المحتوى الرئيسى

فى البحث عن قانون دور العبادة

06/04 08:10

هذا خبر مهم، ضاع فى زحام طوفان الأخبار التى تمطرنا بها صحف وفضائيات ينتمى معظمها إلى مدرسة إعلام «يا مطرة رُخّى.. رُخّى.. على قرعة بنت أختى»، مع أننا فى حمارة ـ بالحاء وليس بالخاء ـ القيظ، ومع أن بنت أختى تضع على قرعتها باروكة، وهى مدرسة تعنى بأخبار فساد وديكتاتورية الماضى، وبفضائح النظام الذى رحل أكثر مما تعنى بأخبار المستقبل وملامح النظام الذى يحل محله، وبالضمانات التى تكفل له أن يكون ديمقراطياً وعادلاً وطاهر اليد، وتحول دون تكرار الماضى، ودون عودة أمطار الفضائح لترخ فساداً على باروكة بنت أخت البعيد، ونجد أنفسنا أمام الحقيقة المريرة التى سبق للشاعر «أمل دنقل» أن أنذرنا بها حين قال «لا تحلموا بعالم سعيد.. فخلف كل قيصر يموت.. قصير جديد». والخبر يقول إن مجلس الوزراء وافق فى اجتماعه يوم الأربعاء الماضى على مشروع قانون بقواعد وشروط إنشاء دور العبادة، وقرر طرحه للنقاش المجتمعى قبل رفعه إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة لإصدار مرسوم بقانون به.. وهو خبر ترجع أهميته إلى أنه مقيد فى جدول أعمال التاريخ منذ أربعين عاماً، حين طالبت لجنة تقصى الحقائق التى شكلها مجلس الشعب عام 1972، بإصدار قانون بهذا الشأن فى أعقاب حرق أول كنيسة فى مدينة الخانكة. ولأن التوصية لم تنفذ، والقانون لم يصدر فقد تتالى منذ ذلك الحين عرض حلقات مسلسل الاحتكاكات الطائفية، وأصبح السبب الرئيسى له هو لجوء المصريين التابعين للكنيسة الأرثوذكسية ـ فى مواجهة التعقيدات البيروقراطية والعقبات التى توضع أمام بناء أو إصلاح الكنائس ـ إلى تحويل بعض البيوت أو مبانى الخدمات الاجتماعية إلى كنائس للصلاة، لتصبح هذه المبانى هدفاً لاعتداء المتشددين من المسلمين، باعتبارها مبانى أقيمت دون ترخيص، ثم تصاعد التوتر لتتحول حتى الكنائس التى بنيت بترخيص هدفاً للهجوم والتدمير.. وفى أحيان ليست نادرة للحريق والتفجير.. على النحو الذى وصل إلى ذروته فى غزوة كنيستى إمبابة التى حسمت تردد الحكومة، فتعهدت بإعداد قانون دور العبادة.. خلال شهر. ومع أن الحكومة تستحق الشكر والتقدير، لأنها أوفت بعهدها وانتهت من إعداد مشروع القانون فى الموعد الذى حددته، وقررت كذلك ـ فوق البيعة ـ طرحه للنقاش المجتمعى، فعدلت بذلك عن سياسة إعداد القوانين فى غرف مظلمة، ثم إطلاقها فى وجوهنا من دون إحم ولا دستور على طريقة «اللى مش عاجبه يشرب م البحر» وكأنها حكومة «أحمد عز» وليست حكومة «عصام شرف» إلا أنها أبت أن تكمل جميلها، وأن تبرهن على أن العهد البائد قد باد بالفعل، فلم تنشر النص الكامل للقانون.. واقتصرت على أربعة سطور وردت فى موجز رسمى لدستة ونصف الدستة من القرارات التى أسفرت عنها جلسة مجلس الوزراء، يتصدرها خبر رفع الضرائب على السجائر، تقول إن قانون دور العبادة «أعطى المحافظين اختصاص الترخيص ببناء دور العبادة أو هدمها أو إصلاحها أو تجديدها أو إجراء تعديلات فيها، وتوسيعها أو ترميمها وفق شروط حددها»! ولو كان ذلك هو ـ فقط ـ نص القانون، فلا جديد فيه يتطلب إصداره من الأصل، إذ كانت هذه السلطات جميعها فى يد رئيس الجمهورية، حتى سنوات قليلة مضت، حين قرر الرئيس السابق أن يفوض فيها المحافظين، باستثناء الأمر ببناء الكنائس الذى ظل رهيناً بصدور قرار جمهورى بذلك. ولم يكن الأمر فى حاجة إلى قانون جديد، اكتفاء بأن يفوض الرئيس ـ أو من يتولى سلطاته ـ المحافظين فى إصدار قرارات بناء الكنائس.. وهو إجراء لم يحل المشكلة، ولم يوقف التوترات والاحتكاكات الطائفية، إذ تفاوتت تقديرات المحافظين لضرورات البناء والإصلاح والترميم والتوسيع، طبقاً لثقافتهم الموروثة، ورؤاهم السياسية، وما يحيط بهم من ضغوط طائفية محلية على نحو كشف عن أن الأمر يتطلب قواعد قانونية موضوعية لتطبيق النص الدائم فى كل الدساتير المصرية، بما فى ذلك الإعلان الدستورى القائم، الذى يلزم الدولة بضمان الحق فى ممارسة الشعائر الدينية باعتبارها أحد الحقوق العامة للمصريين.. قواعد يلتزم بها الجميع، ويكون القضاء هو الفيصل عندما يخالفها أى طرف. والمطلوب الآن هو أن تنشر الحكومة النص الكامل للقانون، ومذكرته التفسيرية التى تحدد الأسس التى بنى عليها والمشاكل التى سوف يحلها، وأن تدعو إلى مناقشة مجتمعية منظمة له، تشمل ممثلين لكل الأطراف المعنية، والفعاليات الشعبية ذات الصلة، إذ لا جدوى من نقاش مجتمعى حول نص لم يقرأه أحد، ومشروع قانون يبدو أنه من مخلفات حكومة «أحمد عز» وليس من إنجازات حكومة «عصام شرف»! ورحم الله «أمل دنقل» الذى تمر ذكرى رحيله هذه الأيام!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل