دنيوية بحتة، كان هذا الحديث يواجه بالتجريح والتخوين والشتائم والاتهام الأجوف بالعمالة... إلى آخر هذه الرطانات الصوتية. مرة أخرى، لا يلام المرشد على صراحته، بل يلام من لا زال يصدق مثل هذه الأكاذيب في عالم السياسة المغلفة بالعسل. شعار المقاومة وتحرير فلسطين كان هو الخنجر الذي استخدمته الدعاية الخمينية لشق العباءة العربية، وهو ذات الخنجر الذي استله حكام النظام السوري هذه الأيام من خلال «افتعال» مواجهة مع إسرائيل على حدود الجولان، بدعوى مرور ذكرى النكسة في حرب 67، والتهويش لإسرائيل بخطورة ترك نظام الأسد يسقط، مصداقا لكلام ابن خالة الرئيس، رامي مخلوف، الشهير لجريدة «نيويورك تايمز» مؤخرا الذي قايض فيه أمن «النظام» في سوريا، وليس أمن البلاد، بأمن إسرائيل. نكتة سوداء فعلا، السؤال: هل هذه «أول» ذكرى للنكسة العربية مع إسرائيل 1967 تمر علينا، أو يتذكرها أهالي الجولان والفلسطينيون في سوريا؟! أين كانت هذه الجموع المناضلة العام الماضي فقط؟! أم أن العام الماضي لم يكن فيه شهر يونيو (حزيران) الذي شهد النكسة؟! استغلال فج للقضية الفلسطينية من أجل مصالح سلطوية مباشرة، ومثلما فعل أصحاب السلطة في دمشق بهذه المتاجرة الفجة بالمأساة الفلسطينية، فعل خامنئي في إيران في استهداف أعداء حكام طهران من خلال التلويح بشعار المقاومة والممانعة وفلسطين طبعا. وعلى طريقة «صدقك وهو كذوب» المعروفة في تراثنا الإسلامي، فقد صدق ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي بيانا الأحد الماضي، أكد فيه أن النظام السوري «يحاول من خلال ممارساته الأخيرة صرف الأنظار عن المجازر والجرائم التي يرتكبها بحق أبناء الشعب السوري»، حسبما ذكر موقع «cnn». ربما يخجل كثير من المواطنين العرب بالتصريح بهذا، لكن من المؤكد أن كثيرا منهم يتفق مع مضمون هذا الوصف الإسرائيلي لمسرحية النظام الأخيرة في الجولان. المشكلة أن القضية الفلسطينية، ذات العمق المعنوي الخاص لدى العرب، تبتذل بمثل هذا الاستخدام والاستنزاف المستمر، وتتضرر كثيرا مكانتها، ويذهب الكثير من الفلسطينيين، كما ذهبوا من قبل، قرابين لألعاب السياسة، ليس فقط من قبل النظام السوري، وليس فقط في مسرحية الجولان الأخيرة، بل من قبل إيران الخمينية، وفي زمن سابق من قبل صدام حسين البعثي، بل وحتى الأخ العقيد معمر القذافي، وما من أحد من بين هؤلاء السالفين واللاحقين قدم للقضية شيئا، سوى الخطب والوصول إلى الحكم والبقاء فيه بحجة خدمة القضية التي برروا شرعية حكمهم وطموحهم بها! إن كان من أمل في ظل كل هذا «العري» الأخلاقي السياسي الذي نشهده حاليا، فهو أن تتساقط هذه الأقنعة البالية، ويكون «اللعب على المكشوف»، فقد ترهلت العقول العربية من كثرة المجازات والاستعارات والشعارات. مُنى إن تكن حقا تكن أحسن المنى وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدا! *نقلا عن "الشرق الأوسط" اللندنية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل