المحتوى الرئيسى

زلزال في المنهج السلفي

06/06 11:57

فراج إسماعيل أطلق السلفيون في مصر حزباً سياسياً باسم "النور" وهو تطور كبير في المنهج السلفي الذي لا يقر التحزب ولا يؤمن بالديمقراطية بمفهومها الحديث. ولا يتدخل في شئون الحكم ويحرم الخروج علي ولي الأمر. أي "الحاكم". الليبراليون واليساريون ورموز أقباط المهجر يسمون السلفيين "وهابيين" نسبة إلي الدعوة الوهابية. وفي هذا ربط كامن بين السطور. بينهم وبين السعودية.. ولذلك أثاروا أكثر من مرة أن السلفيين المصريين يرفعون "علم السعودية" في مظاهراتهم واعتصاماتهم كما حدث في مظاهرات مدينة قنا. احتجاجاً علي تعيين محافظ قبطي. وقد رد الدكتور صفوت حجازي أحد أبرز وجوه التيار السلفي في مصر بعد ثورة يناير. بأن ذلك "العلم الأخضر" هو علم إسلامي عبر التاريخ. ولا يعني استقواءً بالسعودية. ونفي في برنامجه "واجه الصحافة" الذي يقدمه الإعلامي السعودي داود الشريان في قناة "العربية" أن يكون للسلفية المصرية ارتباط بالسلفية السعودية. تأتي خطوة إطلاق حزب "النور" لتضرب عدة عصافير بحجر واحد في سماء الجدل السائد حالياً. فالتيار السلفي المصري الذي يتم إظهاره دائماً بأنه متشدد ومتزمت ورافض للديمقراطية. يعيد إنتاج نفسه وتقديمها في حزب سياسي ينافس الأحزاب الأخري بموجب دستور مدني. وقد يصل إلي الحكم عبر الصناديق. وفي هذه الحالة لا يملك سوي الانصياع للدستور الذي يحدد أطر التعامل مع الأقباط. وحقوق المرأة الشخصية والسياسية والاجتماعية. والسياحة. والآثار. والأضر حة. وهذه أبرز المجالات التي يخشي عليها من السلفيين. لا أعرف حالياً مدي تأثير خطوة سلفيي مصر علي المنهج السلفي بوجه عام. لكنه زلزال كبير سيعدل الكثير من المفاهيم الراهنة عن السلفية التي قدمت نفسها للعالم إما بوصفها "سلفية جهادية" تنتهج أسلوب العنف كما حدث من تنظيم القاعدة والجماعات الإسلامية في مصر والجزائر والجزيرة العربية والمغرب العربي وشمال أفريقيا. أو "سلفية علمية" تقوم علي الدعوة والمحاضرات وتتمسك بتطبيق الشريعة حرفياً وتمنع الخروج علي الحاكم وتعتبره فساداً وإفساداً. وترفض الديمقراطيات الحديثة والانتخابات. ما فعله السلفيون المصريون يعني أن "السلفية" ليست كياناً جامداً يستند علي العصر الإسلامي الأول. بل يمكنه الاجتهاز والتجديد وفق روح العصر. وأن الخشية منهم ليس لها مبرر. ما كان يمكن إعلان ولادة حزب "النور" السلفي دون استشارة شيوخ السلفية وأعمدتها ورموزها وعلي رأسهم الدكتور ياسر برهامي والدكتور محمد إسماعيل المقدم "مؤسس المدرسة السلفية في الإسكندرية التي تشكل قاعدة السلفيين المصريين" والمهندس عبدالمنعم الشحات. والشيوخ ذوو الجماهيرية العريضة مثل محمد حسان وأبو إسحاق الحويني ومحمد حسين يعقوب. نتوقف أمام أهداف الحزب التي تناولها وكيل المؤسسين عادل عبدالغفار "المصري اليوم 31 مايو" وإنما أعتبرها مجرد مرجعية عليا. وهذا يتطابق مع روح الدستور المدني الحالي في مادته الثانية التي تجعل الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع. بل يذهب حزب "النور" السلفي إلي أبعد من فضاء جميع دساتير مصر بدءاً من دستور 1923. بحديثه عن "تأمين الحريات الدينية للأقباط. وإثبات حقهم في الاحتكام إلي ديانتهم".. وفي فقرة أخري يشير إلي أن للمسيحيين ما للمسلمين وعليهم ما عليهم.. "تعبيراً عن المساواة الكاملة في المواطنة".. وفي ذلك اعتراف صريح بحق القبطي في تولي الرئاسة والوظائف الكبري شأنه شأن المسلم. البابا شنودة طالب بعدم حذف المادة الثانية المثيرة للجدل. لكن أن تضاف إليها عبارة "لأهل الأديان السماوية الأخري الاحتكام إلي ديانتهم". وها هو الحزب السلفي يوافق تماماً علي تلك الجزئية. ويؤكد علي إقامة دولة عصرية علي الأسس الحديثة ورفض نموذج الدولة الدينية. ويعطي الحزب الأزهر قيمته ودوره الكبير في قيادة الدين الإسلامي في مصر. وهذا تحول آخر فقد عُرف عن السلفيين سابقاً أنهم يسبحون في تيار معاكس للعمامة الأزهرية. وهكذا يمتد زلزال التغيير في مصر إلي التيار السلفي. ويجب النظر إلي ذلك بانفتاح وحيادية وتقييم موضوعي. فنحن في أمس الحاجة إلي بناء دولة عصرية غنية بالكيانات المتنوعة. *نقلا عن "الجمهورية" المصرية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل