المحتوى الرئيسى

رضا حماد يكتب: التقشف ولغز غياب الصناديق الخاصة عن الموازنة

06/03 12:49

رغم بعض المؤشرات الإيجابية في أول موازنة عامة بعد الثورة، خاصة الزيادة في مخصصات دعم السلع والخدمات، فقد ضاع أملي وخاب رجائي لإغفال قضيتين جوهريتين بما يؤكد أننا أمام موازنة لا تنتمي كلياً لحكومة إنقاذ جاءت من رحم ثورة تتطلع لبناء مصر أكثر عدالة وحرية وشفافية.في القضية الأولى،  أدهشني كثيراً تفسير الدكتور سمير رضوان وزير المالية لخطط التقشف بأنها فقط البرامج المرتبطة بخفض الإنفاق الحكومي على المشروعات أو تخفيض رواتب الموظفين أو وقف التوظيف، وكأن التقشف وربط الحزام يقتصر فقط على الشعب ولا يكتوي بناره إلا المواطن، بينما تظل الحكومة على بذخها تركب المرسيدس وتنفق بلا حساب على السفريات والبدلات والمكافآت، وغيرها من متطلبات الرفاهية التي لم تتغير بعد الثورة.   لقد بدا الوزير وكأنه يدفع عن نفسه تهمه، عندما سأله أحد الصحفيين عن إمكانية وجود خطة حكومية للتقشف وأصر على أنه لا مكان لهذه الكلمة في الموازنة الجديدة، مستعينا بنظريات تقول بأن التغلب على الركود الاقتصادي يكون بمزيد من الإنفاق الحكومي لا بالتقشف، وأظن أن هذه الرؤية على صحتها لا تستقيم في حال حكومة إنقاذ مطلوب منها أن تقدم أوراق اعتماد ثورية وتتصرف كالثوار.ليس لدى اعتراضات جوهرية على إمكانية الاقتراض طالماً أن هذه القروض ستتجه نحو الاستثمار لا إلى تلبية المطالب الفئوية ورفع الأجور وصرف إعانات للعاطلين، فالقروض قد تتحول إلى فخ للثورة يكبل الأجيال المقبلة ويجهز على حلمنا بمستقبل أفضل.وأرى أن من غير المقبول أن يوافق الشعب على برامج الحكومة للاقتراض من دون الإعلان عن خطة تقشف تقلص الإنفاق الحكومي، وتوفر المليارات التي تذهب إلى بنود كثيرة للإنفاق بات من السخف الإبقاء عليها ثم نتحدث عن ضرورة الاقتراض أو قبول الإعانات.واحد من تلك البنود السخيفة، ما تنفقه الوزارات وشركات القطاع العام على أنديتها الرياضية، مع العلم أن هناك وزارات لديها ثلاثة أندية وأكثر، وهنا أتساءل هل من العدالة أو الأخلاق إنفاق الملايين على شراء مرتزقة كرة القدم من ميزانية كسيحة يصل العجز فيها إلى 11 بالمائة ؟ ثم أليست هذه الأندية من إبداعات النظام الساقط ورموزه من أمثال سامح فهمي لإلهاء الناس ؟ أظن أن الشعب يحتاج إلى كل قرش تنفقه هذه الأندية، واجزم بأن قيمة صفقات شراء اللاعبين الأفارقة كافية لتوصيل الغاز لقرى كثيرة في مصر حتى نرحم أبنائها من معارك طوابير أنابيب الغاز.مثال أخر، هل من الصعب أن تضع وزارة الخارجية خطة تقشف تستغني بموجبها عن بعض البعثات الخارجية أو بعض المكاتب الإعلامية التي تفرغت خلال السنوات الماضية للترويج لمشروع التوريث ؟ هل مصر أغنى من السويد التي واجهت الأزمة المالية العالمية بإغلاق سفاراتها في خمس عواصم دولية ضمن خطة تقشف حكومي شملت جميع الوزارات، هل سيتعثر مسار الدبلوماسية المصرية وتنهار المصالح المصرية لو أُغلقت مؤقتاً سفارتنا في جواتيمالا أو بوليفيا أو نيوزيلندا.منطق العدالة والديمقراطية واحترام الثورة يقتضي أن تعلن الحكومة خطة تقشف قبل أن تفاجئنا بالاقتراض أو قبول العطايا والبحث عن خطط إنقاذ خارجية، لأننا إن لم نبحث عن الإنقاذ من الداخل لن نحصل عليه من الخارج، وعلينا أن نعي جيداً درس المساعدات الأوربية للاقتصاديات المتعثرة في اليونان وأسبانيا أيرلندا عندما أرغمتها الدول الغنية على تطبيق خطط تقشف مؤلمة كشرط للحصول على مساعدات. نأتي إلى القضية الثانية المتعلقة بلغز الصناديق الخاصة، فمنذ منتصف فبراير الماضي قيل إن وزارة المالية ستضخ أموال الصناديق الخاصة في الموازنة العامة ولكن بعد أربعة أشهر جرى الإعلان عن الموازنة خالية من مليارات تلك الصناديق، لتبقى صناديق الإفساد والمحسوبية ومص دم الفقراء بحوزة المحافظين ووكلاء الوزارات يوزعونها أنصبة وعطايا على من يدينون لهم بالولاء. مؤخرا ذكر تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات أن إجمالي أرصدة حوالي 10 آلاف صندوق خاص في الوزارات والمحافظات بلغ نحو 1272 مليار جنيه، لكن هناك تقديرات أخرى تقول بأن حصيلة هذه الصناديق تصل إلى 8 مليارات جنيه، في حين يوجد تقدير ثالث يقلص الفجوة الشاسعة بين الاثنين يقول بأن قيمتها تصل إلى 500 مليار جنية، وبغض النظر هذا التفاوت في الحصيلة، لماذا الإبقاء على هذه الأموال تحت تصرف الوزراء والمحافظين ومساعديهم طالما أن موارد الميزانية منخفضة والاقتصاد يترنح، والأهم في رأيي هو لماذا الإبقاء على هذه الصناديق بعد ثورة كان عنوانها حرية وعدالة اجتماعية ؟لمن لا يعلم، فهذه الصناديق هي الباب الخلفي للفساد والإفساد وهي نوع من تكريس دولة الجباية لصالح المحتسب سواء كان وزيراً أو محافظاً، معظم إيرادات هذه الصناديق تدخل تحت بند التبرع الإجباري، وهذا مكتوب بمنتهى البجاحة على الإيصال الأحمر الذي يلاحق جميع المصريين منذ الطفولة، هل تذكرون معونة الشتاء، هل تعرفون "الكارته" التي تفرضها المحليات على سيارات الأجرة والرسوم الإضافية على فاتورة النظافة، وتذاكر زيارة المرضي في المستشفيات الحكومية، وتبرعات مشروعات الأحياء للتشجير والتزيين وغيرها من فنون الجباية، حصيلة كل هذه التبرعات الإجبارية تذهب إلى الصناديق الخاصة وتوزع أنصبة على السادة الكبار وتستخدم في تجديد أثاث مكاتبهم وصرف المكافآت للمحاسيب والمقربين من أهل الحظوة.كنت أتمنى أن تفي وزارة المالية بما وعدت به وتضم إيرادات هذه الصناديق للموازنة الجديدة وأجزم بأنها لو فعلت لتقلص العجز بمقدار كبير، لكن يبدو أن المافيا المستفيدة من أموال هذه الصناديق لا تزال قوية، وعليه فلا مجال سوى المطالبة بإلغائها تماماً فالمواطن البسيط أولى بكل قرش يتبرع به مجبراً لمشاريع وهمية ومكافآت انتهى زمانها.وأربأ بالدكتور شرف شخصياً الصمت على هذا الخداع بدعوى إمكانية تصويب منافذ إنفاق هذه الصناديق وتوجيهها نحو خدمات حقيقة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل