المحتوى الرئيسى

هل انقضى الليل الطويل الحالك؟

06/06 18:30

بقلم: د. توفيق الواعي سنون طوال وأنا أنتظر انقشاع الأحزان وانحسار الطوفان وظهور الإصباح وانبلاج الفجر، تساقطت عليَّ أمطار من السماء بدون غيوم، فنظرت فوجدتها دموع القمر، نعم لقد أبكت همومي مهجة القمر، وأشجت مواجعي أحاسيس الكون، فترة طويلة تبلع ثلاثة أرباع القرن..نعم لقد سكبت جراحي دمًا حتى يرتوي عطش فرعون وما ارتوى، وسالت أوجاع قلبي حتى تهدأ أوضار ظلمك أيها المتأله، وما هدأت، ونزفت بحور ألمي لتشبع أوهام غرورك وما شبعت، وعصرتني حسرة آلامي لترضي جنون صدودك وما رضيت، وظللت أنزف حتى مل الزمن نزفي، وأتالم حتى ضج المدر والحجر من أنيني وألمي.   قلت: سبحان الله، رحماك ربي, أرجو أن أنجح في الامتحان, عجب لك يا زمان، حسبتك تخفف آهاتي لتنقذني من أحزاني، وتغسلني من آلامي، وتنشلني من ظلماتي، وما أذنبت إلا الاستقامة، وما اقترفت غير المعروف. ومالي من ذنب إليك علمته    سوى أن قلت يا بلدي اسلمي ألا يا سلمي ثم اسلمي ثمت اسلمي  ثلاث تحيات وإن لم تكلمي   هذا مع جميل النصح، وصدق الإرشاد وعظيم الود، ومعاناة للصدود، وتحمل العناد، وكثرة السهام. ولقد بذلت لك المودة ناصحًا    فغدوت تسلك في الطريق الأعوج ولقد رجوتك للجميل وفعله           يومًا فناداني النهى لا ترتجي   وبعد عناء طويل وطويل جدًّا، خرجت أبحث عن دواء يداوي كلومي وجراحي. أبحث عن كلمات تقدير تكتم أهاتي أبحث عن كلمات تغسلني من أحزاني وآلامي أبحث عن شوق عن نور في زمن الظلمات أبحث عن مرسى عن ميناء، عن شاطئ ترسو عليه سفينة أحلامي. أبحث عن عيون تغوص في أعماقي وتبعدني عن أحزاني. أبحث عن يد تمسح دمعي وتضمد جراحي. أبحث عن قلب يحتوي قلبي. أبحث عن نفسي وعن قلبي وروحي وفكري. أبحث عن فرحي وإحساسي. أبحث عن حب يذهب حزن الأيام، وعن كلمة تعفي عن كل كلام.   فقلت أهٍ لقومي، وأهٍ من أعدائي التفتوا إلى الافتراء عليَّ، وظلمي وأنا ألتفت إلى خيرهم وبرهم: فينا مَعاشِرُ لَم يَبنوا لِقِومِهِمُ         وَإِنَّ بَني قَومِهِم ما أَفسَدوا عادوا لا يَرشُدون وَلَن يَرعوا لِمُرشِدِهم         فَالغَيُّ مِنهُم مَعًا وَالجَهلُ ميعادُ وَالبَيتُ لا يُبتَنى إِلّا لَهُ عَمَدٌ         وَلا عِمادَ إِذا لَم تُرسَ أَوتادُ فَإِن تَجَمَّعَ أَوتادٌ وَأَعمِدَةٌ          وَساكِنٌ بَلَغوا الأَمرَ الَّذي كادوا لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ لَهُم   وَلا سَراةَ إِذا جُهّالُهُم سادوا تهدى الأمور بأهل الرشد ما صلحت        فإن تولوا فبالأشرار تنقاد إِذا تَوَلّى سَراةُ القَومِ أَمرَهُمُ          نَما عَلى ذاك أَمرُ القَومِ فَاِزدادوا كَيفَ الرَشادُ إِذا ما كُنتَ في نَفَرٍ         لَهُم عَنِ الرُشدِ أَغلالٌ وَأَقيادُ أَعطَوا غُواتَهَمُ جَهلاً مَقادَتَهُم    فَكُلُّهُم في حِبالِ الغَيِّ مُنقادُ حانَ الرَحيلُ إِلى قَومٍ وَإِن بَعُدوا         فيهِم صَلاحٌ لِمُرتادٍ وَإِرشادُ فَسَوفَ أَجعَلُ بُعدَ الأَرضِ دونَكُمُ         وَإِن دَنَت رَحِمٌ مِنكُم وَميلادُ إِنَّ النَجاةَ إِذا ما كُنتَ ذا بَصَرٍ         مِن أَجَّةِ الغَيِّ إِبعادٌ فَإِبعادُ   فقلت بعد هذا لا حياة إلا بعد تجربة وجهد، ولا استقامة إلا بعد بصيرة ورشاد، ولكن أقول آن الأوان لأتخلص من ميراث الحزن..   لكل من آلمني، لكل من جرحني، لكل من هزمني، لكل من هجرني، لكل من كسرني لكل من قتلني.   كنت لا أعرف شيئًا غير الحزن، ولا أفهم أمرًا غير القهر، ولا أعبر جوًّا غير الظلام، كفاني جروحًا، وأسقامًا وأحزانًا وسهامًا، تنفست الهواء النقي، والنسيم الشجي والجو المعطر.   أضم صور أحزاني بين أضلعي، أسطر آهاتي على شفتي، أرسم ملامحها على أحلامي، كل ليلة وأدونها على ذكريات شجوني.   وعند فراقي لبلادي الذي استمر طويلاً 40 عامًا بدون أن أدري، قلت لها وداعًا يا حمامة الحب، ويا مراتع الصبا، ويا ديار الأحبة، ويا عبق الأماني، ومراتع الأحلام.   وحين استقررت في الغربة، همست للريح أن تحمل سلامي إليها، وللطير أن ينقل عشقي المشبوب إلى سامعيها، وخطابي المستور إلى ناظريها، وهذا وبعد حلم الرجوع إليها عثرت على مشاعري، وسمعت شقشقة العصافير الطليقة، ورسمت عيناي الناجية وردة الحب على رمال الصحراء، وعشقت رياح السكون فهدأت الليالي الحوالم، وتحول ضجيج زوار الليل إلى زغردة الكرى الحالم، وهدأت أحاسيس نفسي وارتاحت أوطار ضميري وأُلهمت إلى طريق ربي وهداية خالقي، فقلت:   الحَمْدُ للّهِ الأَوَّلِ قَبْلَ الإنْشاءِ وَالإِحْياءِ والآخر بَعْدَ فناء الأشياء، العَلِيمِ الَّذِي لا يَنْسى مَنْ ذَكَرَهُ وَلا يَنْقُصُ مَنْ شَكَرَهُ، وَلا يَخِيبُ مَنْ دَعاهُ، ولا يقطع رجاء مَنْ رَجاهُ، اللّهُمَّ إِنِّي اُشْهِدُكَ وَكَفى بِكَ شَهِيدًا، وَاُشْهِدُ جَمِيعَ مَلائِكَتِكَ وَسُكَّانَ سَماواتِكَ وَحَمَلَةَ عَرْشِكَ، وَمَنْ بَعَثْتَ مِنْ أَنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ، وَأَنْشَأتَ مِنْ أَصْنافِ خَلْقِكَ، أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلا أَنْتَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ وَلا عَدِيلَ وَلا خُلْفَ لِقَوْلِكَ وَلا تَبْدِيلَ، وَأَنَّ مُحَمدًا، صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ، عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، أَدّى ما حَمَّلْتَهُ إِلى العِباد،ِ وَجاهَدَ فِي اللّهِ عَزَّ وَجلَّ حَقَّ الجِهادِ، وَأَنَّهُ بَشَّرَ بِما هُوَ حَقٌّ مِنَ الثَّوابِ، وَأَنْذَرَ بِما هُوَ صِدْقٌ مِنَ العِقابِ.   اللّهُمَّ ثَبِّتْنِي عَلى دِينِكَ ما أَحْيَيْتَنِي، وَلا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي، وَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهّابُ.   اللهم صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آل مُحَمَّدٍ، وَاجْعَلْنِي مِنْ أَتْباعِهِ وَشِيعَتِهِ، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَتِهِ، وَوَفِّقْنِي لأَداءِ فَرْوضك، وَما أَوْجَبْتَ عَلَيَّ فِيها مِنْ الطّاعاتِ، وَقَسَمْتَ لأهْلِها مِنَ العَطاءِ فِي يَوْمِ الجَزاءِ. إِنَّكَ أَنْت‌َ العَزِيزُ الحَكِيمُ.   فهتف بي هاتف لا تحزن إن الله معك، ولا تبتئس فالله عونك ونصيرك، ولكن كن صلبًا وبطلاً، ولا تكن كبشًا أو هرًّا، فالناس لا تحترم الضعفاء كن صخرة تدمي فحاكمنا   يخشى الصخور ويعصر العنبا وكن العواصف لا نسيم الصبا   كن غابة النيران لا حطبًا واسحق نفوسًا غير طاهرة    أضحت لرأس خطيئة ذنبًا إن لم تبث الرعب في دمهم    ستظل طول العمر مرتعبًا قد عادت الأوثان ثانية    وبنو قريظة أصبحوا شعبًا   ولإن عادت الأوثان وبنو قريظة، فقد عاد الصحب المسلم والأبطال الكماة ورجال الإيمان والصدق، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، إن شاء الله، ولله الأمر من قبل ومن بعد، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل