المحتوى الرئيسى

> خرافات أخري

06/05 21:18

كتب - محمد خيرشاعر وكاتبقلنا في الأسبوع الماضي إن الخرافة في أبسط تعريف هي "الربط بين ظواهر لا رابط بينها"، وفي دراسة للباحثين نجيب اسكندر ورشدي منصور (مسلم مسيحي إيد واحدة!) أصدرها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية تمكن الباحثان من تحديد 274 خرافة يؤمن بها 63 بالمائة من المصريين منهم 11 في المئة من المثقفين والسياسيين والرياضيين، لكن الدراسة لم تتطرق لطبيعة الحال للخرافات السياسية التي تنتشر بين المصريين وازدادت انتشارا بعد ثورة يناير، استعرضنا بعضها الأسبوع الماضي، ونواصل هذا الأسبوع: المجلس الرئاسي المدني يمكن لكشك سجائر صغير ومنسي أن يعلق صاحبه لافتة تقول "العالمية لتجارة الدخان"، ولكن هذا لن يجعله شركة عالمية لتجارة الدخان، ويمكن لطفل صغير أن يرتدي بذلة ضابط بوليس ولكن هذا لن يجعله ضابط بوليس، يمكن أيضًا أن نختار ثلاث شخصيات مدنية محترمة لتشكيل مجلس رئاسي، لكن هذا لن يجعله مجلسا رئاسيا. الكثيرون من مخلصي النية يرون في المجلس الرئاسي المدني حلا سحريا لمشكلات السياسة والإدارة التي فرضها اسناد حكم البلاد لمجلس عسكري ليس مؤهلا بطبيعته لتلك المهمة، والواقع أن مسألة عدم الأهلية تلك لا تنحصر في المجلس العسكري فالمعارضة أيضا بكل أطيافها ليست مؤهلة بعد لحكم البلاد، فلا المجلس العسكري تصدي لتلك المهمة من قبل، ولا المعارضة ظنت أن يوما ما سوف يأتي وينكسر الحكم اللانهائي لعائلة مبارك، المجلس والمعارضة كلاهما لم يراكم الخبرة للحكم السياسي المدني ناهيك عن أن يكون في مرحلة تحول ديمقراطي. لكن من يري في المجلس الرئاسي حلا مناسبا يظن أن الأسماء والكلمات تقرر الواقع، نتذكر هنا المثل الشعبي "ماكانش حد غلب"، فالواقع تفرضه موازين القوة علي الأرض، والمجلس العسكري هو القوة التي تمسك بالبلاد وتحميها في آن واحد، وإذا كنا لم نناقش بعد بما يكفي طبيعة العلاقة بين الجيش وأول رئيس مدني منتخب في مصر، فكيف نظن أن السلطة الرئاسية ستستقر في يد مجلس رئاسي هو "تعددي، غير منتخب، غير منصوص عليه في الدستور"، تعددية الرئاسة تجربة نادرة لم يشهدها العالم سوي في تجارب بعيدة كل البعد عن مصر سواء في المطلق أو وضعنا الحالي، شهدنا مثال تلك التجربة في بعض مراحل حكم الاتحاد السوفيتي في الستينيات، وشهدته بعض دول شمال أوروبا فيما بعد، التجربة السوفيتية فشلت، أما الاسكندنافية فكان مجلسا رئاسيا ثلاثيا، ومع ذلك فكان يتولي كل عضو من الثلاثة الرئاسة لسنة واحدة ثم تنتقل السلطة لزميله علي التوالي. في مجلس رئاسي مصري سنكون أمام ستار أو ديكور يضع عازلا جديدا بين الشعب والمجلس العسكري، ليضاف إلي الحكومة التي هي في الواقع لا تحكم. الأغلبية الصامتة حتي في الدول التي تعاني احتلالا أجنبيا فإن الذين ينخرطون في مقاومة الاحتلال لا يشكلون سوي أقلية من السكان، أسطورة "الشعب المناضل" ليست سوي أسطورة، بل يعاني الساسة في أكثر المجتمعات الديمقراطية تقدما مشكلة ضعف التصويت الانتخابي، الإنسان العادي يحلم بحياة مستقرة ومستقبل سعيد وأحيانا مجد شخصي، السياسيون مهما زادوا فهم أقلية، من هنا ندرك مدي خرافية المقولة الشائعة" في التحرير مليون إنسان، إذن 79 مليوناً مع مبارك"، يمكن إزالة اسم مبارك ووضع عشرات الأسماء أو الجهات الأخري، والواقع أن ثمة خلطاً متعمداً وغير متعمد بين الشعب السكاني والشعب السياسي، مع أن نتائج الانتخابات لا تعترف بمجموع السكان بل بمجموع من أدلوا بأصواتهم، كذلك الثورات لا تعترف بمجموع السكان بل بمجموع من استطاعوا إحداث التغيير. لنتذكر أن من أسقطوا شاوشيسكوا لم يتعدوا ثمانين ألفًا من أصل 20 مليون روماني. هزيمة الإرهاب من مفاخر عصر مبارك تلك المقولة الشائعة" لقد نجحنا في هزيمة الإرهاب"، والمقصود الصراع المسلح بين الدولة والجماعات الإرهابية في التسعينيات، لم يكن غريبا علي نظام أمني أن يلخص النصر والهزيمة في المفهوم الأمني، ونظرة واحدة إلي مقولات الجماعات المتطرفة في "المراجعات الفقهية" ومبادرة وقف العنف، تكشف أن القيادات قالت بصراحة إنها أوقفت العنف لأنه ألحق الضرر بالجماعة وبأفكارها، وليس لأنها اقتنعت بإجرامية ذلك السلوك، من هنا لا ينبغي أن نندهش من أن أفكار الجماعات نفسها لم تواجه أي هزيمة، وهاهي تعود بكامل قوتها ولكن من خلال صندوق الانتخابات المرتقب، نفس الاتهامات بالتكفير للأطياف الأخري للمجتمع، ونفس الرفض للأقباط والمرأة فضلا عن تقييد حرية الإبداع والتعبير والحريات الشخصية، مبارك لم يهزم الإرهاب، ولا "الشعب" هزمه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل