المحتوى الرئيسى

أشرف توفيق يكتب: ساعدنا على أن نحب الثورة يادكتور شرف!

06/06 21:07

          كعادتها كانت إسرائيل تقف على شط الأحداث تراقب ما يحدث فى مصر بعد ثورة يوليو، تراقب ما يحدث فى مصر العدو الأول لها، والبلد الأهم على حسب قول بن جوريون نفسه: "إن مصر هى الدولة الوحيدة من بين البلاد العربية التى تشكل دولة حقيقية، إنها دولة كبيرة وإذا تمكنا من عقد السلام معها فإن ذلك يعد فوزا عظيما لنا".         وفشل السلام مع مصر فى هذه الثورة بعد أن حدث أول صدام بين عبد الناصر وبن جوريون _على حسب قول كتّابهم_ حين طلب الأخير من الأول السماح بالملاحة الإسرائيلية فى قناة السويس رسميا مقابل تأييد إسرائيل لطلب مصر المعونات الأمريكية وتأييدها لجلاء القوات البريطانية، ورفض عبد الناصر هذه المقايضة تماما، وهنا كان على إسرائيل أن تعد خطة جديدة تتناسب مع هذه المرحلة.          بدأت إسرائيل خطتها بتدبير عملية تخريب للمنشآت البريطانية والأمريكية داخل مصر بهدف هدم الاستقرار داخليا مما ينذر بانقلابات شعبية على هذه الثورة المشئومة التى عجزت عن حفظ النظام والأمن، وهدم العلاقات البريطانية والأمريكية مع مصر خارجيا مما يحمل بريطانيا على عدم سحب قواتها من مصر، وبالطبع تم القبض على العناصر المتورطة فى هذه المؤامرة وقتها فيما عرف بفضيحة لافون.          لا أؤمن عادة بنظرية المؤامرة ولا أعلّق كل مشكلاتى على إسرائيل وأمريكا والغرب كما يحلو للبعض، ولكن فى اعتقادى أنه من الممكن أن يكون فى الداخل من هو أشد غدرا وخسّة، وأؤمن بوجود بعض المصريين الخونة _وآسف على إسباغ نعمة المصرية عليهم_ الذين يفضلون التعاون مع الشيطان ذاته على أن تنجح ثورة 25 يناير، هناك من يشعر أن هذه الثورة لو اكتملت سيصبح مكانه فى مزبلة التاريخ ولذا فهو يفكر بكل ما آتاه الله من غباء ليجهض هذه الثورة بكل الوسائل، وإذا كنت لا تصدقنى فى أن بعض المصريين قد تجاوزوا أفعال الصهاينة فعليك بإلقاء نظرة على المجازر الوحشية التى حدثت أثناء ثورة 25 يناير، فإذا كان الجندى الإسرائيلى يفكر ويقتل ويدمر ويحرق قلب الأمهات من أجل رفعة وطنه ودينه من وجهة نظره، فما وجهة نظر هذا الذى يحرق قلب أم مصرية ربما كانت جارته فى العمارة على ابنها أو غيره الذى دبّر وخطّط؟!           الدكتور عصام شرف يعمل بجد وإخلاص، ذكى بحق قبل أن يكون متواضعا بحق، خرج من عباءة الثورة وظهر محمولا على الأعناق يحوطه التفاؤل، وتدعمه الكتابات المؤيدة للثورة، تنتظر منه أى تلميح لقرار لتعتبره إنجازا طال انتظاره، ومع كل هذا فإنه فى رأيى المتواضع _ومع كامل احترامى له_ لا يرتب أولوياته جيدا.. يرهق نفسه فى مشاريع عملاقة، يتقابل مع علماء عظام بُحّت أصواتنا فى المطالبة بوجودهم قبل ذلك، يريد تطبيق كل السياسات طويلة المدى التى تجعل مصر من الدول العظمى بعد 20 عاما، ولكنه يتجاهل أنه لن يصبح رئيسا للوزراء لمدة عشرين عاما، يتجاهل أن مهمته تنحصر فى الشهور القليلة القادمة، وبعدها سيأتى رئيس وزراء جديد يبدأ سياسات جديدة وينظر فيما فعله الدكتور عصام وربما يتجاهل كل هذا ويبدأ فى اتجاه آخر.          الملاحظة ليست للدكتور عصام فقط، ولكن فى كل أفراد وزارته، فكل وزير يطمح فى أن يلقى قبول الشباب الثوار الجدد، الكل يتبارى فى إطلاق التصريحات الرنانة التى تعدنا بأننا سنصبح الأجمل والأغلى والأرقى والأقوى والأفضل والأكثر حرية، تاركا مهامه التى تستدعى تدخلا عاجلا، فوزير التعليم يضع سياسات التعليم فى مصر لإقناع الناس أننا أخيرا استعدنا مكانتنا العلمية رغم أنه "شهور وهيمشى" ويأتى غيره ليضع سياسات جديدة ربما تكون بالفعل أكثر نجاحا وتطويرا وأفضل رؤية، كل هذا يفعله وزير التعليم مثلا رغم أن مهمته الأساسية فى هذا الوقت هو امتحانات الثانوية العامة ومايعادلها، فالأهم تعليميا فى هذه الفترة أن يثبت للعالم أن أول امتحانات بعد الثورة كانت أفضل امتحانات فى تاريخ مصر، لا غش، لا تسريب، لا فضائح فى ورقة الأسئلة، لا خناقات، لا إغماءات.. هذه هى مهمته الأساسية، وهذا ينطبق بالطبع على كل الوزارات.          إن فضيحة لافون تتكرر من جديد ولكن بأسلوب عصرى ومصرى أيضا _مع عدم استبعادى للألاعيب الإسرائيلية والأمريكية وغيرها_ الانهيار الأمنى الذى تعانى منه مصر حاليا جعل العديد من أبناء الشعب يصبون جام غضبهم على الثورة وشبابها، والانهيار الاقتصادى وغلاء الأسعار جعل هؤلاء أيضا يترحّمون على أيام زمان، لا يهم أنهم كانوا فى كبت وفساد واستبداد مادامت "الحياة ماشية والآشية معدن وماشى فى الشارع متطمّن".        سيصرخ البعض أن قولى مبالغ، وأن جموع الشعب تهتف بحياة الثورة وشبابها، ولهؤلاء أناشدهم أن يتركوا الفيس بوك قليلا ويتفاعلوا مع الشارع العادى البسيط، عندما أتى عامل الدش _45 عاما_ إلى منزلى، وبمجرد أن رأى فى إحدى القنوات شباب أحد الائتلافات للثورة _وما أكثرها هذه الأيام_ صرخ قائلا: غيّر لنا القناة دى ياباشا، مبحبش أشوف العيال دى اللى خربت البلد.. وللذين يقولون إن هذا ينطبق فقط على بعض فئات الشعب "الأرزقية" الذين لا همّ لهم سوى قوت يومهم، ورغم أن هؤلاء لهم كل الحق فى المطالبة بقُوتهم وممارسة حريتهم فى التعبير، أؤكد أن الأمر قد طال فئات أوسع من الشعب ووصل إلى الطبقة المتوسطة ثقافيا، بل إن بعض المثقفين الشرفاء صارت لهم آراء مناهضة لما يحدث بعد الثورة.           اسأل أباك أو أخاك الأكبر، بائعة الطماطم، مدرّسك القديم، عُمّال السياحة، السائقين، أصحاب المحلات فى التحرير ورمسيس، المارّين على المحور والدائرى زبائن البلطجية، القاطنين على أطراف القاهرة والتجمعات والمدن الجديدة.. اسألهم عن حالهم بعد الثورة.. اسألهم بضمير لتحصل على إجاباتهم بصدق، بعد أن صاروا يخشون النطق بآرائهم خوفا من شباب الثورة، مثل صاحب أحد المحلات فى التحرير الذى سأله أحدهم: ما رأيك فى الثورة؟ فأجاب: فلّ الفلّ ورجعت كرامتنا والشباب رفعوا راسنا، وعندما استدرجه السائل ليعرف رأيه الحقيقى: بس الشباب بيزوّدها، صرخ الرجل قائلا: آه والله .. خربوا بيوتنا الله يخرب بيوتهم وخربوا البلد!         إن المشكلة ليست فى الثورة ولكنها فيما بعد الثورة، عصام شرف عندما تولى المسئولية تولاها باسم الثورة، وصار رئيس وزراء الثورة وميدان التحرير، ولذا أصبح أى قصور فى الحكومة هو فضيحة لثورة يناير، مثلما كانت خطة (لافون) فضيحة لثورة يوليو، ومثلما نجحت ثورة يوليو فى إجهاض خطة (لافون)، والقبض على منفذيها، أصبح لزاما على ثورة 25 يناير أن تجهض خطة ما يحدث فى المجتمع المصرى من قصور، وأن تقبض على مدبريها، هذه الخطة التى تسببت (مع وجود بعض النفوس المريضة دائما المهيئة للاشتعال) فى أحداث إمبابة وفى حوادث الخطف فى العريش وفى أحداث البدو، وفى انتشار البلطجة فى طول البلاد وعرضها، وفى سرقة شنط السائحين _الخمسة ستة اللى عندنا_ وفى ارتفاع الأسعار وغيرها.          تؤمن الحكومة هذه الأيام بمبدأ الأيدى الناعمة فى التعامل مع طوائف الشعب، رغم أنه لا يجدى فى كثير من الأحيان، فمَن العاقل الذى يقبل هذه الفوضى الآن فى ميدان التحرير؟ هل يقبل عاقل أن يحتوى ميدان التحرير صانع البهجة وفرحة الثورة على تكاتك وعربات عصير و"سمين"؟ ميدان التحرير الذى تزوره وفود العالم لرؤية الشاهد على انتصار الشعب المصرى يحتوى على عربات "كبدة" و"مخ"؟ ميدان التحرير صار لعنة لكل السائقين وأصحاب المصالح ومع ذلك تقف الحكومة صامتة شاهدة على هذه المهزلة بدعوى أنها لا تريد استخدام العنف، وكأن عودة الهدوء والاستقرار للمجتمع لن تأتى سوى بالسحل والقتل والتعذيب وهتك العرض؟          بعض الثوار الآن يصفون المعتصمين فى ميدان التحرير بالبلطجية، وكأن هؤلاء هم من يعطون صك الوطنية والنضال لمن يشاءون، لا يستطيع أحد أن يعارض أى فئة تستوطن ميدان التحرير فالحجة جاهزة وهى "الاعتصام حتى تنفيذ المطالب".. ماهى المطالب؟ مش مهم.. المهم أن تبقى عربيات "السمين" فى الميدان وتباع صور الشهداء بجنيه على الرصيف.. عايزين نسترزق.. وغيرها وغيرها من المهازل التى تقف أمامها الحكومة وكأنها تقول: مش الشعب اللى عايز حرية؟ طب يتفضل بقى!         لكل هذا فإننى أوجه نداء لسيادة الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء.. أقدر كل ما تفعله ولكن صدقنى معظم الشعب المصرى فى هذه الفترة الانتقالية لا يحتاج إلا إلى ثلاثة أشياء: إصلاحات سياسية_ أمان_ غذاء.. فإذا تطلّب الأمر أن تجعل كل الوزراء مسئولين عن هذه الأشياء الثلاثة فقط فافعل.. لا يهمنى البيئة ولا الاتصالات ولا التنمية المحلية ولا أى مشاريع عملاقة فى هذه الشهور القليلة التى هى كل عمر هذه الحكومة الانتقالية.. طوائف عديدة من الشعب المصرى أصبحت تكره الثورة لأنها لم تلمس سوى نتائجها السلبية يا دكتور عصام، وطوائف عديدة من العالم ستكره مصر إذا زارت مصر ونُهبت حقائبهم فى التاكسى من البلطجية.. غيّر كل الوزراء إذا استدعى الأمر..احذر من خطة (لافون) الجديدة التى إن تحققت سيكره الشعب ثورته ويكره العالم مصر.. ساعدنا على أن نحبّ الثورة يا دكتور شرف!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل