المحتوى الرئيسى

شعوب متآمرة!

06/05 03:26

نهلة الشهال منطق الانظمة أعوج (كل الانظمة, بما فيها أرقاها, فكيف بتلك المنحطة?!). السلطة في سورية تحصي المتظاهرين وتعتبر ان شرعيتها لم تمس طالما لم ينزل الى الشارع 17 مليون سوري زائداً واحد, اي نصف عدد السكان! تصبح السلطة في سورية فجأة مستندة الى تصويت الاغلبية, ولكنه تصويت من نوع غريب, غير مسبوق. أن يكون هناك عدة آلاف يتظاهرون في المدن الكبرى وفي الارياف, منذ شهرين حتى الآن, ويقتل منهم كل يوم العشرات ويعاودون الكرة, فهذا سخيف بنظر العباقرة الذين يديرون آلة النظام الاعلامية. يبقون قلة. ويتفننون في تبرير مقتل طفل عذب حتى الموت: لا أثر للتعذيب, لعله قتل فوراً بالرصاص.. ولما لا "مات بالسكتة القلبية"!! دعك من الوحشية, فهذه لا تحتاج الى برهان, ولنكن براغمائيين. يراهن النظام السوري على ثلاثة عناصر لينقذ نفسه. أولها القمع الشديد, والذي ما زال يؤمل منه الاخافة والردع والدفع الى الاحجام, وأيضاً إرهاق الحركة الاحتجاجية وحملها على اليأس. وهذا منحى كلاسيكي لدى الانظمة كلها, بما فيها تلك التي لا تقتل الناس في الشوارع. ولكن خطأ هذا الحساب في سورية اليوم أنه لم يلاحظ التغيير اللاحق بمشاعر الناس, التي تخطت فعلاً حاجز الخوف, وباتت في موقع آخر. ثم هي وصلت الى ما يقال له بالدارجة "يا قاتل يا مقتول", وهي حالة يصبح فيها التراجع أكثر كلفة من الاستمرار. ومن نافل القول أن الناس لا يثقون بوعود النظام, ولا بالعفو المعلن, وهم موقنون أن قمعاً أشد, ولكن بالمفرَّق, سيلحق بهم إن توقفوا عن انتفاضتهم. وهذه معادلة متطرفة, أوصل إليها مسلك السلطة السورية: مسلكها التاريخي المعهود, ومسلكها الراهن بالغ البشاعة. والمعادلة نفسها كلاسيكية أيضاً, فالمجتمعات التي تعاني من أنظمة شديدة القمع, غالباً ما تنفجر دفعة واحدة ويكون انفجارها من النوع الذي يلامس نقطة اللارجوع. وبالطبع, وحتى نبقى براغمائيين, فيمكن للقمع أن ينال من الانتفاضة, ولكن غدُ ذلك ليس كأمسه, وقد تطلب الامر من حافظ الاسد جهوداً جبارة وتنازلات كبيرة ليعيد الهدوء الى سورية بعد مجزرة حماه: في اتجاه القوى المتنفذة, وبالأخص طبقة رجال الاعمال والتجار المدينيين, ما سمي الانفتاح الاقتصادي, وفي اتجاه الامريكان الذين كانوا ما زالوا يحتاجون النظام السوري كضابط لإيقاعات لبنان والحركة الفلسطينية, وآخر الملفات كانت مشاركة دمشق في الحرب الاولى على العراق, في موقع حفر الباطن الشهير. ذلك كله مع العلم أن النظام نجح وقتها في تصوير الامر على أنه مؤامرة من الاخوان المسلمين, ومع العلم أيضاً أن مجمل المعطيات الاقليمية والدولية كانت مختلفة تماماً عما هي عليه اليوم: لا انتفاضات في المحيط بل هزائم موجعة, الحرب الايرانية العراقية على أشدها, وهي محور التوتر العام, إلى آخر ما يجعل تكرار حماه مستحيلاً ويضع للقمع الجاري من دون التقليل من شأنه حدوداً لا يبدو أن أهل النظام يدركونها, بل لعلهم لا يتمكنون من فهم لماذا لا ينفع اليوم الاسلوب الذي اعتادوه. لا ينبغي التقليل من شأن العجز عن الادراك والبلادة والغباء في ما تقترفه الانظمة, والدلائل أكثر من أن تحصى. العنصر الثاني هو المراهنة على هدوء دمشق, قلب النظام وواجهته, وهو هدوء مدفوع بأسباب متعددة, حيث تتمركز فيها الاجهزة الامنية, وحيث استفادت هي أكثر من سواها بكثير من الخطط الاقتصادية الانفتاحية, وحيث تقاليد صراع المدن الكبرى في سورية تجعلها في موقع المحافظة. وهذه مراهنة نصف ناجحة, ف¯"خيانة" بازار دمشق ستكون ذات مفاعيل محدودة هذه المرة مقارنة بأحداث 79¯,82 بسبب توسع رقعة الانتفاضة. العنصر الثالث, هو الاخافة من الفوضى. وهذا ما تبقى للنظام!! لا الممانعة ولا مقارعة اسرائيل, بل مشهد بلد ينزلق الى الاحتراب والدماء والثارات. وهذه مراهنة ناجحة! ففي حقيقة الامر سيقاتل النظام دفاعاً عن استمرار وجوده في السلطة حتى آخر سوري, ولنا في أمثلة القذافي وعلي عبدالله صالح شواهد. وسيخسر في نهاية المطاف ويزول...ولكنه لا يعرف! ولا شك ان هذا السيناريو مرعب للسوريين, كما للمجتمعات المحيطة. وأما المبادرات من قبيل العفو العام وتشكيل لجنة من شخصيات ثانوية في النظام تحار حتى الآن في كيفية مباشرة الحوار الوطني (!) وعما إذا كان وطنياً أم مناطقياً الى آخر هذه المهزلة, وأما استدعاء بعض القوى بالمفرق من قبل الرئيس نفسه, وتشريفها بتخصيصها باستماع دقيق, كما جرى مع رؤساء العشائر ثم رؤساء الاحزاب الإثنية (الاكراد هنا), فمحاولة بدائية لاستعادة زمام الموقف. يا للبؤس!. *نقلا عن "العرب اليوم" الأردنية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل