المحتوى الرئيسى

خالد الكيلاني : لعبة العسكر أم لعبة السياسة!!

06/03 12:18

أعتقد أنه قد أن الأوان لكي نصارح أنفسنا، ونصارح مجلسنا العسكري بكل الأمور… وبشفافية ووضوح كاملين. وقبل تلك المصارحة لابد أن نكشف للمجلس العسكري عن حقائق ربما تكون قد غابت عنه في ظل التركة الثقيلة التي ينوء بها، وفي ظل الأحداث المتلاحقة التي تمر بها مصر منذ الخامس والعشرين من يناير حتى الآن.1 – أولى تلك الحقائق وأهمها على الإطلاق أن المجلس العسكري يدير شئون البلاد في هذه المرحلة الانتقالية بمشروعية الثورة… لا بشرعية دستورية أو قانونية، مشروعية يستمدها من ميدان التحرير حين ناداه الثوار لحمايتهم من بطش وقمع أجهزة أمن نظام مبارك منذ ظهر يوم الجمعة 28 يناير. وأن تفويض الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد قد سقط بسقوط مبارك نفسه وسقوط نظامه، بل إن هذا التفويض نفسه لم يتم … ولم يكن له أن يتم لأنه مخالف للدستور الذي كان قائماً وقت هذا التفويض، فالمواد 83، 84 من دستور 1971 الذي سقط بالثورة لا تتيح لمبارك هذا التفويض، وتعبير “تخلى وكلف” الذي أعلنه مبارك على لسان نائبه السابق السيد عمر سليمان عشية يوم 11 فبراير لم يكن إلا نوعاً من المراوغة واللغو من الرئيس المخلوع لا معنى له … ولا محل له.2 – ثاني تلك الحقائق أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة وقد قبل بمهمة الإدارة السياسية للبلاد في تلك المرحلة المؤقتة والصعبة فقد أصبح لاعباً سياسياً على الساحة يجوز نصحه وانتقاده والاختلاف معه دون أن يمس هذا بهيبة القوات المسلحة المصرية التي هي جزء من الشعب المصري ويكن لها كل احترام وتقدير. فالمجلس الأعلى وعلى رأسه المشير محمد حسين طنطاوي يقوم مقام رئيس الدولة في المرحلة الانتقالية وهي مهمة سياسية لا عسكرية تجيز لأي مواطن التعامل معه كرئيس دولة يعمل بالسياسة يؤخذ منه ويرد عليه.3 – ثالث تلك الحقائق أن المجلس العسكري والمؤسسة العسكرية كانا جزءاً من نظام مبارك الذي أسقطته الثورة، ولكن انحياز المجلس العسكري منذ أول بيان له لثورة 25 يناير، وحمايته لثوارها، إضافة للتاريخ المجيد الذي سطرته قواتنا المسلحة على مدى عقود طويلة بدماء أبنائها البواسل رسخ لعلاقة جديدة بين الشعب والجيش تسمح للمجلس الأعلى باستكمال دوره في تنفيذ مطالب الثورة، وتعطي أفراد الشعب الثقة الكاملة في أن هذا المجلس سيظل أميناً على تنفيذ هذه المهمة.4 – رابع تلك الحقائق أن عقيدة القوات المسلحة المصرية منذ أنشأها الوالي محمد علي قبل مائتي سنة وحتى الآن أن مهمتها هي حماية التراب الوطني ضد أي اعتداء خارجي، ولم تطلق القوات المسلحة المصرية في تاريخها رصاصة واحدة على مصري، ولذلك فما فعلته القوات المسلحة منذ ثورة 25 يناير حتى الآن وتأكيدها المستمر على أن سلاحها لم ولن يستدير للخلف هو تأكيد لعقيدة الجيش المصري منذ مئات السنين. لا منة من أحد، ولا تفضلاً من قائد.5 – خامس تلك الحقائق وأخرها أنه لا أحد في مصر يستطيع أن ينكر أن المجلس العسكري قد ورث عن النظام السابق تركة ثقيلة من المشاكل والأزمات في ظل دولة مهترئة، ومؤسسات متفسخة، ومجتمع مأزوم، وهي نتاج طبيعي لعقود من تحالف الفساد والاستبداد، ولا أحد في مصر يستطيع أن ينكر أن المجلس العسكري – وعن طريق حكومة الدكتور عصام شرف التي تضم مجموعة من خيرة رجالات مصر المحترمين – قد حقق على المستوى الخارجي لمصر ما لم تحققه منذ عقود، وأعاد لمصر قدراً كبيراً من دورها وبريقها على المستوى العربي والإقليمي والدولي، كما أنه على المستوى المحلي ما زال يخطو خطوات جادة نحو الإصلاح تناوئها قوى كثيرة كانت ومازالت مستفيدة ومستمتعة بفساد النظام المخلوع، وقوى أخرى ما كان لها أن تنمو وتترعرع إلا في ظل هذا الفساد، وتحاول الآن القفز على الثورة وتنفيذ أجندتها في دولة يتم تفصيلها وفقاً لمصالحها مستفيدة من مشاعر دينية راسخة لدى هذا الشعب، ومفاهيم مغلوطة لم يتح لأحد – ولا يريدون أن يتاح لأحد – فرصة تصحيحها.ويترتب على تلك الحقائق بديهيات يجب ألا نغفل عنها أو تغيب عن أعيننا.1 – أولى تلك البديهيات أن هذا المجلس العسكري يمثل الثورة ولا أحد سواها، وأنه يستمد شرعيته من ميدان التحرير ولا شرعية سواه، وأنه يتعين عليه تنفيذ مطالب تلك الثورة التي أجمعت عليها والتي أعلنتها مراراً من ميدان التحرير دون انتقاء، ودون تسويف، ودون تباطؤ … ودون التفاف أيضاً. وأولى هذه المطالب هو تطهير أجهزة الدولة من بقايا النظام السابق وسرعة محاكمة القتلة والمفسدين محاكمة نزيهة عادلة ناجزه.2 – ثاني تلك البديهيات أن المجلس العسكري وهو يمارس دوره السياسي المؤقت في إدارة البلاد – وليس حكمها – ليس له أن يقرر ما يجوز وما لا يجوز، وليس له أن يقرر ما هو الأفضل من بين اختيارات سياسية عدة مطروحة أمامه، لأن هذا القرار هو ملك الثورة وملك الشعب عن طريق آليات اختيار ديمقراطية لا شبهة فيها ولا تلاعب. وبالتالي لا يجوز للمجلس الأعلى أن يحكم تصوراته وأفكاره المسبقة عن المجتمع في صياغة قراراته. من مثال أنه كان يتصور أن قوى الإسلام السياسي والتيارات السلفية هي القوى الأكثر انتشاراً وتأثيراً في الشارع فأخطأ المجلس خطأين فادحين نتجت عنهما خطايا لا نستطيع تداركها حتى الآن.- أول هذه الأخطاء التي تصل إلى حد الخطيئة أن يستخدم المجلس العسكري زعماء الفتنة ومن أشعلوها ونفخوا فيها طوال عقود لوأد هذه الفتنة!! حدث هذا في أطفيح، وفي قنا، وفي إمبابة وفي غيرها، وكان أسوأ ما في هذا الحل ليس فقط الاستعانة بدعاة الفتنة والترويج لهم ومساعدتهم على كسب أراض جديدة، وإنما استخدام نفس وسائل النظام السابق في استبعاد تطبيق القانون الذي يحتم القبض على المجرمين وتقديمهم للمحاكمة واستخدام ذات الحلول العرفية التي كانت تتيح للنظام السابق أن يظل دائماً ممسكاً بخيوط لعبة الفتنة الطائفية والمجتمعية.- وثاني تلك الخطايا هو عند تكوين ما سمي بلجنة التعديلات الدستورية، أو اللجنة التي أعدت المواد الثمانية التي تم الاستفتاء عليها ثم خرج الإعلان الدستوري بمواد أخرى!! – ما علينا – في هذه اللجنة التي شكلت من تسعة أفراد والتي من المفترض إما أن تكون محايدة تماماً، أو أن تكون ممثلة لكل الأطياف الفكرية في المجتمع، ترأسها رجل قانون قريب فكرياً لتيار الإسلام السياسي ومع ذلك كان الأمر “مبلوعاً” باعتباره واحداً من الفقهاء الدستورين الذين يشار لهم بالبنان في مصر، ولكن كانت الطامة الكبرى أن يتم اختيار محام منتسب لأحد الجماعات السياسية لعضوية تلك اللجنة وهو محام عادي مثله مثل مئات الآلاف من المحامين الذين تضمهم نقابة المحامين في مصر، ولم يعرف عنه يوماً ولعه بالفقه الدستوري، ولا تميزه في كتابة الدساتير، بل إن أحداً لم يقرأ له بحثاً أو دراسة في فرع من فروع القانون … باختصار لا شيء يميزه سوى انتمائه لجماعة الإخوان وتمتعه بابتسامة النصر والغرور البلهاء التي تملأ وجوههم كالعادة … وعلى هذا تم اختياره لعضوية تلك اللجنة.وتكمن خطورة هذه الخطوة في أن المجلس العسكري الذي قام باختيار أعضاء اللجنة لم يجد من التيارات السياسية في المجتمع من يستحق التمثيل فيها سوى جماعة الإخوان، ولأنهم انتهازيون بطبعهم فلم يفوتوا هذه الفرصة الثمينة ليتكسبوا منها أرضاً جديدة على حساب أصحاب الثورة الحقيقيين، بل إن ممثلهم هذا – وهو محامي نص كم – أصبح نجماً دائماً على الفضائيات.3 – ثالث هذه البديهيات وأخرها أن انتقاد قرارات وأراء وتوجهات المجلس العسكري الأعلى أو أحداً من أفراده هو من قبيل النقد المباح الذي يتيحه القانون لأي مواطن، ولا علاقة له من قريب أو بعيد بإهانة أو التعريض بالمؤسسة العسكرية ولا يجب أن يؤاخذ أي مواطن أو كاتب أو صحفي أو إعلامي على هذا النقد طالما لم يتعرض للحياة الخاصة لذلك المسئول، بل إن القانون يتوسع في حرية نقد الموظف العام والمكلف بخدمة عامة ولا يتيح له ذات الحماية التي يتيحها للمواطن العادي، وليسأل السادة أعضاء المجلس العسكري زميلهم اللواء ممدوح شاهين – وهو قانوني عتيد -  في ذلك. وبشكل أكثر توضيحاً نقول أنه طالما نزل أعضاء المجلس العسكري لساحة السياسة فليلعبوا مع الجميع لعبة السياسة لا لعبة العسكر.مواضيع ذات صلة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل