المحتوى الرئيسى

بناء الدولة وسط ركام التحولات بقلم:ماجد الشّيخ

06/06 20:14

بناء الدولة وسط ركام التحولات ماجد الشّيخ تؤكد العملية الإصلاحية كعملية تمتلك طابعا نهضويا تنويريا، واحدة من عمليات التحويل الكبرى المفضية إلى افتتاح درب التحولات على اختلاف خياراتها وتمظهراتها الشعبية. وما لم يكن الإصلاح كعملية تحويلية، حسما مؤكدا من "أرباح" السلطة التي كوّنتها بالمغالبة والمجاهدة الاستبدادية، فهي لن تضيف إلى الشعب كمكون إجتماعي ومواطني، ينتمي إلى وطنية موحدة، أي ربح صاف أو غير صاف، فالعملية الإصلاحية ومهما تكن مستوياتها، هي ما ينبغي لها أن تكون دافعا رئيسا لسلوك وممارسة النظام السياسي، وكامل أشكال ومضامين التعاطي مع المواطنين، وإشعار هؤلاء، بل شعورهم أن هناك ما يتغيّر في أنماط وممارسات سلطة النظام، وانعكاس ذلك على الشعب وما يريده. وإذ تتبلور اليوم في بلادنا رؤية أو مجموعة رؤى خاصة، ترى إلى التحولات الجارية انطلاقا من تحرر إرادة الناس وخروجهم على سنوات الصمت والخوف الطويلة، فإن هذه التحولات لا يمكنها أن تتتابع وتتواصل، إلاّ عبر إصرار الحركة الشعبية هنا أو هناك، على المضي في إنتاج دروبها الخاصة لفرض مسارات متجددة، لتطور ديمقراطي أكثر حداثة وتنويرية ونهضوية مما سبق، أثناء لحظات تاريخية أسست لأفكار نهضوية، لم تستطع أن تبلور مساراتها اجتماعيا وشعبيا، أو تتبلور على أرض الواقع؛ نظرا لغياب كتلة شعبية وازنة، أو مجموع الفاعلين الشعبيين، على ما بدأت تتجلى اليوم في شبكات التواصل الإجتماعي الشبابي. لهذا.. ما من تحولات يمكنها أن تكون فجائية، كون التحول كمفهوم، وكممارسة سلوكية واعية، إنما هو نتاج تراكم منظور وغير منظور، محسوس وغير محسوس، قوامه معاناة ومحن شعوب جرى اقتلاعها من التاريخ، وأريد لها أن تكون مجرد كم مهمل، هلام لا يستوي وزنه في عالم الإنسان، إلاّ كونه جزء من ديكور يكمّل دولة السلطة الاستبدادية التي لا يستوي وجودها أو يكتمل من دون الشعب/الرعيّة، ولا يقوم قمعها الدموي كممارسة تسلطية وسلطوية؛ إلاّ في حضور الغياب أو الغيبوبة المستديمة للذات الفردية والجماعية على حد سواء، أي في ظل سيادة وتسييد واقع من الركود الطويل، والصمت المميت، والخوف المتراكم. في ظل هذا كله وعلى وقع المكبوتات القسرية، كانت التحوّلات تطبخ نضجها، ولم تكن البتة فجائية. وبذا لا تنضج التحولات بدون فاعلين حقيقيين، من قوى شعبية أو نخبوية طحنها القهر والغضب، حتى باتت عصيّة على التأخر عن استجلاب موعد أو مواعيد التغيير القادمة، وبدفع من تراكمات باتت عصيّة إلاّ على التحوّل النوعي، وبالتالي إحداث أو استحداث مسار لتحولات خليقة بأن تكون في مواعيدها؛ مواعيد يستدعيها الشعب كمّن ينادي على ظله أن يتبعه، في تلازمه والتزامه حركة المجتمعات، وهي تتحول وتنضج حراكها على وقع هدير الناس الذين تاقوا لإسماع صوتهم، بعد أن صمتوا طويلا، وخافوا؛ خافوا كثيرا، وها هم يطلقون نفير الصوت في مواجهة كل مسببات صمتهم وخوفهم، وكأن لم يكونا، فاستعادوا السياسة من زنازين الأنظمة، وأطلقوها شرارة حرية وكرامة؛ حرية الناس في أن يقودوا ويؤسسوا لسياسة تحفظ كرامتهم، لا أن تدوس على رقابهم، بحجّة أو بذريعة أن السلطة لا يجب أن تمارس عنفها في الفراغ، بل على أجساد المقموعين من البشر الأسوياء في مجتمعات لا وجود لأي نوع أو درجات من السواسية والمساواة فيها. أما الكرامة فهي النقيض المطلق لإكراهات السلطة، وهي تستبدّ بكل ما اعتقدت وتعتقد أنه من أملاكها الخاصة. لقد أنجزت جماهير الثورة الشعبية في كل من تونس ومصر،عملية إسقاطهما لرأسي نظاميهما، ولم تنجزا بعد إسقاطهما رغم تقويضهما جزئيا للنظام، النظام القديم إياه الذي ما زال بعض رموزه في مراكز هيمنة ومفاصل هامة، في حين تستدعي مرحلة ما بعد إسقاط رأس النظام، المضي نحو مراحل متقدمة من تهديم وتقويض كامل أسس الأبنية التي بناها النظام القديم، حتى لا يستمر أي نظام جديد في اعتماد تلك الأسس والبناء عليها، ومن ثم ابتناء نظام مشابه لذاك الذي قامت الثورات والانتفاضات والهبات الشعبية للإطاحة به. ولا يكفي هنا الالتفات للإطاحة بما هو سياسي، إذ أن الإطاحة بما يوازي الهيمنة السياسية من هيمنة اقتصادية وثقافية ومجتمعية، إنما يكمل صورة التحولات المراد إنجازها في واقع عربي عانى من الركود ما عاناه، حتى أضحى تزاوج المال والسلطة، واحدا من أعتى مفاصل الهيمنة الشمولية في فضاءات السلطة، بوجهيها السياسي والاقتصادي المندمج أو المندغم في آليات معيارية لنظام توتاليتاري أشد استبدادية من أنظمة عانت شعوبها من تسلط وسلطوية تزاوج المال والسلطة، بيد أنها تركت هوامش من فتات تتلهى بها بعض الفئات الطبقية والاجتماعية المقرّبة من تلك السلطة. وإذ تواصل التحولات إنضاج أهدافها، وصولا إلى بناء الدولة، فلأن الشعب يريد ابتناء دولته الوطنية الحديثة، بعد عقود من الفشل والإفشال المتعمد لبناء الدولة، حين كان يلجأ استئثاريو السلطة واستملاكيوها، إلى خلق مسببات التفتيت المجتمعي لأبناء الوطن الواحد، ما يضع اليوم هدف إنجاز التوافقات الاجتماعية والسياسية في سياق الثورة وتحولاتها، وفي سياق محاولات بناء الدولة النهضوية والتنويرية الحديثة، التي حلم ببنائها العديد من الأجيال العربية، منذ ما قبل الاستقلالات الشكلية؛ في مقدمة أولويات ينبغي التفكير بها، ونقلها إلى حيّز الواقع، مع تجاوز كامل معوقات البناء، وتهميش التعارضات الثانوية بين القوى السياسية والمجتمعية الجديدة (شبابية الطابع خصوصا)، وذلك لكي يجري خلق أسس ووجود ضمانات تقلل وبالحدود الدنيا؛ اجترار وتكرار التعارضات والتناقضات الصراعية القديمة بين أبناء المجتمع والوطن الواحد، وللتقليل من أضرار ومخاطر الثورة المضادة، وعزل قواها وتهميشها وإبعادها عن ضخ المزيد من أضاليل أيديولوجياها الخاصة، للتأثير على الحركة الشعبية، ومحاولتها إجهاض الثورة، أو على الأقل تجميدها عند الحدود التي بلغتها. وذلك من قبيل محاولات التيارات الإسلاموية وبعض أجنحتها المتطرفة الدخول على خط الثورة، واعتراض مسار الحركة الشعبية. بعدما عايشنا وشهدنا العديد من مسلكيات إنتهازية، ما يجعلنا نضعها في خانة صفوف الثورة المضادة قلبا وقالبا. لهذا بالتحديد تضع التحولات الجارية على عاتق من قاموا بالثورة، ضرورة أن لا يتخلوا أو "يستقيلوا" من مهمة متابعتها بهدف بناء الدولة، بعد أن جرى إنجاز إسقاط رأس النظام والإطاحة ببعض آليات وأدوات السلطة، وطالما أن الثورة بعفوية انطلاقتها لم تنجز كامل أهدافها بعد، بل تبدأ الآن برسم مشاريع مخططات مواصلتها وبزخم أكبر، وبما يتجاوز عفويتها، ويعوّض عن غياب نظرية لانطلاقها وتحولاتها، وصولا نحو توجيهها ووضعها على سكة مسيرتها ومسارها العقلاني، هذا المسار هو الوحيد الذي يمكن أن يفضي إلى بناء الدولة التي يريدها الشعب، كدولة مدنية وديمقراطية حديثة، عمادها المواطنة والقانون والمساواة، بديلا لسلطة العشيرة أو القبيلة أو الطائفة المتمذهبة، الاستبدادية بطبيعتها وطبعها.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل