المحتوى الرئيسى

الحـــزب والثـــورة

06/03 22:47

حسن حنفي ضمن الأدبيات الثورية الشائعة يأتي "الدولة والثورة"، كتاب لينين الشهير، والأقل شيوعاً "الحزب والثورة". وفي تحولات يناير المصرية لا خوف على الدولة، فالدولة راسخة في عمق التاريخ مثل النيل أو الشعب. إنما الخوف على الثورة من الحزب، على الكل من الجزء، على الهدف البعيد من الهدف القريب، على الغاية من الوسيلة، على الهدف من الأداة. الخوف على التحولات من أن تفقد أسباب نجاحها، وقوة انطلاقها، وقدرتها على الثبات والاستمرار. فقد تجاوزت أحزاب المعارضة القائمة في مقر. كما تجاوزت تنظيمات المجتمع المدني مثل جمعيات حقوق الإنسان وأشكال المعارضة الجديدة مثل "كفاية"، وحركة 9 مارس، وحركة 6 أبريل. وفاقت كل توقعات أكثر السياسيين تفاؤلًا من حيث التوقيت، 25 يناير، والمدة ثلاثة أسابيع. كان عصبَها شبانٌ جدد لم يمارسوا العمل السياسي المنظم. عانوا من الفقر والقهر والبطالة والحرمان والضياع والتهميش، وما يرونه أمامهم من ثراء فاحش وفساد علني وشلة حاكمة على مدى عدة عقود وتوريث قيل إنه قادم. تجمع الشباب حول الوطن من أجل إنقاذه بصرف النظر عن الانتماءات السياسية أو الدينية للمواطنين. اجتمعوا من أجل تحقيق أهداف مشتركة. تطورت تدريجيّاً حتى تبلورت في "الشعب يريد إسقاط النظام". وهو رمز الثورة وشعارها الأول الذي سرى في كل التحولات العربية سريان النار في الهشيم مع بعض التنويعات عليه من إسقاط إلى محاكمة. وما زالت باقي أهداف التغيير لم تتحقق بعد. وعود لم يتحقق منها إلا القليل، وبإيقاع بطيء وتحت ضغط ميدان التحرير، قلعة الثوار. بدأ الكل يخشى من فقدان التحولات عناصر نجاحها الأولى، وهي لم تحقق أهدافها بعد: محاكمة بعض رجال الحكم السابق، حل المجالس المحلية، إلغاء المحاكم العسكرية، تغيير الطاقم الإعلامي، تغيير قيادات المؤسسات العلمية والثقافية والإنتاجية. الغاية برنامج ثوري يتحقق بعد نجاحها. ولا يتوقف بانتصارها. والأصعب ثورة الأذهان والعقول القادرة على الحفاظ على نجاح الثورة على الأمد الطويل وليس مجرد تغيير نظام الحكم. ما زال مبكراً تفتيت الثورة في الصراع الحزبي، والتخلي عن الكل لمصلحة الجزء. مازال مبكراً اقتطاف الثمرة قبل نضجها. فلا الثورة هي الحزب، ولا الدولة هي الحزب. الثورة محمول، والحزب حامل. والدولة هيكل، والحزب أحد أركانه. وإعطاء الأولوية للحزب على الثورة أو الدولة هو وضع العربة أمام الحصان. وهو بداية النفاق الثوري. ثورة في الظاهر، وحزبية في الباطن. الولاء الوطني في الظاهر والمصلحة الحزبية في الباطن. والحزب بلا وطن سمك من دون ماء. إن من السابق لأوانه الانتماء الحزبي وإعطاؤه الأولوية على الانتماء الثوري. فأحزاب المعارضة القديمة في حاجة إلى وقت لتنشيطها ورد الحياة إليها. وإن لم تكن قد أدت إلى الثورة فإن الثورة تعيد إطلاقها بتغيير دمائها. والأحزاب الجديدة في حاجة إلى وقت لبنائها ووضع برامجها وعرضها على الجماهير، وممارستها، وتحويلها من فكرة إلى قوة، ومن نية طيبة إلى عمل جماهيري. أحزاب لم يسمع عنها الناس. وكثرت بحيث لم يعد أحد قادراً حتى على التفرقة بين أسمائها خاصة اليسارية منها. فكلها تحمل أسماء الشعب والثورة والعدل الاجتماعي والديمقراطية والحرية والتقدم والاتحاد والائتلاف. وبعضها إسلامي دون الإعلان لعدم جواز استعمال أسماء دينية لأحزاب سياسية. واكتفى بألقاب الحرية والعدالة أو التنمية أو النهضة أو الإصلاح. يمكن التعبير من خلالها عن مضمونها الإسلامي. و"المحظورة" في حاجة إلى وقت كي تؤسس حزبها، وتعود إلى الحياة السياسية العلنية، كما كانت قبل الثورة المصرية في 1952 أو بعدها بسنتين حتى حلها في 1954. والسلفيون في حاجة إلى وقت للتخلص من نفسية السجين، والتحول من الحياة السرية تحت الأرض إلى العمل العلني فوق الأرض، ومن حياة السجون والمعتقلات إلى العمل في الفضاء الفسيح. فالاختلاف في الدرجة وليس في النوع. وهناك جمهور الشعب. ومخاطبتهم ضرورية من أجل إيجاد العلاقة بين الشكل والمضمون، بين الجلباب والسبحة من جانب والفقر والبطالة وحياة العشوائيات من جانب آخر. الحزبية كالطائفية والعشائرية والعرقية عقبة أمام التحول. الحزبية طائفية سياسية، كما أن الطائفية حزبية دينية. والوقوع في الصراع الأيديولوجي النظري بين الديني والعلماني، بين الدولة الدينية والدولة المدنية يقسم ولا يوحِّد، يفرق ولا يجمع. وكثرة الحديث عن خطورة بعض الأطراف في الحياة السياسية القادمة إنكار للديمقراطية التي قامت التحولات للمطالبة بها. لا فرق بين خطاب النظام السابق الذي كان يخوّف بالأصوليين و"القاعدة"، والخطاب الأميركي الذي يخشى تجربة "طالبان"، والخطاب العلماني الثوري الداخلي الذي يخشى من المناقشة الداخلية، ومن المخاطر الأصولية، وإمكانية ظهورها في أي انتخابات برلمانية أو رئاسية قادمة. وقد ظهر ذلك في الاستفتاء الشعبي الأخير على التعديلات الدستورية، وفي مظاهرات ميدان التحرير الأخيرة من أجل الإسراع بالوتيرة الثورية، وإكمال تحقيق أهداف التحول. والإسلاميون ليسوا جبهة واحدة. فيهم يمين ويسار ووسط. اليمين أقرب إلى السلفيين. واليسار أقرب إلى العلمانيين. والوسط عينه على السلطة أكثر مما عينه على الثورة. وقد يكون الخلاف بين هذه الأجنحة الثلاثة أكثر من الخلاف بينهم وبين العلمانيين. فإذا كان عين الوسط على السلطة، يفكر بطريقة الحزب، فإن اليسار عينه على التغيير مثل باقي الثوار. واليمين يريد أن يتحول من السلطة تحت الأرض إلى السلطة فوق الأرض، ومن اللاشيء إلى كل شيء، ومن المنحل إلى الشرعي. مازال يفكر في الانتقام. ويسعى إلى السيطرة على الحياة السياسية. تأكل الثورة أبناءها إذا ما تفرق الثوار، كل في حزبه، وأعطوا الأولوية للحزب على الثورة، وللمصلحة الخاصة على المصلحة العامة، وللأمد القصير على الأمد الطويل. حينئذ ينضمون على غير وعي منهم لفلول النظام السابق الذي أُخذ على حين غرة، وأفاق من هول المفاجأة، ويسعى إلى استرجاع السلطة والثروة. ويلتحقون بالانتهازيين الجدد الذين يركبون كل نظام، جاهزون في الإعلام. التبرير جاهز. والتنظير عبقري. والغرب كيّف نفسه، وأعاد صياغة أحلافه من النظم بعد سقوطها إلى الشعوب بعد حراكها. وقرر المساعدة بعشرات المليارات لمصر وتونس. وفرّق بين الحليف القديم، والحليف الجديد. لا يعمل فريق ثوري بمفرده إلا وتحول إلى حزب قبل الأوان. ومهما كان هناك تجمع بمئات الآلاف في ميدان التحرير في جمعة الثورة الثانية فإنها ليست ثورة الملايين. لا تتنفس الثورة برئة واحدة. ولا ترى العالم بعين واحدة. ولا تسير على ساق واحدة. التحولات ما زالت مستمرة. لم تحقق كل أهدافها بعد. ومن السابق لأوانه الخلاف على من ستكون بيده السلطة بعد الانتخابات البرلمانية القادمة. طعن في الثورة من الأمام، ومن الخلف ومن كل اتجاه لمصلحة الحزب، والتخلي عن أهداف الثورة التي تحقق بعضها لمصلحة سلطة لم تنشأ بعد. وشتان ما بين الروح الثورية والعقلية الحزبية. نقلا عن (الاتحاد) الإماراتية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل