المحتوى الرئيسى

في حوار مع المفكّر التّونسيّ أحمد جْدَيْ حول تاريخيّة الثّورة التونسيّة بقلم محمّد خريّف

06/05 18:52

في حوار مع المفكّر التّونسيّ أحمد جْدَيْ حول تاريخيّة الثّورة التونسيّة عقدة الدّيكتاتور الّذي مُنح شهادة دكتوراء فخريّة من جامعة إيطاليّة ارتبطت كذلك بقدرته على تركيع صنف من دكاترة الجامعة التّونسيّة بقلم محمّد خريّف* جديْ أستاذ التّاريخ الحديث والمعاصر بالجامعة التّونسيّة يقول في الثورة التونسيّة : أحمد " يندرج ما تعيشه تونس منذ ديسمبر 2010 بكل جزئياته و تعبيراته ضمن منطق الحركات الاجتماعية والسياسية والثقافية في مفهومها العام و التي استطاعت في وقت قياسي الإطاحة برأس النظام الديكتاتوري و أدخلت فيه و عليه أكثر من سؤال و إرباك و افتراض كما لهذا الوضع أكثر من علاقة عضوية بدولة الاستقلال في تونس المعاصرة بمرحلتيها البورقيبية والبنعلية بما فيهما من قواسم مشتركة واختلافات واستمرارية ذلك أن دولة الاستقلال هي دولة الحزب الحاكم والواحد إذ ارتبطت هذه الدولة بالحزب الاشتراكي الدستوري في زمن بورقيبة وبالتجمع الدستوري الديموقراطي في زمن بن علي و من هنا يمكن التأكيد على أن ما حصل في تونس أخيرا هو إفراز تاريخي لما يزيد عن 50 سنة من حكم الحزب الواحد الذي استولى على الدولة كما المجتمع في كل المستويات و المجالات الجغرافية و بكل المقاييس من رموز الدولة الى أعوانها في مختلف مسؤولياتهم من وزراء و سفراء و قناصل وكتاب دولة وولاة وكتاب عامين للجان تنسيق الحزب الحاكم وعمد و مديري المؤسسات العمومية كما الخاصة في التعليم والبنوك والفلاحة والصحة والاقتصاد وغير ذلك من شرايين الدولة ونتج عن ذلك تكوين شخصنة الحزب و شخصنة النظام و شخصنة الدولة مما أجهض ولادة مؤسسة حديثة فبورقيبة هو رئيس الحزب و رئيس الدولة وورث بن علي المنهج نفسه مع فوارق و يلتقي كلاهما في العلاقة العضوية بين الحزب الحاكم ومؤسسات الدولة والنظام السياسي و ما انجر عنهما من انخراط المجتمع بتفاوت حسب الجهات والمستويات في المنطق السائد الذي عرف عند بورقيبة بالمجاهد الأكبر و عند بن علي بصانع التغيير و الحقيقة أن كل علوم الإنسان والمجتمع من إعلام و اقتصاد سياسي و علم اجتماع و أنتربولوجيا و علم نفس و علوم سياسية وقانون و جغرافية اقتصادية و تهيئة مجالية وعمرانية وغيرها تبين أن طبيعة هذا الحكم مارست التهميش والإقصاء والعنف بأكثر من آلية و في أكثر من مستوى حفظها تاريخ تونس المعاصر على غرار تصفية صالح بن يوسف و منع الحزب الشيوعي التونسي و الصدام الدامي بين الاتحاد العام التونسي للشغل في 26 جانفي 1978 و غير ذلك من الحركات الاجتماعية السياسية الاحتجاجية والمعارضة لمنهج الحكم البورقيبي والبنعلي" . هذالقول كان لنا حافزًا على إجراء الحوار التالي: هل لمنظومة الواحد ما يبرّر و جودها بالقوّة والفعل في النّصّ الضّاغط الفاعل في المجتمع التونسيّ منذ عهد البايات و قبله ؟ ليس الأدب بكل تعبيراته سوى الإنتاج المادي الثقافي والسياسي الاجتماعي بامتياز لكل مجتمع في لحظة تاريخية معينة عبر نخبه و أعيان قلمه. لكن الخيط الناظم لهذا الأدب هو الحضور المكثف و أحيانا اللامشروط للواحد بكل معانيه و أبعاده حتى كاد يتحول الى نسق فكري قائم الذات. والمجتمع التونسي في العهدين الحديث والمعاصر ، في ظل حكم الدايات والبايات كما الأستعمار ودولة الاستقلال، هو بمثاية المخبر الذي يساعدنا الى حد كبير على تبيان هذا الواحد الموحد الأوحد في الأدب أو في في ممارسة الحكم والسياسي أو في النظر للحياة والكون عموما. وكل ذلك بالنهاية هو معطى حضاري أساسي لا دخل فيه للطبيعة التي لها نسقها الخاص و قوانين اشتغالها المنظمة و المنتظمة. و هذا الواحد ، أيا كان، منخرط بضرورة المنطق والوجود المادي والرمزي في جدلية مع الجمع و الآخر وبالتالي يكون منطق العلاقة الرابطة بينهما منطق تكامل واختلاف و صراع وائتلاف وفق الشروط المختلفة فيحرص الواحد على الحسم في مشاغله ورؤاه بكل الأشكال من فقه و مال وسياسة و قلم وسيف و ذلك ما يجسده المشهد الثقافي والأدبي والسياسي لتونس في عهد البايات الحسينيين على أكثر من مستوى بما أن المدونة التونسية المتنوعة والثرية على غرار آثار حسين خوجة و أحمد ابن أبي الضياف و محمود قابادو ومحمد الباجي المسعودي و محمد بيرم الخامس والمناعي و محمد ابن عثمان السنوسي وابن أبي دينار و قاسم عظوم والوزير السراج وغيرهم هي أعمال و إن اختلفت في أساليب التعبير والكتابة والتحرير والساقات والمواضيع فهي تلتقي أيما التقاء في السياسي المهيمن على المجتمع و في المجتمع المقاوم للسياسي أو المتماهي معه. وتتعدد أصداء هذا الحراك الفكري والسياسي والإجتماعي في حالات و شروط تاريخية مختلفة عرفتها البلاد ومن ضمنها الصراع الحسيني الباشي أم مابات يعرف في المأثور الشعبي بالفتنة الباشية التي انقسمت جراءها البلاد إلى صفين أو حزبين تجسد فيهما الصراع بكل الأدوات المتاحة والأشكال المناسبة لذات الغاية وكان من نتائجها القضاء على جبل وسلات و تشريد أهاليه الوسالتية. وبالتالي يكون الأنا المضخم والواحد المفرد في شكله السلطوي التسلطي الاحتكاري أداة من أدوات مسخ التطور الطبيعي للمجتمع الذي يفرز بفعل آلياته الداخلية طرق مقاومة خاصة به تتجاوز مخيال الحاكم الواحد و أدواته القمعية. فالرغبة في احتكار السلطة والتسلط من علامات الأنا المنتفخة التي يمكن إخضاعها للتحليل النفسي الاجتماعي حتى إن سلمنا بامتيازات الحاكم في حكمه و ذلك ما جعل المشهد السياسي في تونس البايات مشهدا مضطربا طيلة النصف الثاني من القرن الثامن عشر و هيّأ لدخول القرن التاسع عشر بعلامات ضعف كبيرة . وكان منطق الانفراد بالبلاد والعباد يزيد تجذرا في البلاد إلى حدود اندلاع ثورة علي بن غذاهم في ربيع 1864 معبرة عن رفضها للمنظومة السائدة في ممارستها السياسية للحكم كما في علاقاتها بالمجتمع عبر القوانين والجباية والردع . و مرة أخرى تشتغل آلة البايات الرّدعية للإجهاض علة على ثورة علي بن غذاهم والقبض عليه و التشنيع به ثم قتله. فالذي يبرر الوجود المادي بالقوة والفعل لمنظومة الواحد في شكل نظام سياسي فردي أو في شكل نسق فكري أحادي هو الرغبة اللامحدودة واللامشروطة في السلطة والتسلط والتحكم والاحتكار في الأرض وما عليها. ولا غرابة أن نجد أكثر من صدى لهذه التعبيرات والممارسات في المدونة التونسية الحديثة و إن بدرجات مختلفة و أساليب متنوعة لكنها تلتقي جميعا في الإشكال نفسه. و على هذا الأساس يكون الأدب في تونس باعتباره من أرقى أشكال التعبير الفني ملتصقا أيما التصاق بالتاريخ والساسة و رافدا لهما مجسدا حركية أعيان القلم في علاقاتهم بالمجتمع وبأعيان السيف. هل توافق على أن علم التكمبين في تونس يتطابق في المفهوم مع المفهوم البراغماتي للمارسة الساسيّة واستثمار مكرها من قبل النخبة و هو ما يتعارض مع ثورة الطبيعة غير المقيّدة بحيل القنص و طرق صيد السّمك البدائيّة التي يُعاد صوغها في شكل معاصر؟ يتميز سجل السياسة والسياسي عموما ، إن ممارسة أو تصورا و تنظيرا، بمعجمه الخاص والحافل بمفردات وبكلمات مفاتيح على غرار : فن الحكم وإدارة البشر، الدهاء، الحيلة، المكر والخداع،الخطاب المزدوج، التحالف، النتيجة تبرر الوسيلة، التكمبين، البراغماتية، الخ... ودون التعمق في تاريخ المفهوم و مختلف سياقاته وانطلاقا من التراث السياسي للإنسانية في تجربتها الطّويلة والثريّة والمعقدة للممارسات السياسية للحكام على اختلاف الأنظمة من أمبراطوريات و ممالك و إمارات و سلطنات و جمهوريات ، من المتفق عليه اليوم أن الممارسة السياسية للحكام عبر التاريخ لم تقطع جملة وتفصيلا مع المناورة والقتل والصراع العنيف لاحتكار السلطة و اعتماد كل المبررات والوسائل للوصول إلى سدة الحكم حتى أصبحت كلمة بوليتيك مرادفا للكذب والمناورة والحيلة والخداع وكل ما له علاقة باللاّ أخلاق. ومن البين أن الممارسة السياسية ظلت ولا تزال حكرا على النخب والأعيان باختلاف منحدراتهم ومستوياتهم وطموحاتهم كأن هذه النّخب و هؤلاء الأعيان ولدوا في هذا الكون للحكم وليس لغيره من الوظائف الاجتماعية فكانت الإنزلاقات والحروب والجرائم في حق الشعوب عبرت عنها الحركات الاجتماعية والثورات والانتفاضات والانقلابات والاغتيالات وأشكال أخرى من المقاومة والتحرر من حكم النخب و تحكمها و تسلطها فنشأت الديموقراطية كمفهوم و كمشروع سياسي لمجتمع بعينه والذي تباشر فيه المجموعات إدارة شؤونها بنفسها دون وساطة وتمثيل. والحقيقة التاريخية الثابتة عبر التجارب الإنسانية في الممارسة السياسية هي أن النخب عموما ذات العلاقة بالسياسي هي نخب ملوثة و ملطخة بالدماء استثمرت رأسمالها الرمزي و ثقافتها بالمكر والمناورة والدمغجة والنفاق من أجل احتكار السلطة بما تعنيه من امتيازات حتى أن بعض المفكرين انخرطوا في مقولة شهيرة مفادها " أن السياسة مشكل كل العالم" بما أنها تتلون حسب المجتمعات والغاية والآليات واحدة. فلا غرابة أن تكون الساسة في تونس الحديثة والمعاصرة متطابقة تمام التطابق مع التكمبين والمكر والحيلة والغدر في ممارسات النخبة السياسية والمسيسة. ألم يكن حسين بن علي وبايات العائلة الحسينية مثالا على ذلك في جزئيات الممارسة السياسية ؟ ألم يقتل العم من قبل ابن أخيه ؟ ألم يسجن الأخ من قبل أخيه؟ ألم يشرد الأخ من قبل أخيه؟ و في تونس المستقلة، ألم يقم الحبيب بورقيبة بتصفية خصومه السياسيين بشكل من الأشكال ؟ فالدراسة التحليلية والتاريخية للنخبة السياسية في تونس المعاصرة و تحديدا في دولة الإستقلال أمر ملح وضروري بما هو كفيل بكشف تلوث العلاقات القائمة في عالم النخبة السياسية التونسية كعلاقات بورقيبة بصالح بن يوسف وعلاقاته بالحبيب ثامر ومحمود الماطري و يوسف الرويسي و أحمد بن صالح و أحمد التليلي والحبيب عاشور ومحمد المصمودي و محمد مزالي والهادي نويرة الباهي الأدغم وبشير بن يحمد و غيرهم ؟ لا يمكن للتاريخ نسيان طبيعة العلاقة العدائية لبورقيبة باليوسفيين والشيوعيين التونسيين واليساريين التونسيين و حركة آفاق و القوميين العرب والبعثيين . كانت أناه منتفخة ومتضخمة لا ترى سواه في عالم السياسة بتونس كأنه يلخص النخبة عموما وتفصيلا و هذا هو العمى السياسي بذاته. أيمكن القول:" إنّ ثورة الهامش في تونس سفهت أحلام المحور الأكاديمي الذي جعل الديكتاتور دكتورا و نعت ثورته في كتب تلتقي مع نعوت " الغاية تبرر الوسيلة" ؟ العلاقة بين المركز والهامش هيكلية و ثابتة و متحولة و فق موازين القوى والسياقات والمواقع والعلاقات ورؤى المصالح والمجتمع والتناقضات. وكم هي عديدة الأمثلة التي بينت مقاومة الهامش للمركز في شكل انتفاضات و عصيان وغير ذلك بما أن الهامش يصبح فاعلا بعد أن كان تابعا للمركز منخرطا في منطقه و شبكة علاقاته. عرفت أروبا و أمريكا و آسيا و مصر و تونس و إفريقيا و غيرها مثل هذه الحركات التمرّديّة والاحتجاجية والعصيانية والانتفاضية والثورية لأسباب مادية أو سياسية أو ثقافية أو جميعها. كأنها علاقة السيد بالعبد لن تدوم على حالها و هي في جدلية الصراع الدائم. كتبت في جريدة الصحافة التونسية بتاريخ 15 ماي 2011 مقالا بعنوان " أعيان القلم في قطيعة مع العمق الإجتماعي" و مردّ ذلك أن الحركات الاجتماعية العميقة والعنيفة والقوية والواعدة عادة ما تفاجيء النخب وتربكها و تجعلها على هامش الفعل الثوري. ويمكن القول بأن ما تم في شتاء تونس 2010 و 2011 و تحديدا بداية من 17 ديسمبر 2010 الى غاية 14 جانفي 2011 فاجأ التونسيين والعالم وسفّه عديد التحاليل الأكاديمية المتسرّعة و خاصة منها تلك التي أنجزها دكاترة الديكتاتور المحيطين به في القصر أو المروجين لسياسته في رحاب الجامعة التونسية و هم يعرفون أنفسهم خبراء في القانون والاقتصاد والتصرف وعلم الاجتماع واللغة والأدب والفلسفة والثقافة . فعقدة الديكتاتور الذي منح شهادة دكتورا فخرية من جامعة إيطالية ارتبطت كذلك بقدرته على تركيع صنف من دكاترة الجامعة التونسية ليتحولوا أعوانا له لا فرق بينهم وبين البوليس السياسي والأمن الرئاسي فصالوا و جالوا لكن التاريخ بمكره و أسراره و قوانينه لا يرحم فسفهت أحلامهم و تحاليلهم و دراساتهم الاستشرافية بعد انخراطهم في خندق النفاق السياسي والماكيافيلية المقيتة عملا بالغاية تبرر الوسيلة دون قراءة متأنية و عميقة لكتاب الأمير و لم يروا في السياسة سوى الغنيمة والمصالح والإستباق لوليّ النّعمة فحصلت لهم القطيعة مع العمق الاجتماعي و مشاكله و طموحاته و أحلامه و آماله و آلامه فراحوا بالضرورة يكذبون و يكذّبون كل من خالفهم و يكيدون له الكيد و هم في الحقيقة غير عارفين بمسارات الأمم والشعوب المتحررة من كابوس الظلم والاستبداد بما أن الصراع لا يهدأ والخلل لا يدوم في انتظار لحظة حاسمة يعاد فيها ترتيب البيت بعد تغيير المعطيات. و من الواضح أن الأكاديميين التونسيين، اعتبارا لجذورهم و منحدراتهم و مواقعهم و طموحاتهم و مصالحهم، لم يكونوا كتلة قادرة على الصراع مع بورقيبة و ضده و في ظل حكم الديكتاتور فتحول الكثير منهم الى أعوان دولة و خبراء و مستقلين و معارضين ومنهم من غادر البلاد. كما وجب التأكيد على غياب المثقف العضوي لا بوصفه فردا من أفراد المجتمع بل كفئة اجتماعية قوية و متماسكة وقادرة على الفعل والنقد ومعارضة السلطة لنحت المجتمع المتوازن الذي لا تهزه الأزمات و تربك مسيرته. بل قلة هم المثقفون التونسيون الذين و تروا مواقف السلطة و عكروا صفوها وأربكوا صورتها و قدحوا في شرعيتها اعتبارا لمقولة إدوارد سعيد التي مفادها أن دور المثقف هو تعكير صفو السلطة و نضيف لذلك أن التعكير غير كافٍ طالما لم يفرض المثقف تصوره المجتمعي على السلطة بانخراطه في حركة اجتماعية مهيكلة و عميقة الطرح وواضحة السبل وواعدة الأفق. لقد وقع تدجين عدد كبير من الأكاديميين و إخضاعهم للصّمت أو التذيّل أو التمسّح علة عتبات السلطة فراح الكثير منهم يبحث عن شرعيّة في السّلطة عوض أن يجسدها في وظيفته الأكاديمية والعلمية والفكرية والإبداع و التجذر في البناء الاجتماعي . فكانت النتيجة أن تحول صنف منهم الى مهرولين من أجل الكرسي و المخزن الى درجة فقدانهم صفة الأكاديمي. هناك من يصف تهافت بعض المثقفين على تسجيل حضورهم إبان الثورة التونسية و بعدها رغم عدم خلو بطاقات سوابقهم من شواهد المساهمة في معاضدة الديكتاتورية بعمل "القناصة" البدائي. والقنص كالصيد يحتاج رصد و نصب كمين و إيقاع بالفريسة. كيف ترى ذلك ؟ إذا ما تأكدنا أن الثورة التونسية المندلعة في شتاء 2010 و 2011 ليس مردّه منطق الحتمية التاريخية بل هي إفراز لسيرورة مجتمعة كاملة للهامش فيها موقع متميّز بما هي بدأت الإنتشار والتوسع انطلاقا من داخل البلاد التي هُمشت عبر التاريخ فلا بد من الحذر في تحليل دور المثقف و وموقعه في الثورة. و عندما ينخرط المثقف بالمعنى الغرامشي في جهاز السلطة بكل آلياته و منعرجاته و مآزقه فإنه يفقد بالضرورة صفته و وظيفته تلك ليتحول الى تكنوقراط مطبق لأوامر الأمير و منفذا لسياسته مقتنعا بها أو دون اقتناع و يصبح تبعا لذلك عون دولة ليس إلاّ. وتهافت النخب والمثقفين على السلطة قي تونس و خارجها ظاهرة قديمة مستمرّة متجدّدة بحثا منهم عن مزيد الامتيازات والمواقع والمصالح المادية والسّياسية والرّمزية فلا يتركون فرصة التعبير عن الموالاة والتأييد والمبادرة فضلا عن طرق أخرى ضمن السلوك الفردي في السر والعلن مع السلطة و مختلف ممثليها. فهم بهذا السلوك " قناصة" و " صيادون" في حاجة الى فريسة موجودة حتما في المجتمع. و بديهي التركيز على العلاقة العضوية بين الحاكم والمثقف باعتبار هذا الأخير يشرع و يفتي و يحلل ويحرم لسلوك السلطة و ممارستها دفاعا عنها أيما دفاع حتى إن تحول أحيانا إلى كبش فداء و ضحية. و من مميزات هذا الصنف من المثقفين الذين يعيشون في فلك السلطة بدرجات مختلفة أنهم يتلونون كالحرباء وفق السياقات والعلاقات والمصالح دفاعا في الآن ذاته عن موقع وليّ النّعمة وهن المصالح الشخصية والعائلية الضيّقة التي لاترقى بالمجتمع ككل. فيكونون بذلك أعون تنفيذ للظلم والتمييز الاجتماعيين والحيف والجبروت والإقصاء و كبت الحريات بكل مظاهر الاستبداد السياسي والثقافي والاجتماعي. ومن النتائج المباشرة والعلنية للثورة التونسية أنها فضحت عددا هاما من من هذا الرهط المحسوب على الثقافة و عرّتهم أفضل تعرية إذ بعد أن كانوا بوق دعاية الدكتاتور في كل المواقع أصبحوا من زعماء الثورة-وهي منهم بريئة- ومن ألد أعداء الدكتاتور الذي جعل من البلاد والعباد مرتعا خاصا و شركة عائلية بكل المقاييس وبذلك يكون هذا الصنف من المثقفين التونسيين شهود زور و مشاركين في الغنيمة والجريمة على حد السّواء. *ناقد من تونس

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل